![]() |
كيف الجمع بين (مقداره ألف سنة) و (مقداره خمسين ألف سنة) ؟
السؤال : في سورة السجدة : (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) وفي سورة المعارج : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) . فكيف الجمع بين الآيتين ؟ http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gif الجواب : قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : دَخَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَيْرُوزَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ ابْنُ فَيْرُوزَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ، وَعَنْ قَوْلِهِ : (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيَّامٌ سَمَّاهَا اللَّهُ لا أَدْرِي مَا هِيَ ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لا أعلم . وقد اجتهد العلماء في الْجَمْع بين الآيتين ؛ فاليوم عند الله كَألْفِ سَنة ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) . وما في آية السجدة موافِق لِمَا في هذه الآية . وأما ما في آية " المعارِج " فهو في فِي وَصْفِ عُرُوجِ الْمَلائِكَة مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ السابعة . قال ابن جرير الطبري في تفسيره : كَانَ مِقْدَارُ صُعُودِهِمْ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَصْعَدُ مِنْ مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ أَسْفَلِ الأَرْضِ السَّابِعَةِ إِلَى مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ فَوْقِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ . اهـ . وقال البغوي في تفسيره : (يُدَبِّرُ الأَمْرَ) ، أَيْ : يُحْكِمُ الأَمْرَ وَيُنْزِلُ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ (مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ) . وَقِيلَ : يُنْزِلُ الْوَحْيَ مَعَ جِبْرِيلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ، يَصْعَدُ، إِلَيْهِ، جِبْرِيلُ بِالأَمْرِ، فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، أَيْ : فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ أيام الدنيا وقدره مَسِيرَةِ أَلْفِ سَنَةٍ؛ خَمْسُمِائَةٍ نُزُولُهُ ، وَخَمْسُمِائَةٍ صُعُودُهُ ؛ لأَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ ، يَقُولُ : لَوْ سَارَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ لَمْ يَقْطَعْهُ إِلاَّ في ألف سنة ، والملائكة يقطعونه فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، هَذَا فِي وَصْفِ عُرُوجِ الْمَلَكِ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، أراد مُدَّة المسافة من الأَرْضِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الَّتِي هِيَ مَقَامُ جِبْرِيلَ ، يَسِيرُ جِبْرِيلُ وَالْمَلائِكَةُ الَّذِينَ مَعَهُ مَنْ أَهْلِ مَقَامِهِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ . وَقَوْلُهُ (إِلَيْهِ) : أَيْ إِلَى اللَّهِ . وَقِيلَ : عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ، أَيْ : إِلَى مَكَانِ الْمَلَكِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْرُجَ إِلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلْفُ سَنَةٍ وَخَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ كُلُّهَا فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَطْوَلَ ، وَعَلَى بَعْضِهِمْ أَقْصَرَ ، مَعْنَاهُ : يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ مُدَّةَ أَيَّامِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَعْرُجُ أَيْ يَرْجِعُ الأَمْرُ وَالتَّدْبِيرُ إِلَيْهِ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا ، وَانْقِطَاعِ أَمْرِ الأُمَرَاءِ وَحُكْمِ الْحُكَّامِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ . وَأَمَّا قوله : (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، فَإِنَّهُ أَرَادَ عَلَى الْكَافِرِ ، يَجْعَلُ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَيْهِ مِقْدَارَ خمسين ألف سَنَةٍ ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ دُونَ ذَلِكَ . اهـ . وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في دفع إيهام الاضطراب : قوله تعالى : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) هذه الآية الكريمة تدل على أن مقدار اليوم عند الله ألف سنة ، وكذلك قوله تعالى : (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) . وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك ، وهي قوله تعالى في سورة سأل سائل : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة ) الآية . اعلم أولاً أن أبا عبيدة رَوى عن إسماعيل ابن إبراهيم عن أيوب عن ابن أبي مليكة أنه حضر كُلاًّ من ابن عباس وسعيد بن المسيب سُئل عن هذه الآيات فلم يَدْرِ ما يقول فيها ويقول : لا أدري . وللجمع بينهما وجهان : الوجه الأول : هو ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سِمَاك عن عكرمة عن ابن عباس من أن يوم الألف في سورة الحج هو أحَد الأيام السِّـتَّة التي خَلَق الله فيها السماوات والأرض ، ويوم الألف في سورة السجدة هو مقدار سير الأمر وعُرُوجه إليه تعالى . ويوم الخمسين ألفاً هو يوم القيامة . الوجه الثاني : أن المراد بجميعها يوم القيامة وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر ، ويدل لهذا قوله تعالى : ( فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) ذكر هذين الوجهين صاحب الإتقان . والعلم عند الله . اهـ . والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم عضو مكتب الدعوة والإرشاد |
الساعة الآن 11:11 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى