![]() |
كيف نرد على مَن يقول أنَّ الغِناء لا يحرُم إلا إذا صاحبه زنا وشُرب خمر ولُبس حرير ؟
السؤال ما رد فضيلتكم على قول هذا الشيخ ردا على حديث ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير و الخمر و المعازف ) ؟ و جزاكم الله خيراً لا يُلْزم البخاري بالاحتجاج إلا لما ترجم له في تراجمه من أحكام وقد خلا صحيح البخاري من ترجمة تدل على الخلاف في المسألة أو على الاتفاق مع أنه ترجم لمسائل أقل انتشارا في صحيحه فمثلا أخرج البخاري في صحيحه حديث الأوزاعي عن يحيى عن جعفر عن أبيه فى المسح على العمامة والخفين ولم يترجم البخاري إلا للخفين فقط ، وقد خطّأ أبو حاتم الرازي وغيره الإمام الأوزاعي في زيادة العمامة ، فلا يجوز والحالة هذه أن نأتي لحديث الأوزاعي ونحتج به على أنه من حجج الإمام البخاري ؛ لأن الإمام البخاري أخرجه لغرض فني حديثي وهو المتابعة على ذكر الخفين لا العمامة ، فمن استعمله في الاحتجاج به على مسألة العمامة فقد أساء فهم صنيع الإمام البخاري بل وأساء للإمام البخاري نفسه إذ ألصق به احتجاجه بالروايات التي أخطأ فيها الرواة ، فعلى إخوتي أن يميزوا مثل هذا ولا ينقلوا من المواقع قص ولزق لما لا يفقهه صاحب الموقع نفسه فإن أدعياء العلم المتعالمين كثير . ثم إن حديث المعازف فيه ذكر الحرير ومعلوم إجماعا أن الحرير مباح للنساء ؛ وكذلك ذكر المعازف ومنها الدف الذي سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فدل هذا أن الحديث ليس على إطلاقه ، وأن المقصود الكلام على حالة وصفة يكون عليها أهل الفجور من انتهاك محارم الله بالزنا الذي يصاحبه غالبا آلات الطرب ومظاهر الترف المتمثل في الحرير وكذلك الخمر ، ولو وُجِد الدف المجمع على حلّه مع زنا لكان الدف حراما في هذه الحالة ؛ إذْ الوسائل تأخذ حكم المقاصد كما تقرر في الأصول ، بل السيارة التي تقل الذي يذهب للمعصية تكون في دائرة استعمال المحرم لأنها وسيلتها ، وهذا مقرر لا خلاف فيه ، وعليه ؛ فلا يجوز والحالة هذه أخذ أحد ألفاظ الحديث وعزله عن كلّه المظهر لفهمه ، لنصل إلى التحريم بحجة الورع ، فالورع في الحكم على المحرم كالحكم على المباح ،كلاهما ورع ؛ لأننا ننسب الحكمين لله سبحانه ، بل إن العثيمين قال إن الإثم في جانب من حرم المباح أكثر منه في جانب من أباح المحرم ، لأن البراءة الأصلية للإباحة ، فانظر ماذا ترى وإياك والمراء . الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا وقد أخطأ القائل في الاستدلال ؛ لأن أحاديث المعازف ليست مُقتصِرة على هذا الحديث ، بل ورَد في تحريم المعازف أحاديث كثيرة . والقول بِدلالة الاقتران ليس على إطلاقه ، بحيث لا تُحرّم تلك الأشياء إلاّ إذا كانت مُجتمعة . وقد بَيَّن ابن القيم رحمه الله في " بدائع الفوائد " قوّة وضَعْف هذه الدلالة . وكذلك تخصيصها بِقَومٍ تَجْتَمِع فيهم تلك المنهيات ؛ لأنه يلزَم أن لا يُقال بِحرمة الزنا ، ولا بِحرمة الخمر ، إلاّ إذا اجتمعت معًا ، ولا قائل يقول بذلك ! فالخمر مُحرّمة ، والزنا مُحرّم ، ومَن أنكر تَحريمهما كَفَر . والاستدلال بِجواز إباحة الحرير للنساء فيه نَظَر ؛ لأن الحديث ليس فيه ذِكْر للنساء ، وإنما فيه ذِكْر للرِّجال ، بِدلالة لفظ " القوم " أو " الأقوام " ، وهذه لا تُطلَق إلاّ على الرجال غالبا ، كما قال أهل اللغة . واستدلّوا بقوله تعالى : (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ) ، فقد جَعل النساء مُقابِل القَوم ، والقَوم هم الرِّجال في الغالب . وبِقَول زهير : وما أدري وسوف إِخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء ؟! قال ابن الجوزي : وإنما سُمُّوا قَومًا ، لأنهم يقومون بالأمور . اهـ . وقال ابن عطية : والقَوْم في كلام العرب : واقِع على الذُّكْرَان . اهـ . وقال السمين الحلبي في لفظ القوم : ولا يجوزُ أن يُطْلَقَ على النساءِ وَحْدَهُنَّ البتةَ . اهـ . وقال ابن منظور في " لسان العرب " : والقَوْمُ : الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا . وَقِيلَ : هُوَ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ ، ويُقوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ) ؛ أَي : رِجَالٌ مِنْ رِجَالٍ ، وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِساء ، فَلَوْ كَانَتِ النِّسَاءُ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يَقُلْ : (وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ) ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ زُهَيْرٍ: وَمَا أَدرِي، وسوفَ إخالُ أَدري، ... أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساء؟ وقَوْمُ كُلِّ رَجُلٍ : شِيعته وَعَشِيرَتُهُ . وَرُوِيَ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ : النَّفَرُ والقَوْم والرَّهط هؤُلاء مَعْنَاهُمُ الْجَمْعُ لا وَاحِدَ لَهُمْ مِنْ لَفْظِهِمْ ، لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ ... قَالَ ابْنُ الأَثير : القَوْم فِي الأَصل مَصْدَرُ قَامَ ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النساء ، ولذلك قابَلَهن بِهِ ، وَسُمُّوا بِذَلِكَ لأَنهم قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بالأُمور الَّتِي لَيْسَ لِلنِّسَاءِ أَن يُقِمْنَ بِهَا . الْجَوْهَرِيُّ: القَوْم الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ ، لا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ ، قَالَ : وَرُبَّمَا دَخَلَ النِّسَاءُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ؛ لأَن قَوْمَ كُلِّ نَبِيٍّ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ . اهـ . والاستدلال بِما يتعلّق بالدفّ خطأ ؛ لأنه استدلّ على ما هو محلّ خلاف ، وليس مِن المباحات حتى يُستدلّ به على إباحة الغناء ! ولعل القائل : (فمن استعمله في الاحتجاج به على مسألة العمامة فقد أساء فهم صنيع الإمام البخاري بل وأساء للإمام البخاري نفسه إذ ألصق به احتجاجه بالروايات التي أخطأ فيها الرواة) قد أخطأ على الإمام البخاري رحمه الله ؛ فإن الإمام البخاري بوّب على هذا الحديث : بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . والحديث فيه ذِكْر الخمر والزنا ، فهل يقول فقيه : إن الإمام البخاري لا يستدلّ بهذا الحديث على تحريم الزنا ؛ لأنه اقتصر في التبويب على ذِكْر الخمر دون ذِكر الزنا ؟!! وهل قال أحد بأنه لا يُستدلّ بما في صحيح البخاري إذا لم يُبَوِّب عليه الإمام البخاري ؟ فالعِبرة بِصحّة الحديث . وكان الأئمة يقولون : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي . قال الشيخ العلاّمة محمد جمال الدين القاسمي في " قواعد التحديث " - في كلامه على ثمرات الحديث الصحيح ومعرفته - : الثمرة الخامسة : لزوم قبول الصحيح ، وأن لم يعمل به أحد . اهـ . وقد يُبوِّب الإمام البخاري على جُزء من الحديث ، ويكون سائر الحديث مما هو مُتّفق عليه بين العلماء ، ولكنه لا يُبوِّب عليه ؛ لأنه ليس مُراده في ذلك الباب أو الكتاب . فقد عقد الإمام البخاري بابا قال فيه : بَابُ مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ . ثم أوْرَد فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلاثَةٌ : مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ . فهل يُقال : إن الْمُلْحِد في الْحَرَم ومُبتغ سُنّة الجاهلية في الإسلام ؛ لا يَدخلان في فقه الحديث لأن البخاري لم يذكر ذلك في التبويب ؟! ومثله : تبويب الإمام البخاري : بَابُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ ثم روى فيه قوله عليه الصلاة والسلام : إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ . فهل يُقال : إن بيع الخمر والخنزير غير داخل في فَهْم واستدلال الإمام البخاري ؟! لأنه لم يُبوِّب إلاّ على بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ ؟! وهذا على سبيل المثال ، وإلاّ فتتبع ذلك يطول . ومَن قرأ في شروح صحيح الإمام البخاري ، أو قرأ كتاب " عاداتُ الإمام البخاريِّ في صحيحه " لعبد الحق الهاشمي المكي ؛ عَرَف طريقة الإمام البخاري في التبويب والاستدلال . صحيح أنه لا يصحّ الاستدلال بِما أوْرَده البخاري مُعلّلاً له . وحديث تحريم المعازف ليس من هذا القبيل . ولو افترضنا ذلك ، فقد صحّت الأحاديث في تحريم المعازف . وسبق : هل الموسيقى فعلاَ حرام قولاً واحدا لا شك فيه ؟ http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=129 هل سماع الأغاني أو الموسيقى حرام أم لا ؟ http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=149 الحكمة من تحريم الأغاني والموسيقى http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=135 سؤال عن الموسيقى الهادئة http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=5444 بماذا نَرُدّ على مَن يرى بجواز استماع آلات الموسيقى ؟ http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=279 شبهات حول تحريم الغناء http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=4165 شبهات حول تحريم الموسيقى http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=4166 حُـكم الدفّ للرجال والنساء في غير الأعراس http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=4167 هل هذا دليل على جواز سماع الدف بالنسبة للرجال ؟ http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=4170 حكم الدف المفتوح مِن جهة ، والْمُغْلَق مِن جهتين ? http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11727 ما حكم استخدام الطبل في الحروب ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11728 المؤثرات الصوتية والإيقاع والدفوف في الأناشيد http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=3905 فتاوى في حُكْم استخدام " الزير " في العَرْضَات والأعراس ونحوها http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11729 والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم عضو مكتب الدعوة والإرشاد |
الساعة الآن 01:38 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى