![]() |
هل صحيح أنّ مَن همَّ بذنب ولم يعمل يُبتلى بالغمِّ ؟
السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله من فضلك هل ما ذكر صحيح؟ سئل سفيان بن عيينة عن غم لا يعرف سببه ؟ فقال هو ذنب هممت به في سرك ولم تفعله . فجزيت هماً به قال شيخ الإسلام معلقاً : ( فالذنوب لها عقوبات السر بالسر والعلانية بالعلانية ) وجزاك الله خيراً الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا ، وحفظك الله ورعاك . ذَكَره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى . قال رحمه الله : رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ : مَا أَعْلَنْت فَإِنَّ اللَّهَ يُحَاسِبُك بِهِ ، وَأَمَّا مَا أَخْفَيْت فَمَا عُجِّلَتْ لَك بِهِ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا . وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مِمَّا يُعَاقَبُ فِيهِ الْعَبْدُ بِالْغَمِّ ، كَمَا سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة عَنْ غَمٍّ لا يُعْرَفُ سَبَبُهُ ؟ قَالَ : هُوَ ذَنْبٌ هَمَمْت بِهِ فِي سِرِّك وَلَمْ تَفْعَلْهُ ؛ فَجُزِيت هَمًّا بِهِ . فَالذُّنُوبُ لَهَا عُقُوبَاتٌ : السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلانِيَةُ بِالْعَلانِيَةِ . اهـ . ومِن قبل قال ابن الجوزي رحمه الله : نازعتني نفسي إلى أمْرٍ مَكروه في الشرع ، وجعلت تنصب لي التأويلات وتدفع الكراهة ، وكانت تأويلاتها فاسدة ، والحجة ظاهرة على الكراهة . فلجأت إلى الله تعالى في دفع ذلك عن قلبي ، وأقبلت على القراءة ، وكان درسي قد بلغ إلى سورة يوسف فاتِحَتها، وذلك الخاطر قد شغل قلبي حتى لا أدري ما أقرأ ، فلما بلغت إلى قوله تعالى : (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) انْتَبَهْتُ لها وكأني خُوطِبت بها . فأفَقْتُ مِن تلك السَّكْرة ، فقلت : يا نفس أفهمت ؟ هذا حُـرٌّ بِيع ظُلْما ، فَرَاعَى حق مَن أحسن إليه ، وسَمَّاه مَالِكا ، وإن لم يكن له عليه ملك ، فقال : إنه ربي . ثم زاد في بيان مُوجب كّفّ كَفّه عَمّا يُؤذيه ، فقال : أحسن مثواي . فكيف بك وأنت عبد على الحقيقة لمولى ما زال يُحسن إليك مِن ساعة وُجُودِك . وإن ستره عليك الزلل أكثر مِن عَدد الحصا . أفما تذكرين كيف رباك وعلمك ورزقك ودافع عنك ، وساق الخير إليك ، وهداك أقوم طريق ، ونجاك من كل كيد ؟ وضَمّ إلى حسن الصورة الظاهرة جودة الذهن الباطن ؟ وسَهّل لك مَدَارك العلوم حتى نِلْتِ في قصير الزمان ما لم يَنَلْه غيرك في طَوَيلِه . وجَلّى في عَرصَة لِسانك عرائس العلوم في حُلل الفصاحة بعد أن سَتر عن الخلق مَقَابِحك ، فتلقوها منك بِحُسن الظن . وساق رزقك بلا كُلْفة تَكَلُّف ولا كَدَر منّ ، رَغَدا غير نَزر ؟ فوالله ما أدري أي نعمة عليك أشرح لك ، حُسن الصورة وصِحة الآلات ؟ أم سلامة المزاج واعتدال التركيب ؟ أم لُطف الطبع الخالي عن خَسَاسة ؟ أم إلْهَام الرشاد منذ الصغر ؟ أم الحفظ بحسن الوقاية عن الفواحش والزَّلل ؟ أم تَحبب طريق النقل واتباع الأثر من غير جمود على تقليد لِمُعَظَّم ، ولا انخراط في سِلْك مُبْتَدِع ؟ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) كم كائد نَصَب لك المكايد فَوَقَاك ؟ كم عدوّ حَطّ منك بالذَّمّ فَرَقّاك ؟ كم أعطش مِن شراب الأماني خَلْقًا وسَقَاك ؟ كم أمات مَن لم يبلغ بعض مُرادك وأبقاك ؟ فأنت تُصْبِحين وتُمْسِين سَليمة البَدَن ، مَحْرُوسة الدِّين ، في تَزَيّد مِن العِلم وبلوغ الأمل . فإن مُنِعْت مُرَاد فَرُزِقت الصبر عنه بعد أن تبين لك وَجْه الحكمة في المنع فَسَلِّمِي حتى يقع اليقين بأن المنع أصلح . ولو ذهبت أعدّ مِن هذه النعم ما سَنح ذِكْره امتلأت الطروس ولم تنقطع الكتابة . وأنت تعلمين أن ما لم أذكره أكثر ، وأن ما أوْمَأتُ إلى ذِكْره لم يُشْرَح . فكيف يَحسن بك التعرض لِمَا يَكْرَهه ؟ (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) . وقال أيضا : ما رأيت أعظم فتنة مِن مقاربة الفتنة . وقَلّ أن يقاربها إلاَّ مَن يقع فيها . ومَن حام حول الحمى يُوشِك أن يقع فيه . قال بعض المعتبرين : قَدرت مرة على لذة ظاهرها التحريم وتحتمل الإباحة ، إذ الأمر فيها مُرَدَّد . فجاهدت النفس فقالت : أنت ما تَقْدر فلهذا تَتْرُك ، فَقَارِب المقدور عليه فإذا تَمَكَّنْت فَتَرَكْت كُنْت تَارِكا حقيقة . فَفَعَلْت وتَرَكْت ، ثم عَاوَدْت مرة أخرى في تأويل أرتني فيه الجواز وإن كان الأمر يَحْتَمِل . فلما وافقتها أثَّـر ذلك ظلمة في قلبي لخوف أن يكون الأمر مُحَرَّما . فرأيت أنها تارة تقوى عليَّ بالترخُّص والتأويل ، وتارة أقوى عليها بالمجاهدة والامتناع . فإذا تَرَخَّصْت لم آمن أن يكون ذلك الأمر محظورا ، ثم أرى عاجلاً تأثير ذلك الفعل في القلب . فلما لم آمَن عليها بالتأويل تفكرت في قَطع طَمَعها من ذلك الأمر المؤثر فلم أرَ ذلك إلاَّ بأن قُلت لها : قَدِّري أن هذا الأمر مُباح قطعا ، فوالله الذي لا إله إلاَّ هو لا عُدْت إليه . فانقطع طمعها باليمين والمعاهدة ، وهذا أبلغ دواء وجدته في امتناعها ؛ لأن تأويلها لا يبلغ إلى أن تأمر بالحنث والتكفير . فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن ، وترك الترخُّص فيما يجوز إذا كان حاملاً ومؤدِّيًا إلى ما لا يجوز. والله الموفق . وللفائدة : هل ثمرات الاستغفار تتحقق في الدنيا أم قد لا تتحقق ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13632 وبالله التوفيق . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 11:19 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى