![]() |
هل تُقبَل توبة من زنا بِذات مَحْرَم إذا تاب وأناب ؟
هل تُقبَل توبة من زنى بِذات مَحْرَم إذا تاب وأناب ؟ الجواب : الزنا بِذوات الْمَحارِم أكبر جُرْما ، وأعْظَم إثْمًا . قال الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَبِيرَةٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ : أَبًا ، أَوِ ابْنًا ، أَوْ ذَا رَحِمٍ من الْجُمْلَةِ ، أَوْ أَجْنَبِيًّا مُتَحَرِّمًا بِالْحرم ، وَبِالشَّهْرِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ ، وَأَمَّا الْخَدْشَةُ وَالضَّرْبَةُ بِالْعَصَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَمِنَ الصَّغَائِرِ ، وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ، أَوْ بِذَاتِ مَحْرَمْ، أَوْلا بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ وَلَكِنْ يِأَتيهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، أَوْ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ . اهـ . وأما التوبة : فليس هناك ذَنْب لا تُقْبَل معه التوبة ، حتى أعظم الذنوب ، كالشِّرْك بالله عزّ وَجَلّ ، والقول العظيم على الله أن له صاحبة وولدا فإن النصارى قالوا على الله قولا عظيما (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (*) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) ، ومع ذلك قال الله عزّ وَجَلّ لهم : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . والشِّرْك أعْظَم الذنوب ، ومع ذلك فتوبة الْمُشْرِك مقبولة إذا تاب ، كما في قوله تعالى : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) . وكَقَتْل النفس ، فإن قَاتل النفس مَع عِظمِ جُرْمه له توبة ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن قاتِل المائة نَفْس ، وأن الله قَبِل توبة لَمّا تاب . كما في الصحيحين . ومِثْلُه مَا أَخْبَر بِه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِن ضَحِك رَبّ العِزَّة سُبحانه وتَعالى مِن رَجُلَين يَقتُل أحَدُهما صَاحِبه ، يَدخُلان الْجَنَّة ، فَسُئِل : كَيْف يَا رَسُول الله ؟ قال : يُقَاتِل هَذا في سَبِيل الله عَزَّ وَجَلّ فيُسْتَشْهَد ، ثم يَتُوب الله عَلى القَاتِل فيُسْلِم ، فيُقَاتِل في سَبِِيل الله عَزَّ وَجَلّ فيُسْتَشْهَد . كما في الصحيحين . وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ . رواه البخاري ومسلم . وقال عليه الصلاة والسلام : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ . رواه البخاري ومسلم . وقال عليه الصلاة والسلام : الندم توبة . رواه الإمام أحمد وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط . قال عليه الصلاة والسلام : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا . رواه مسلم . والزنا - والشرك أعْظَم منه - مغفور لصاحبه إذا تاب منه ، بشرط أن يندم ويستتر بِسِتْر الله ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها ، فمن ألَمّ فليستتر بِسِتْر الله ، ولْيَتُب إلى الله ، فإنه من يُبْدِ لَنا صفحته نُقِم عليه كتاب الله عز وجل . رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ، ورواه غيره ، وصححه الألباني . وباب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها ، أو يخرج الدجال ، أو تخرج دابة الأرض . قال عليه الصلاة والسلام : ثلاث إذا خَرَجْن : (لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض . رواه مسلم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ بَابًا مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَرْبَعُونَ أَوْ سَبْعُونَ عَامًا، فَتَحَهُ اللَّهُ لِلتَّوْبَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَلا يُغْلِقُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ . رواه الحميدي والإمام أحمد والنسائي في الكبرى . وكان السلف يَرَون أن للزاني بِذات الْمَحْرَم توبة إذا تاب وأناب . روى عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِيمَنْ زَنَى بِذَاتِ مَحْرَمٍ ؟ قَالَ : إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ جُلِدَ مِائَةً، وَغُلِّظَ عَلَيْهِ فِي الْحَبْسِ وَالنَّفْيِ . قال ابن قدامة رحمه الله : وَإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ مَحْرَمِهِ ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ . فَإِنْ وَطِئَهَا ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو أَيُّوبَ ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ : لا حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لأَنَّهُ وَطْءٌ تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ مِنْهُ ، فَلَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ وَطِئَهَا . وَبَيَانُ الشُّبْهَةِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ صُورَةُ الْمُبِيحِ ، وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلإِبَاحَةِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ وَهُوَ الإِبَاحَةُ ، بَقِيَتْ صُورَتُهُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ الَّذِي يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ . وَلَنَا ، أَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلا شُبْهَةِ مِلْكٍ ، وَالْوَاطِئُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِّ، عَالَمٌ بِالتَّحْرِيمِ ، فَيَلْزَمهُ الْحَدُّ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ ، وَصُورَةُ الْمُبِيحِ إنَّمَا تَكُونُ شُبْهَةً إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً، وَالْعَقْدُ هَاهُنَا بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ ، وَفِعْلُهُ جِنَايَةٌ تَقْتَضِي الْعُقُوبَةَ ، انْضَمَّتْ إلَى الزِّنَى ، فَلَمْ تَكُنْ شُبْهَةً ، كَمَا لَوْ أَكْرَهَهَا وَعَاقَبَهَا ، ثُمَّ زَنَى بِهَا، ثُمَّ يَبْطُلُ بِالاسْتِيلاءِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الاسْتِيلاءَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَلَيْسَ بِشُبْهَةٍ ... واخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ ؛ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وَبِهَذَا قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ. وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، أَوْ بِذَاتِ مَحْرَمٍ، فَقَالَ: يُقْتَلُ ، وَيُؤْخَذُ مَالُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِعُمُومِ الآيَةِ وَالْخَبَرِ . وَوَجْهُ الأُولَى ، مَا رَوَى الْبَرَاءُ. قَالَ: لَقِيت عَمِّي وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقُلْت: إلَى أَيْنَ تُرِيدُ ؟ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ ، أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَآخُذَ مَالَهُ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْجُوزَجَانِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ . اهـ . وقال ابن القيم رحمه الله : فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ : رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا: عَنِ البراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَقِيتُ خَالِي أبا بردة وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ أَقْتُلَهُ وَآخُذَ مَالَهُ . وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي " تَارِيخِهِ "، مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى رَجُلٍ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ ، وَخَمَّسَ مَالَهُ . قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ... وَقَدْ نَصَّ أحمد فِي رِوَايَةِ إسماعيل بن سعيد فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَوْ بِذَاتِ مَحْرَمٍ ، فَقَالَ : يُقْتَلُ، وَيَدْخُلُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ومالك وأبو حنيفة: حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي، ثُمَّ قَالَ أبو حنيفة: إِنْ وَطِئَهَا بِعِقْدٍ ، عُزِّرَ ، وَلا حَدَّ عَلَيْهِ . وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَاؤُهُ أَحَقُّ وَأَوْلَى . اهـ . وفَرْق بين الزنا بِذات الْمَحْرَم ، مع كونه كبيرة وجريمة ، وبين الزواج بها ؛ فإن الزواج بها استحلال لِمَا حرَّمَه الله عزّ وَجَلّ ، والزنا بها كبيرة مِن كبائر الذنوب ، ما لم يستَحِلّه الزاني . وهنا : من تاب من زنا المحارم هل تُقبل توبته أم يجب أن يُقام عليه الحد ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13265 ما حكم من يقوم بكبيرة الزنا بالمحارم ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5641 هل يقبل الله تجديد التوبة ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13263 والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 11:23 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى