![]() |
ما هو التمكين الذي يأتي بعد الابتلاء ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ عبد الرحمن قرأت معلومة تقول إن التمكين لا يأتي إلا بعد الابتلاء ؟ فما هو التمكين المقصود ؟ وهل هو خاص بأهل الدعوة والرسالة وأهل الحُكم والمُلك ؟ أم أن كُل مُبتلى مهما صغُرت أو عظُمت حاجته وبلاؤه سيكون له تمكين ؟ شكر الله لكم فضيلة الشيخ ومتّع الله بكم ورزقكم مِن الطيبات . |
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته آمين ، ولك بمثل ما دعوت . سئل الإمام الشافعي رحمه الله : أيما أفضل للرَّجل أن يُمَكَّن أو يُبْتَلَى ؟ فقال : لا يُمَكَّن حتى يُبْتَلَى . وهذا قَيْد أغلبي . قال ابن القيم : والله تعالى ابْتَلَى أولي العزم من الرُّسُل فلمّا صَبروا مَكَّنَهَم ، فلا يَظُنّ أحد أنه يَخْلُص من الألم البتة ، وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول ، فأعقلهم مَنْ بَاعَ أَلَمًا مُسْتَمِرا عظيما بِأَلَمٍ مُنْقَطِع يسير ، وأشقاهم مَن باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر . اهـ . ومَن تأمّل حياة الأنبياء والْمُصلِحين : يَرَى أنه لم يُمكّن لهم – غالبا - إلاّ بعد الابتلاء والتمحيص . ومِصدَاق ذلك في قوله تعالى : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ، وفي قوله عزَّ وجَلّ : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) . والابتلاء على قَدْر الإيمان . ويَتفاوَت الابتلاء بِحسب ما يَطلبه المؤمن ، فكلّما زاد إيمانه وعَلَتْ هِمّته زاد ابتلاؤه ، ولذا كان أشدّ الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . قال عليه الصلاة والسلام : إن مِن أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . رواه الإمام أحمد والنسائي في الكبرى . فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَل الناس في الابتلاء دَرَجات ، أعلاها : درجة الأنبياء ، ثم الذين يَلُونَهم على ثلاث دَرَجات مُتفاوتة بِحسب الإيمان . وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل يُبْتَلَى العبد على حَسب دِينه ، فإن كان في دِينه صَلبا ، اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رِقّة ابْتُلِي على حَسب دِينه ، فما يبَرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني ، وحسّنه الأرنؤوط . ومِن أعظَم التَّمكين : أن يُمكَّن المسلم مِن عقول الناس وقلوبهم ، يَعِظهم ، ويُعلّمهم ، ويُؤثِّر فيهم . ومِن هنا : كان كِبار الخلفاء يَتولّون الخطابة وتعليم الناس ؛ وقد ثَبَت عن الخلفاء الراشدين الأربعة أنهم تَولّوا خُطبة الجمعة ، وعَلّموا الناس بالقول وبالفِعْل ، واشتهر عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه أنه توضأ أمام الناس ليُعلِّمهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما في الصحيحين . قال ابن الجوزي : ما يَحْصُل بَرْد الْعَيش إلاَّ بِحَرِّ التَّعَب . على قَدْر الاجتهاد تَعْلُو الرُّتَب . اهـ . وصَدَق رحمه الله ، فإن أعلى الهمم هِمّة تعلّقت بالفردوس الأعلى . قال النابغة الجعدي : بلغنا السماء مَجْدَنا وجُدودنا = وإنا لنرجو فوق ذلك مَظْهرا ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلى أين ؟ قال : قلت : الجنة ! قال : نعم إن شاء الله . ( يُنْظَر تخريجه في " الإصابة " لابن حجر ) وفي هذا المعنى يقول الشاعر : إِذا مَا الْعِزّ أصبح فِي مكانٍ ... سَمَوْتُ لَهُ وَإِن بَعد المزار ولكلّ مطلوب ثَمَن . ومَن تَكن العلياءُ هِمَّة نَفْسهِ *** فَكُلُّ الذي يَلقاه فيها مُحَبّب ومَن يَخطب الحسناء ، لم يُغْلِها مَهْر ! ويَنبغي أن يُعلَم : أن الابتلاء لا يأتي بِصورة واحدة ، بل يُبتَلَى الإنسان بالسرّاء وبالضرّاء ، كما قال عزَّ وجَلّ : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) . قال ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَنَبْلُوكُمْ) ، يَقُولُ : نَبْتَلِيكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلالِ وَالْحَرَامِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْهُدَى وَالضَّلالِ . وقال البغوي في تفسيره : نَخْتَبِرُكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ، بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ . اهـ . فقد يُبتَلى بعض الناس بالنعماء ، ويُبْتَلَى آخرون بالضرّاء ، والإنسان في كلا الحالتين مُحتاج إلى الصبر والشكر ، كما قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : ابْتُلِينا بالضراء فَصَبَرْنا ، وابْتُلِينا بالسراء فلم نَصبر . رواه عبد الرزاق . ومَن تأمّل حياة الأنبياء يَجِد أنهم لم يُبْتَلوا ببلاء مُتشابِه ، بل ابْتُلِي كل نبيّ ببلاء ، وتنوّعت الابتلاءات في حياة الأنبياء . فآدم عليه الصلاة والسلام أُخْرِج مِن الجنة إلى دار لم يَعْهَدها . ونَوح عليه الصلاة والسلام : ابْتُلِي بإعراض قومه ، وبِكُفر ابنه ، وهلاكه أمام عينيه على الكُفر . وابْتُلِي أبو الأنبياء وخليل الرحمن عليه الصلاة والسلام بأنواع مِن الابتلاء ؛ فابْتُلِي بتأخّر الوَلَد ، ثم لَمّا رُزِق بِابْنٍ له على كِبَر وبَلَغ معه السَّعي ، أُمِر بِذَبْحِه ، ورُمِي في النار . وأُلْقِي يوسف عليه الصلاة والسلام في البئر ، ثم بِيع بِثَمَن بَخْس ، ثم اتُّهِم في عِرضه ، وسُجِن سِنين عددا . وعانَى أبُوه يعقوب عليه الصلاة والسلام مِن فِراق ابنه زمنا طويلا ، ثم فقد ابنه الآخر ، حتى عَمِي وفقد بَصَره . ومِن أشهر ابتلاءات الأنبياء : ابتلاء أيوب عليه الصلاة والسلام ، وما جَرَى له مع الْمَرض سِنين عددا . وقد أشار ابن القيم إلى هذا التنوّع في الابتلاء ، فقال : يا مُخنَّثَ العَزْم أين أنت ، والطريقُ طريقٌ تعب فيه آدم ، وناح لأجله نُوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضجع للذَّبح إسماعيل ، وبِيع يوسف بِثَمَن بَخْس ، ولَبِث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذُبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ، وزاد على المقدار بكاء داود ، وسارَ مع الوَحش عيسى ، وعالَج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم = تَزْهَا أنت باللهو واللعب ؟ . اهـ . وسبق الجواب عن : موضوع سكرات الموت وشدته وخاصة لدى الأنبياء والمرسلين http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7738 كيف نثبت أنفسنا مع وجود بدع كثيرة منتشرة ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=796 هل ثمرات الاستغفار تتحقق في الدنيا أم قد لا تتحقق ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13632 كيف يفرق المرء بين العقاب من الله والابتلاء ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2083 هل الابتلاء دليل محبة الله لعبده ، وهل له مدة ويُرفَع ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12872 لماذا إذا أحبَّ الله إنسانا ابتلاه ؟ ولماذا اختار هذا الإنسان ليحبّه ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=15340 ومقالات بعنوان : وَتَمايُلي طَرَبا http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7467 اقرأ وارقأ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9256 أنت لك ! http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7710 تُرِيدِين لُقْيَان الْمَعَالِي رَخِيصَةً ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6310 والله تعالى أعلم . |
الساعة الآن 02:47 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى