![]() |
هل يصلُح أن تُنشَر الفتوى في أي مكان ولكلِّ أحد ؟
السؤال فضيلة الشيخ المُبارَك عبد الرحمن السحيم - حفظكم الله ووفقكم - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مع تسخير الله لنعمة الشَّبكة ومقدرة الإنسان على تبليغ أقوالِ أهلِ العِلم وفتاواهم ، أصبحنا نرى الحريصين على نشْر نِتاج أهلِ العِلم مِن فتوى ورأي وخلافه . وسؤالي يا فضيلة الشَّيخ - أنعم الله عليكم - .. هل هناك ضوابِط مُحدَّدة في نقل الفتاوى للنَّاس ؟ أم يجوز نقْل كلّ فتوى لكلِّ أحد ، وفي كلِّ موقِع ؟ خاصةً إذا كان ذلك الموقِع غير محافِظ على تعاليم الشَّريعة ، أو يوجَد به مِن هو سليط اللسان كثير البيان ، فربما تطاوَل على العالِم وعلى فتواه . فهل يوجَد فِقه لنشْرِ العِلم وتبليغ الفتوى أم أنَّ نقل فتاوى أهلِ العِلم يكون مُطلقًا دون قيود ؟ وسَّـع الله عليكم فضيلة الشَّيخ وأنعمَّ الله عليكم ورزقكم قُرة العين والحياة الطَّيبة ولا أبقى الله لكم حاجةً إلا قضاها ولا مُبتغى إلا آتاكم إياه مِن حيث لا تحتسبون . http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gif الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا . كان السلف يَنْهَون عن وَضْع العِلم في غير موضِعه . وذَكَر عبدُ الله بنُ أحمد في كتاب العِلل له قال : كان عروةُ بنُ الزبيرِ يُحِبُّ مماراةَ ابنِ عباسٍ ، فكان يَخْزِن عِلمَه عنه ، وكان عبيدُ الله بن عبدِ الله بنِ عُتبة يُلَطِّفُ له في السُّؤال ، فَيَعِزُّه بالعِلْم عزّا . وقال ابن جريج : لم أسْتَخْرِج العِلْم الذي اسْتَخْرَجْتُ مِن عَطَاء إلاّ بِرِفْقِي بِهِ . قال ابن عبد البر : ورحم الله القائل : أأنثر دُرًّا بين سائمة النعم *** أم أنظمه نظما لمهملة الغنم ألم تَرني ضُيِّعت في شر بلدة *** فلست مُضَيِّعًا بينهم درر الكَلِم فإن يَشفني الرحمن مِن طول ما أرى *** وإلاَّ فَمَخْزُون لَدَيّ ومُكْتتم وقال : ولقد أحسن صالح بن عبد القدوس في قوله - ويُروي لِسَابق - : وإذا حَمَلْت إلى سَفيه حِكمة *** فلقد حملت بضاعة لا تنفق وروى ابن عبد البر بإسناده إلى كثير بن مُرّة الحضرمي إنه قال : إن عليك في علمك حقا كما أن عليك في مالك حقا ؛ لا تُحَدِّث العِلم غير أهله فَتُجَهَّل ، ولا تَمْنَع العِلْم أهله فتأثم ، ولا تُحَدِّث بالحكمة عند السفهاء فَيُكَذِّبوك ، ولا تُحَدِّث بالباطل عند الحكماء فَيَمْقُتُوك . ولقد أحسن القائل : قالوا نراك طويل الصمت قلت لهم ما طول صمتي مِن عَيّ ولا خَرس لكنه أحمد الاشياء عاقبة عندي وأيسره مِن منطق . وفي الأثر : واضِع العِلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب ! قال المناوي : عَلى العَالِم أن لا يُعَرِّج إلى بَثّ الحكمة لغير أهلها ، وأن لا يضعها إلاَّ في قلبٍ طاهر نَقِيّ ، لإتقانه الحكمة ، فإن الملائكة لا تدخل بَيْتًا فيه كَلب . إن لكل تُربة غَرسا ، ولكل بناء أساس ، وما كل رأس تستحق التيجان ، ولا كل طبيعة تستحق إفادة البيان ، وإن كان ولا بُدّ فَيُقْتَصَر معه على إقناع يَبْلغه فَهمه . قيل : كما أن لُبّ الثمار مُعَدّ للأنام ، والـتِّبْن مُبَاح للأنعام ! فَلُبّ الحِكْمة مُعَدّ لذوي الألباب وقشورها مَجْعُولة للأغنام ، وكما أنه مِن المحال أن يَشْثَمّ الأخْشَم رِيحًا فَمُحَال أن يُفِيد الحِمار بَيَانًا صحيحا ! وقال صدِّيق حسن خان : ومَن بلغ رُشده في العِلم ينبغي أن يُبَثّ إليه حقائق العلوم ، وإلاَّ فَحِفْظ العلم وإمساكه عَمّن لا يكون أهلاً له أوْلى به ... فمن مَنَح الجُهَّال عِلْمًا أضاعه *** ومَن مَنَع الْمُسْتَوْجِبِين فقد ظَلَم . اهـ . ومتى ما عَلِم الإنسان أنه ينقل العِلْم أو الفتوى إلى غير أهلها ، فعليه أن يَخزن عِلمه ، وأن لا ينشر العِلْم عند من يتّخذه هُزوا ، ولا مَن يجعل الفتوى مجالا للسُّخْرِية والاستهزاء ، وربما كان ذلك مِن قِبَل أجهل الناس ! وحقّه أن يُحدَّث بِحديث : " إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُوْلَى : إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " . لأننا نرى مِن الناس مَن لا يستحي ولا يُقدِّر أهل العِلْم ، فربما اعترض الجاهل على العَالِم ، وبضاعة الجاهل في العِلم صِفر ! فهو جاهِل مُرَكَّب ، كما قال الألوسي في تفسيره : الجهل الْمُرَكَّب يَمنع إدراك الحق ، ويُوجِب تكذيب الْمُحِقّ ، ومِن هنا قالوا : هو شَرّ مِن الجهل البسيط ، وما ألطف ما قيل : قال حمار الحكيم توما : *** لو أنصفوني لكنت أرْكَب لأنني جـاهـل بسيط *** وصاحبي جاهِـل مُـرَكَّــب وسبق : هل كل ما يُعلم يُقـال ؟ وهل كُلّ ما يُـقال يصلح أن يُقال في كل زمان أو في كل مكان ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4849 وبالله تعالى التوفيق . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية |
الساعة الآن 08:27 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى