منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسـم الفقه العـام (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=12)
-   -   ما حكم الحديث في أمور الدنيا في المساجد ؟ (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14200)

نسمات الفجر 05-02-2016 10:30 AM

ما حكم الحديث في أمور الدنيا في المساجد ؟
 

ما حكم الحديث في أمور الدنيا في المساجد ؟

الجواب :

لا يجوز أن تُجعَل المساجد مكانًا للأحاديث الجانبية ، والتحدّث بشؤون الدنيا وأمور البيع والشراء ، وتناقل الأخبار ، ونحو ذلك .

روى الإمام البخاري من طريق السائب بن يزيد قال : كنت قائما في المسجد فَحَصَبَنِي رَجل ، فنظرت فإذا عُمر بن الخطاب ، فقال : اذهب فأتِني بِهَذَين ، فجِئته بهما . قال : مَن أنتما ؟ أوْ مِن أين أنتما ؟ قالا : مِن أهل الطائف . قال : لو كُنتما مِن أهل البلد لأوجَعْتُكما ! تَرفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وهذا مِن أدب عمر رضي الله عنه وتأدّبه مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأدبه في المساجد ، فلم يَرفع صوته ليُنادِي الرّجُلين ، ولا رفع صوته ليُنادِي السائب بن يَزِيد ، بل رَمَاه ببعض الحصى الصّغَار لِيَنْتَبه له .



وبوّب الإمام البخاري على هذا الحديث : باب رفع الصوت في المساجد .
وهذا التبويب دالّ على إرادة عموم المسجد ، وعدم اختصاص المسجد النبوي بالمَنع ، إلاّ أن المسجد النبوي أشدّ في المنع ؛ لِجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته .

قال ابن بطّال : قال بعض الناس : أما إنكار عُمر رفع الصوت في المسجد ، فيدلّ أنهم رَفعوا أصواتهم فيما لا يَحتاجون إليه مِن اللغط الذي لا يجوز في المسجد ، ولذلك بَنَى عُمر البطحاء خارج المسجد ؛ ليُنَزّهه عن الْخَنا والرَّفث ، فسألهم إن كانوا مِن أهل البلد ممن تقدّم العِلم إليهم بإنكار رفع الصوت في اللغط فيه ، فلما أخبراه أنهما مِن غير البلد عَذَرَهُما بالجهل . اهـ .

وقال أشهب سَمِعت الإمام مالك بن أنس يقول : لا خير في رفع الصوت في المسجد ، لا في العلم ولا في غيره . أدركت الناس قديما يَعِيبُون ذلك .

وقال الباجي : وقال ابن القاسم في المبسوط : قد رأيت مالِكا يَعيب على أصحابه رفع أصواتهم في المسجد .
وقد علل ذلك محمد بن مسلمة بِعِلّتين :
إحداهما : أنه يَجب أن يُنَزّه المسجد من مثل هذا ، ومعنى هذا أن المسجد مما أُمِرنا بتعظيمه وتوقيره .
والثانية : لأنه مَبنيّ للصلاة ، وقد أمرنا أن نأتيها وعَلينا السّكينة والوقار . اهـ .

قال ابن بطّال في ذِكر مُضاعَفَة صلاة الجماعة على صلاة الفرد ، وذِكر الدَّرَجات التي تفضل بها صلاة الجماعة : ومنها: ترك الخوض فى أمر الدنيا ؛ لِحُرمة المسجد والصلاة ، وذِكر الله تعالى ، فيه لقوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ، وكان عُمر يَضرب الناس على ذكر الدنيا فى المسجد ، واتَّخذ البطحاء لمن أراد اللغط فيه . اهـ .



وقال القرطبي : وَمِمَّا تُصَانُ عَنْهُ الْمَسَاجِدُ وَتُنَزَّهُ عَنْهُ : الرَّوَائِحُ الْكَرِيهَةُ ، وَالأَقْوَالُ السَّيِّئَةُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ؛ وَذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِهَا .
وَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَوْتَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَا هَذَا الصَّوْتُ ؟ أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ ؟!
وَكَانَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ جَالِسًا فِي مسجده ، فأتاه غلامه يَسأله عن شيء ، فَقَامَ وَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَجَابَه ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَال : مَا تَكَلَّمْتُ فِي الْمَسْجِدِ بِكلامِ الدُّنْيَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ، فَكَرِهْتُ أَنْ أتكلّم اليوم.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ : مَنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ فَإِنَّمَا يُجَالِسُ رَبَّهُ ، فَمَا حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إِلاّ خَيْرًا
وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً ، فَقَالَ:
مِنْ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ:
1 - أَنْ يُسَلِّمَ وَقْتَ الدُّخُولِ إِنْ كَانَ الْقَوْمُ جُلُوسًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ قَالَ : السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.
2 - وَأَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ .
3 - وَأَلاّ يَشْتَرِيَ فِيهِ وَلا يَبِيعَ.
4 - ولا يَسُلَّ فِيهِ سَهْمًا وَلا سَيْفًا.
5 - وَلا يَطْلُبَ فِيهِ ضَالّة.
6 - ولا يَرْفَع فيه صَوتا بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلا يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِأَحَادِيثِ الدُّنْيَا.
7 - وَلا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ.
8 - وَلا يُنَازِعَ فِي الْمَكَانِ.
9 - وَلا يُضَيِّقَ عَلَى أَحَدٍ فِي الصَّفِّ.
10 - وَلا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ.
11 - وَلا يَبْصُقَ ، ولا يَتَنَخَّمَ ، ولا يَتَمَخَّطَ فِيهِ.
12 - ولا يُفَرْقِعَ أَصَابِعَهُ ، وَلا يَعْبَثَ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ.
13 - وَأَنْ يُنَزَّهَ عَنِ النَّجَاسَاتِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ.
14 - وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ.
15 - وَأَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَغْفُلَ عَنْهُ.
فَإِذَا فَعَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ فَقَدْ أَدَّى حَقَّ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ حِرْزًا لَهُ وَحِصْنًا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .
(الجامع لأحكام القرآن : تفسير القرطبي)

وقال علماؤنا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة : لا يَخفَى أن المساجد اتّخِذت لِعبادة الله تعالى مِن صلاة وتلاوة وذِكر واعتكاف وتَعلّم عِلم وتَعليمه ، وغير ذلك مما يَعود نَفعه على عموم المسلمين ، ولا يجوز استعمالها لغير ذلك كَالْبَيع أو الشراء ، أو الحديث في شئون الدنيا ، ونَشْد الضَّالة ، ونحو ذلك مما لا علاقة له بِشئون الدِّين ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن سَمِع رَجلا يُنْشِد في مسجدٍ ضَالّة ، فلْيَقُل : لا رَدّها الله إليك ، فإن المساجد لم تُبْنَ لِهَذا .
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم مَن يَبيع أو يَبْتَاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تِجَارَتك ، وإذا رأيتم مَن يُنْشِد فيه ضَالّة فقولوا : لا رَدّها الله عليك . اهـ .

ويَشتدّ الأمر إذا صاحَب تلك الأحاديث والقيل والقال : رَفع الصوت في المساجِد ؛ فيُؤدِّي ذلك إلى إشغال الْمُصلِّي والقارئ ، ومَن يتعلَّم عِلْما أو يُعلّمه .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عن رَفع الصوت بِقراءة القرآن ، فكيف بِرفع الصوت في القيل والقال ، والتحدّث في الأمور الدنيوية ؟!

وقد نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن رَفْع الصوت بالقرآن في المسجد ، فكيف بِغير القرآن ؟!

فَعَن عبد الله بن عمر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ وَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ ، فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ ، وَلاَ يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ . رواه الإمام مالك وأحمد والنسائي في الكبرى والبيهقي وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني . وهو حديث صحيح .

وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُون بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ ، فَكَشَفَ السُّـتُورَ ، وَقَالَ : إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ . رواه الإمام مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى وابن خزيمة وعبد بن حميد والحاكم - وصححه على شرط الشيخين - والبيهقي ، وهو حديث صحيح .

بل إن أفضل القراءة ما كان سِرًّا ؛ لأنه أبعد عن الرياء والأذى .
فَعَن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ ، وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

قال الترمذي : ومعنى هذا الحديث أن الذي يُسِرّ بِقِراءة القرآن أفضل مِن الذي يجهر بِقراءة القرآن ؛ لأن صدقة السِّرّ أفضل عند أهل العِلْم مِن صَدَقة العلانية . وإنما معنى هذا عند أهل العِلْم لكي يأمَن الرَّجُل مِن العُجْب ، لأن الذي يُسِرّ العَمَل لا يُخاف عليه العُجب ما يُخاف عليه مِن علانيته . اهـ .

وسبق :
لم تُبْنَ لهذا !
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6125

الأطفال والعبث واللعب في المساجد
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6614

هل يجوز إحضار الأطفال للمساجد وهم دون سن السابعة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13050

ما حكم اصطحاب الأطفال للمسجد وإحضارهم لأجهزة (الآي باد) ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13041

ما حكم اللعب بألعاب إلكترونية تتطلب البحث في داخل المساجد والأماكن المقدسة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18033

هل يوجد حديث بأن الكلام في المسجد يأكل الحسنات ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7754

حكم الحديث في المسجد بأمور الدنيا ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=19562

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


الساعة الآن 09:13 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى