![]() |
كيف تكون محاسبة الإنسان لنفسه ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا شيخي الفاضل كيف تكون محاسبة الإنسان لنفسه ؟ هل من الممكن أن تساعدوني عن الكيفية والوسائل بارك الله فيكم الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك . يُحاسِب الإنسان نفسه بأن يَقِف مع نفسه في أفعاله وأقواله وأخلاقه وتصرّفاته : هل هي التي أمَرَ الله بها ، أوْ لا ؟ هل هي مما يَرضاه الله عزَّ وجَلّ أو لا ؟ فإن مَن حاسَب نفسه هان عليه الحساب يوم القيامة ، كما قال عمر رضي الله عنه : حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحَاسَبوا ، وتَزَيّنوا ، وإنما يَخفّ الحساب يوم القيامة على مَن حاسَب نفسه في الدنيا . وفي رواية أنه قال : حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحَاسَبوا ، وزِنُوا أنفسكم قبل أن تُوزَنوا ، وتَزَيّنوا يوم تُعْرَضون لا يَخْفَى مِنكم خافية . وكما قال ميمونُ بنُ مِهران : الْمُتَّقِي أشدُّ محاسبةً لنفسه من الشريكِ الشحيحِ لِشريكه . ومَن حاسَب نفسه هَذَّب أخلاقه ، وأطَرَ نفسه على الْحَقّ أطْرًا ، وقَسَرها على صلاحها قسْرًا . ومَن ترك نفسه وَهَوَاها فقد سَعَى في رَدَاها . ومَن حاسَب نفسه أصْلَح عيوبها ، وسَدّ خَللها . وذلك أن عيوب النفس ربما تَخْفَى ، وقَلّ مَن ينتبه لها ويُصلحها ، أما العيوب الظاهرة فَكلّ يَراها ، وذلك مثل : أمراض البَدَن ، وأمراض القلب الْمَعْنَوِيّة ، فأمراض البَدَن كُلّ يشعر بها ، وأمراض القلب الْمَعْنَوِيّة قَلّ مَن ينتَبِه لها ، وذلك مثل : الغِلّ والحسد والبغضاء واحتقار الناس ، وغير ذلك مِن أمراض القلوب . ولذلك كان إصلاح القلوب وتصحيح أعمال القلوب أحبّ إلى الله مِن أعمال الظاهِر ؛ لأن قبول الأعمال مَبْنيّ على صلاح القلوب التي هي مَحَلّ نَظَر الرّب ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوايَةٍ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ . وإذا عَلِم الإنسان أنه موقوف بين يديّ الله عزَّ وجَلّ وَمَسئول عَمّا خَوّله الله وَحَبَاه ، اجتهَد في محاسبة نفسه وتزكيتها . قال ابن القيم : قال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال محمد بن جرير : يَقول الله تعالى : ثم لَيَسْألَنّكم الله عَزّ وجَلّ عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا : ماذا عَمِلْتُم فيه ؟ مِن أين دَخلتم إليه ؟ وفِيمَ أصَبْتُمُوه ؟ وماذا عملتم به ؟ وقال قتادة : إن الله سائل كل عبدٍ عمّا استودَعه مِن نِعْمَته وحَقّه . والنعيم المسئول عنه نوعان : نوع أُخِذَ مِن حِلّه وصُرِف في حَقّه ، فيُسْأل عن شُكْرِه . ونوع أُخِذَ بِغير حِلّه وصُرِف في غير حَقّه ، فيُسْأل عن مُسْتَخْرَجِه ومَصْرِفه . فإذا كان العبد مَسئولا ومُحَاسَبا على كل شيء ، حتى على سَمْعِه وبَصَره وقَلْبه ، كما قال تعالى : (إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) . فهو حَقيق أن يُحَاسِب نَفسه قبل أن يُنَاقَش الْحِسَاب . وقد دَلّ على وجوب مُحَاسَبة النفس قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) . يقول تعالى : لِينظر أحدكم ما قَدَّم لِيَوم القيامة مِن الأعمال : أمِن الصالحات التي تُنْجِيه ، أم مِن السيئات التي تُوبِقه ؟ قال قتادة : ما زَال رَبّكم يُقرب الساعة حتى جَعَلها كَغَد . والمقصود أن صلاح القلب بِمُحاسَبة النفس ، وفساده بإهْمَالِها والاسْتِرْسَال معها . وقال ابن القيم : وفى مُحَاسَبة النفس عدة مصالح ، منها : الاطّلاع على عيوبها ، ومَن لم يَطّلع على عَيب نفسه لم يُمْكِنه إزالته ، فإذا اطّلع على عيبها مَقَتَها في ذات الله تعالى ... فالنَّفْس دَاعِية إلى الْمَهَالِك ، مُعِينة للأعداء ، طَامِحَة إلى كُلّ قَبِيح ، مُتّبِعَة لِكُلّ سُوء ؛ فهي تَجْرِي بِطَبْعِها في مَيْدَان الْمُخَالَفَة . وقال : مِن أنفع ما للقَلْب : النظر في حقّ الله على العبد . فإن ذلك يُورِثه مَقْت نفسه ، والإزراء عليها ، ويُخلّصه مِن العُجب ورُؤية العَمل ، ويَفتح له باب الخضوع والذلّ والانكسار بين يَدي الله ، واليأس مِن نفسه ، وأن النجاة لا تَحصل له إلاّ بِعَفو الله ومَغفرته ورَحمته ، فإن مِن حَقّه أن يُطاع ولا يُعصَى ، وأن يُذكر فلا يُنْسَى ، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر . فَمَن نَظَر في هذا الْحَقّ الذي لِرَبّه عليه عَلِم عِلْم اليقين أنه غير مُؤدّ له كَما يَنبغي ، وأنه لا يَسَعه إلاّ العَفو والمغفرة ، وأنه إن أُحِيل على عَمَله هَلَك . فهذا مَحَلّ نَظر أهل المعرفة بالله تعالى وبِنُفُوسِهم ، وهذا الذي أيْأسَهم مِن أنْفُسِهم ، وعَلّق رَجاءَهم كُلّه بِعَفْو الله ورحمته . وإذا تأمَّلت حال أكثر الناس وَجَدتّهم بِضِدّ ذلك ؛ يَنظرون في حَقّهم على الله ، ولا يَنْظُرون في حَقّ الله عَليهم . ومِن هاهنا انْقَطَعوا عن الله ، وحُجِبَت قُلوبهم عن مَعْرِفته ومَحبته ، والشّوق إلى لِقائه ، والتَّنَعّم بِذِكْرِه ، وهذا غاية جهل الإنسان بِرَبّه وبِنَفسِه . فَمُحَاسَبة النفس : هو نَظَر العَبد في حَقّ الله عليه أوّلاً ، ثم نَظَره : هل قام به كَمَا يَنْبَغِي ثانيًا ؟ ومن فوائد نظر العبد في حق الله عليه : أن لا يتركه ذلك يُدِلُّ بِعَمَل أصلا كائنا ما كان ، ومَن أدلَّ بِعَمَله لم يَصعد إلى الله تعالى . اهـ . وكان السَّلف يَتّهِمون أنفسهم مع فَضلهم ، ويَتّهمون أنفسهم بالتقصير رَغم جلالة أعمالهم . لَمّا ولي أبو بكر الخلافة خَطب الناس فقال : إني قَد وُلِّيتُ عَليكم ولَسْتُ بِخَيْرِكُم . فلمّا بَلَغ الحسن البصري قوله ، قال : هو والله خَيْرُهم غَير مُدَافَع ، ولكن الْمُؤمِن يَهْضِم نَفْسَه . رواه البيهقي في السنن الكبرى. وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن عكرمة أن أبا هريرة كان يُسَبِّح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة ، يقول : أُسَبِّح بِقَدْرِ ذَنْبِي . ذَكَره ابن حجر في الإصابة . هذا ، وهُم مَن هُم في صلاحشهم وعباداتهم ووَرَعِهم ؟! ومَن عَلِم أنه موقوف بين يدي الله ، ومسئول عن كل صغير وكبير ؛ أعدّ لِكلّ سؤال جوابا ، ومِن أسئلة يوم القيامة : عن مَالِه : مِن أين اكتسبه ؟ وفيمَ أنفقه ؟ وقد نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَن إضاعة المال . قال عليه الصلاة والسلام : إن الله كَرِه لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال . رواه البخاري ومسلم . قال ابن عبد البر : إِضَاعَةُ الْمَالِ إِنْفَاقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ مِنَ الْبَاطِلِ وَالإِسْرَافِ وَالْمَعَاصِي . اهـ . ويُسأل كل إنسان : عن عُمُره فيمَ أفناه ؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه ؟ مِن أجل ذلك اشْتَدّت مُحاسَبة السَّلَف لأنفسهم ، وحرِصوا على أوْقَاتهم ، وضَنّوا بها أن تذْهَب سُدى ، وأن تَضيع الأعمار هَبَاء . كان عامر بن عبد قيس يقول : والله لأجتهدن ، ثم والله لأجتهدن ، فإن نَجوت فَبِرَحمة الله ، وإلاّ لَمْ ألُم نفسي . وكان زياد مولى ابن عيّاش يقول لابن المنكَدِر ولِصَفوان بن سُليم : الجد الجد ، والحذر الحذر ، فإن يكن الأمر على ما نرجو كان ما عَمِلتما فَضلا ، وإلاّ لم تَلُوما أنفسكما . وكان مُطَرِّف بن عبد الله يقول : اجتهدوا في العمل ، فإن يكن الأمر كما نرجو مِن رحمة الله وعَفوه ، كانت لنا دَرجات في الجنة ، وإن يكن الأمر شديدا كما نَخاف ونُحاذر ، لم نَقُل : (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ، نقول : قد عملنا فلم ينفعنا ذلك . ومِمّا يَعين على مُحَاسَبَة النفس : أن يَنظر الإنسان في سِيَر السَّلَف ، وكيف كانوا ؟ قال حَمْدُون القصّار : مَن نَظر فِي سِيَر السَّلَف عَرَف تَقْصِيره وتَخَلّفَه عَن دَرَجَات الرِّجَال . ومَن حاسَب نفسه تَخَلّص مِن حقوق الْخَلْق ؛ لأن حقوق العباد مبناها على القصاص في القيامة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن كانت له مَظْلَمَة لأحَد مِن عِرْضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا دِرهم ، إن كان له عمل صالح أُخِذ منه بِقَدْرِ مَظْلَمَته ، وإن لم تكن له حسنات أُخِذ مِن سيئات صاحِبه فَحُمِلَ عليه . رواه البخاري . ولِقوله عليه الصلاة والسلام : لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ . رواه مسلم . وهنا : ما حكم احتقار العاصية لأوامر الله وحكم لعنها ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=22361 كيف نبدأ تزكية النفس ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7135 تنظُر إلى عبادتها بأنها أفضل مِن غيرها ، فهل حَبط عملها بهذا ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11224 نصيحة للمغتابين والنمامين وكثيري اللغو ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7909 كيف أعاقب نفسي وأحاسبها بعد أن أخطأت http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5910 ومَقالات : تزكية النفس .. http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7933 أقرب للتقوى http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13165 أنـت مَـلـك ... http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=1895 مَـهَـانَـةُ نَـفْـس ! http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6307 ما الذي بالله غرّك ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6118 خُطبة عن (آفاتٍ في النفوس) http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13051 خُطبة جُمعة عن .. (اتهام النفس) http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=16902 والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 06:41 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى