![]() |
لماذا لم يُخرِج أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما المشركين من جزيرة العرب ؟
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،
هناك حديث للنبي صلى الله عليه و سلم يأمر فيه بإخراج المشركين من جزيرة العرب لكن لماذا لم يطبقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه و عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟ هل هناك فهمًا آخر للحديث أم ماذا ؟ |
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أولا : إذا ثَبَت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لَزِم العَمل به ، وإن لم يُعمل به ، أو عَمِل أحد بِخلافه ؛ لأن الحجّة في قوله عليه الصلاة والسلام . قال ابن عبد البر : الحجة عند التنازع السُّنَّة ؛ فَمَن أدْلَى بها فقد فَلج ، ومَن استعملها فقد نَجَا . اهـ . وقد ذَكر العلماء أن صحة الحديث لا يَلزم معها العِلم بِمَن عَمِل به ، فإذا صحّ الحديث عَمِلنا به ، ولو لم نعلم أن أحدا عمل به ، ما لم يتبيِّن لنا أنه منسوخ ، أو أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن السمعاني : متى ثبت الخبر صار أصلاً من الأصول ولا يُحتاج إلى عَرْضه على أصل آخر , لأنه إن وافَقه فذاك , وإن خالفه لم يَجُزْ رَدّ أحدهما لأنه ردّ للخبر بالقياس , و هو مردود بالاتفاق , فإن السنة مقدمة على القياس بلا خلاف . اهـ . نَقَله الحافظ ابن حجر في " الفتح " . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَلَيْسَ لأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحَدٍ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ ، وَدَلِيلٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ ذَلِكَ تُقَرَّرُ مُقَدِّمَاتُهُ بِالأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لا بِأَقْوَالِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ يُحْتَجُّ لَهَا بِالأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ . اهـ . وقال صديق حسن خان في " حصول المأمول من علم الأصول " : اعْلَم أنه لا يضُرّ الخبرَ الصحيح عملُ أكثر الأمة بخلافه , لأن قول الأكثر ليس بحجة , وكذا عمل أهل المدينة بخلافه , خلافا لمالك وأتباعه , لأنهم بعض الأمة , ولجواز أنهم لم يبلغهم الخبر . اهـ . وقال العلاّمة القاسمي في " قواعد التحديث " - في كلامه على ثَمَرات الحديث الصحيح ومعرفته - : الثمرة الخامسة : لُزوم قبول الصحيح ، وأن لم يَعمل به أحد . اهـ . فَعَدَم عَمَل الصحابي بالحديث لا يَعني عدم ثبوت الْحُكم ، ولا يعني ضعف الحديث . ثانيا : لا يُعارَض قول النبي صلى الله عليه وسلم بِقول أحد مِن الناس كائنا مَن كان . وكان مِن هدي الصحابة رضي الله عنهم تقديم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد مِن الناس ، ولو كانوا آباءهم ، ولا كانوا يَرضون أن يُعارَض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بِقول أحد مِن الناس كائنا مَن كان . كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : أراهم سيَهلِكُون أقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول : نَهَى أبو بكر وعمر . رواه الإمام أحمد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كان عبد الله بن عُمر إذا بَيَّن لهم معنى كلام عُمر ، يُنازِعونه في ذلك ، فيقول لهم : فقَدِّروا أن عُمر نَهى عن ذلك . أمْر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تَتَّبِعُوه أم عُمر ؟ . اهـ . ثالثا : لا يُظنّ بالصحابة رضي الله عنهم – خاصة الشيخين – أن يَعمَلا بِخلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أن يُقدِّما آرائهم على رأي النبي صلى الله عليه وسلم . فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يُعظِّمون قول النبي صلى الله عليه وسلم . قال علي رضي الله عنه : إذا حُدِّثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ، فَظُنُّوا به الذي هو أهدى، والذي هو أهيا ، والذي هو أتقى . رواه الإمام أحمد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ولا يجوز لأحد أن يَظن بالصحابة أنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمَعوا على خلاف شريعته ، بل هذا مِن أقوال أهل الإلحاد ! ولكن قد يجتهد الواحد وينازعه غيره وهذا موجود في مسائل كثيرة ... ولهذا لما رأى عمر رضي الله عنه أن المَبْتُوتة لها السّكْنى والنفقة فظنّ أن القرآن يدل عليه نازَعه أكثر الصحابة فمنهم مَن قال : لها السكنى فقط ، ومنهم مَن قال : لا نفقة لها ولا سكنى . وكان مِن هؤلاء ابن عباس وجابر وفاطمة بنت قيس . اهـ . ويُلتَمَس لَهم العُذر إما بِعدم بَلوغ الخبر لهم ، وإما بالانشغال بِما هو أهمّ ، كانشغال أبي بكر الصّدِّيق بِقِتال المرتدّين ، وكالانشغال بالفتوحات ، والأعمال الجليلة التي قد تشغلهم عن غيرها . رابعا : ليس مِن شَرْط العالِم الكبير أن لا يَفوته شيء مِن العِلم . وقد يعلِم أصغر القوم ما يَخفِي على كِبارهم ! روى البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان عُمر يُدخلني مع أشياخ بدر ، فقال بعضهم : لم تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟! فقال : إنه ممن قد علمتم ، قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال : وما رأيته دعاني يومئذ إلاّ لِيُريهم مني ، فقال : ما تقولون : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) حتى ختم السورة ، فقال بعضهم : أُمِرنا أن نَحمد الله ونستغفره إذا نُصرنا وفُتح علينا ، وقال بعضهم : لا ندري ، أو لَم يَقل بعضهم شيئا ، فقال لي : يا ابن عباس أكذاك تقول ؟ قلت : لا ، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فَتح مكة ، فَذاك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) قال عُمر : ما أعلم منها إلاَّ ما تَعْلَم . وخَفِي على كبار الصحابة مسائل ؛ لأنه لا أحد يُحيط بالعِلم كلّه . قال ابن القيم : الصحابة كلهم ليس أحدٌ منهم إلاَّ وقد خَفِي عليه بعض ما قَضى الله ورسوله به . فهذا الصدِّيق أعلم الأمة به خَفِي عليه ميراث الجدة حتى أعلمه به محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة . وخَفِي عليه أن الشهيد لا دِية له حتى أعلمه به عُمر ، فرجع إلى قوله . وخَفِي على عُمر تَيمم الجنب فقال لو بَقي شهرا لم يُصلّ حتى يَغتسل ... وخَفِي عليه شأن الاستئذان حتى أخبره به أبو موسى وأبو سعيد الخدري . وخَفِي عليه تَوريث المرأة مِن دِية زوجها حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي ، وهو أعرابي من أهل البادية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَه أن يُورّث امرأة أشيم الضبابي مِن دِية زوجها . وخَفِي عليه حكم إملاص المرأة حتى سأل عنه فوجده عند المغيرة بن شعبة . وخَفِي عليه أمْر المجوس في الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها مِن مَجوس هَجر .. ثم ذَكَر أمثلة كثيرة ، ثم قال : وخَفِي على عثمان بن عفان أقل مدة الحمل حتى ذَكّره ابن عباس بقوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) مع قوله : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) فَرَجَع إلى ذلك . وخَفِي على أبي موسى الأشعري ميراث بنت الابن مع البنت السدس حتى ذُكر له أن رسوله الله صلى الله عليه وسلم ورّثها ذلك . وخَفِي على ابن العباس تحريم لحوم الحمر الأهلية حتى ذُكر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرّمها يوم خيبر . وخَفِي على ابن مسعود حكم المفوّضة وتَردّدوا إليه فيها شهرا ، فأفتاهم برأيه ثم بلغه النص بمثل ما أفتى به . وهذا باب واسِع لو تتبّعناه لَجَاء سِفرا كبيرا . اهـ . وذكَر أمثلة أخرى في كتاب " الصواعق المرسلة " ، ثم قال : فإذا خَفِي على أعلم الأمة وأفقهها بعض السُّنة ، فما الظن بمن بعدهم ، فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بَلغ كل فَرد مِن الأئمة أو إماما مُعيّنا ؛ فقد أخطأ خطأ فاحشا ! قال أبو عمر : وليس أحد بعد رسول الله إلاّ وقد خفيت عليه بعض سُنة رسول الله من الصحابة فمن بعدهم . وصدق أبو عمر رضي الله عنه ؛ فإن مَجموع سُنة رسول الله مِن أقواله وأفعاله وإقراره لا يوجد عند رجل واحد أبدا ، ولو كان أعلم أهل الأرض . اهـ . وخَفي على الأئمة الكبار بعض المسائل . فقد خَفِي على الإمام مالك حديث بعض شيوخه . قال ابن عبد البر : لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ [يعني : في صيام الست مِن شوال] ، عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ ، وَالإِحَاطَةُ بِعِلْمِ الْخَاصَّةِ لا سَبِيلَ إِلَيْهِ . اهـ . وخَفِي على الإمام الشافعي بعض الحديث . قال النووي في شرح قول الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلا يُسْتَتَرُ بِامْرَأَةٍ وَلا دَابَّةٍ ... وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا " زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ " ، وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لا مُعَارِضَ لَهُ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ . اهـ . وخَفِيتْ على الإمام أحمد بعض الروايات ، كما ذَكَر ابن رجب الحنبلي . فقد ذَكَر أن الإمام أحمد أنكر حديثا أن يكون مِن حديث هُشيم . وذَكَر ابن رجب الطُّرق ورواية هُشيم له . ومثل هذا قول ابن كثير بعد أن ساقَ قول عمر: عليّ أقضانا ، وأُبَيّ أقرأنا ، وإنّا لَنَدَع مِن لَحْن أُبَيّ ، وأُبَيّ يقول : أخذته مِن فِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا أتركه لشيء : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الْكَبِيرَ قَدْ يَقُولُ الشَّيْءَ يَظُنُّهُ صَوَابًا وَهُوَ خَطَأٌ فِي نَفْسِ الأَمْرِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ : مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُرَدُّ إِلاَّ قَوْلَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ ، أَيْ : فَكُلُّهُ مَقْبُولٌ . اهـ . خامسا : وُجود بعض المشركين - مثل وُجود أبي لؤلؤة المجوسي ونحوه – لا يُخصِّص الحديث ؛ لأنه مِن المتقرِّر أن العبرة بِقول النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدَّم . وقد يُقال : إن وُجود هؤلاء الموالي أذِلاّء لا تأثير لهم . وقد أجْلَى عمر رضي الله عنه اليهود مِن خيبر ، فبَقيت أرض الحجاز ليس فيها يهود ، وفي الغالب ليس فيها أحد مِن المشركين . وكان عمر رضي الله عنه يَنهى عن وُجود العُلوج في المدينة ! ففي قصة مَقتَل عمر رضي الله عنه : فلما انصرفوا قال : يا ابن عباس ، انظر مَن قَتلني ، فَجَال ساعة ثم جاء فقال : غلام المغيرة ، قال : الصَّنَع ؟ قال : نعم ، قال : قاتله الله لقد أمَرتُ به معروفا ، الحمد لله الذي لم يجعل مِيتتي بيدِ رجل يَدّعي الإسلام . قد كنت أنت وأبوك تُحبّان أن تكثر العُلوج بالمدينة ! وكان العباس أكثرهم رقيقا ، فقال : إن شئت فعلت ، أي : إن شئت قَتَلْنا ، قال : كَذَبت ، بعد ما تَكلّموا بِلِسانِكم ، وصَلّوا قِبلتكم ، وحَجّوا حَجّكم . رواه البخاري . وكان عمر رضي الله عنه يَمنع مَن بَلَغ مِن غير المسلمين مِن دخول المدينة ! قال الزهري : كان عُمر لا يأذن لِسبي قد احتلم في دخول المدينة ، حتى كتب المغيرة بن شعبة - وهو على الكوفة - يَذكر له غلاما عنده صَنعا ، ويَستأذنه أن يُدخِله المدينة ويقول : إن عنده أعمالاً كثيرة فيها منافع للناس ، إنه حدّاد نقّاش نَجّار ، فكتب إليه عُمر فأذن له أن يُرسِل به إلى المدينة . رواه ابن سعد في " الطبقات " ، وقال ابن حجر : إسناده صحيح إلى الزهري . ومع ذلك : فَمَفْسَدة دخول كافر واحد غَلَبَت على مَصلحة دخوله ؛ فهو الذي قَتَل عمر رضي الله عنه ، وطَعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سَبعة . كما في صحيح البخاري في قصة مَقتَل عمر رضي الله عنه . فلو كان دُخول الكفار إلى المدينة النبوية جائزا ؛ لكانت هذه المفاسِد كافية في مَنع دخولهم المدينة النبوية . ولو كان دُخول الكفار إلى المدينة النبوية جائزا ؛ لَكان المنع مُتّجِها مِن باب النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يَحْرُم . قال ابن حجر في مسألة البكاء على الميت : وفائدة نَهْيِهِنّ - أي النساء - عن الأمر المباح خشية أن يَسْتَرْسِلْن فيه فيُفضِي بهن إلى الأمْر الْمُحَرَّم لِضَعف صَبرهن . فيُستفاد منه جَواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يَحْرُم . اهـ . وسبق الجواب عن : هل يوجد دليل على منع المشركين مِن دخول المدينة النبوية ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=17646 الرافضة يطعنون في عمر لأنه غاب عنه أحاديث الاستئذان والتيمم http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5116 وخُطبة جمعة عن .. (تعظيم السنة) http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14026 والله تعالى أعلم . |
الساعة الآن 01:04 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى