![]() |
كيف تكون وسوسة إبليس للإنسان ، وهل هو يجري مِن الإنسان مَجرى الدم ؟
السلام عليكم ورحمةة الله وبركاته بارك الله فيكم شيخنا أردت السؤال ، عن ماهية وسوسة إبليس للإنسان ؟ أي ، كيف تصل لنا هذه الوساوس ؟ وهل هو فعلاً يجري بالانسان مجرى الدم ؟! وكيف إن كان الجواب نعم ؟ وجزاكم الله كل خير http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gif الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا الوسواس في الأصل يُطلق على الشيء الخفيّ ، وعلى الصوت الخفيف . قال الجوهري : الوَسْوَسَةُ : حديث النفس . يُقال: وَسْوَسَتْ إليه نفسه وَسْوَسَةً ووِسْواسا بكسر الواو ... وقوله تعالى: (فَوَسْوَسَ لهما الشيطانُ) يريد إليهما ... ويُقال لِهَمْسِ الصائدِ والكلابِ وأصوات الْحُلِيّ : وسواس . اهـ . قال الإمام السمعاني : الوَسْوَسَة حَدِيث يُلْقِيه الشَّيْطَان في قَلْب الإنْسَان . اهـ . وقال القرطبي في قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) : يَعْنِي: مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ. وَالْمَعْنَى: مِنْ شَرِّ ذِي الْوَسْوَاسِ ... ووُصِف بالْخَنَّاس لأنه كثير الاختفاء . اهـ . وقد أُمِرْنا بالاستعاذة من الشيطان ووَسْوَسته ، كما في قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) . قال ابن كثير : وقوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) أي : إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه ، فأما شيطان الجن فإنه لا حِيلة فيه إذا وسوس إلاّ الاستعاذة بِخالِقِه الذي سلّطه عليك ، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه ، كَفّه عنك ، وَرَدّ كَيده . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام إلى الصلاة يقول: "أعوذ بالله السميع العليم مِن الشيطان الرجيم مَن هَمْزِه ونَفْخِه ونَفْثِه" . اهـ . وهذه الثلاث : الْهَمز والنفخ والنفث هي مِن كيد الشيطان ووسوسته . وقد سُئل رسول الله ، ما هَمْزه ونَفْثه ونَفْخه ؟ قال : " أما همزه فَالْمَوْتة التي تأخذ ابن آدم ، وأما نَفْخه الكبر ، ونفثه الشِّعر . رواه الإمام أحمد . وصححه الألباني والأرنؤوط . والوَسْوَسَة تكون بِما يُلقيه الشيطان في قلب ابن آدم ، ولذلك يَضعف الشيطان عن الوسوسة عند الذِّكر ، وينشط عن الغفلة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان جَاثِم على قَلب ابن آدم فإذا سَهَا وغَفَل وَسْوَس ، وإذا ذَكَر الله خَنَس . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للرَّجُلين اللذين مَرَّا به ليلا وهو مع صفيّة رضي الله عنها : إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ، وإنى خشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئا . رواه البخاري ومسلم . وتكون الوَسْوَسَة بِما يُمْلِيه الشيطان مِن أفكار سيئة ، وبما يشغل عن الطاعة . لَمّا شكا عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه تلبيس الشيطان عليه صلاته ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خَنْزَب ، فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه واتْفُل على يَسَارِك ثلاثا . قال : فَفَعَلْتُ ذلك فأذْهَبه الله عَنِّي . رواه مسلم . وربما ألْقَى في قلب ابن آدم الخوف من الفقر ، أو الخوف من المستقبَل ؛ فيحمله ذلك على الشكّ في الله . قال تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) . وبما يُلقي في نفوس الناس مِن تشكيك بالله ، ووساوس في العقيدة . وربما كانت وسوسة الشيطان كلاما يُسْمَع ، ولا يُرى المتكلِّم ، فقد كلَّم الشيطان بعض الصالحين ، ليُلبِّس عليهم دِينهم . وربّما تَمثّل لبعض الناس في صورة بَشَر ، كما تَمَثَّل لبعض الصالحين عند الموت ، وكما تمثّل لقريش في صورة شيخ مِن أهل نجد . والشيطان يَجري مِن ابن آدم مجرى الدم ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بِقولِه : إن الشيطان يجري من الإنسان مَجْرَى الدم . رواه البخاري ومسلم . قال النووي : قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : قِيلَ : هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ قُوَّةً وَقُدْرَةً عَلَى الْجَرْيِ فِي بَاطِنِ الإِنْسَانِ مَجَارِي دَمِهِ . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الاسْتِعَارَةِ ؛ لِكَثْرَةِ إغوائه ووسوسته ، فكأنه لا يُفارق الإنسان كما لا يفارقه دَمُهُ . وَقِيلَ : يُلْقِي وَسْوَسَتَهُ فِي مَسَامٍّ لَطِيفَةٍ مِنَ الْبَدَنِ ، فَتَصِلُ الْوَسْوَسَةُ إِلَى الْقَلْبِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ . وقال ابن حجر : قوله : " ابن آدم " المراد جنس أولاد آدم ، فيدخل فيه الرجال والنساء . اهـ . والصيام يُضيِّق العروق التي يجري فيها الشيطان ، فتَقِلّ وسوسة الشيطان . ولَمّا أسْلَم قرين النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن يأمره إلاّ بخير . قال عليه الصلاة والسلام : ما منكم من أحد إلاَّ وقد وُكِّل به قَرينه مِن الجن . قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي ، إلاَّ أن الله أعانني عليه فأسْلَم ، فلا يَأمُرني إلاِّ بخير . رواه مسلم . قال القرطبي : وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يَسهو في صلاته إلاّ لِفِكرته في أعظم منها . إلا أنه قد يَسهو في صلاته مَن يُقبل على وسواس الشيطان إذا قال له : اذْكُر كذا ، اذْكُر كذا ، لِمَا لم يكن يَذْكر ، حتى يَظل الرجل لا يدري كم صَلَّى . اهـ . وقد جاء نفي سُلْطَان الشَّيْطَان ، وجاء إثباته : فقَوله تَعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) ، وقَوله تَعالى : (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) نفي لِسُلْطَان الشَّيْطَان . وقَوله تَعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) ، وقَوله تَعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) إثبات لِسُلْطَان الشَّيْطَان . والْجَمْع بين الآيات : قال القرطبي في آيَة " الْحِجْر " : قَوله تَعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) قَال العُلَمَاء : يَعْنِي : عَلى قُلُوبِهم . وقال ابن عيينة : أي : في أنْ يُلْقِيهم في ذَنْب يَمْنَعْهم عَفْوِي ويُضَيِّقه عَليهم . وهَؤلاء الذين هَدَاهُم الله واجْتَبَاهُم واخْتَارَهم واصْطَفَاهم . قُلْتُ : لَعَلّ قَائلا يَقُول : قد أَخْبَر الله عن صِفَة آدَم وحَوَّاء عليهما السلام بِقَولِه : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ) ، وعن جُمْلَةٍ مَن أصْحَاب نَبِيِّه بِقَولِه : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) . فالْجَوَاب مَا ذُكِر ، وهو أنه لَيس لَه سُلْطَان على قُلُوبِهم ، ولا مَوضِع إيمَانِهم ، ولا يُلْقِيهم في ذَنْب يَؤول إلى عَدَم القَبُول ، بل تُزِيلُه التَّوْبَة ، وتَمْحُوه الأَوْبَة . ثم إنَّ قَوله سُبحانه : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) يُحْتَمَل أن يَكُون خَاصًّا فيمن حَفِظَه الله ، ويُحْتَمَل أن يَكُون في أكْثَر الأوْقَات والأحْوَال ، وقد يَكون في تَسَلُّطِه تَفْرِيج كُرْبَة وإزَالة غُمَّة ، كَمَا فَعَل بِبِلال إذْ أتَاه يُهَدِّيه كَمَا يُهَدَّى الصَّبِي حَتى نَام ، ونَام النبي صلى الله عليه وسلم وأصْحَابه فَلم يَسْتَيْقِظُوا حتى طَلَعَتِ الشَّمْس ، وفَزِعُوا ، وقَالُوا : مَا كَفَّارَة مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنا في صَلاتِنا ؟ فَقَال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " لَيْس في النَّوْم تَفْرِيط " . فَفَرَّجَ عَنهم . (إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) أي : الضَّالِين الْمُشْرِكِين ، أي : سُلْطَانه على هَؤلاء . دَلِيلُه (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) . وقَال في آيَة " النحل " : قَوله تَعالى (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا) أي : الإغْوَاء والكُفْر ، أي : لَيْس لك قُدْرَة على أنْ تَحْمِلَهم على ذَنْب لا يُغْفَر ، قاله سُفيان . وقال مجاهد : لا حُجَّة لَه عَلى مَا يَدْعُوهم إلَيه مِن الْمَعَاصِي . وقِيل : إنه لَيس لَه عَليهم سُلْطَان بِحَال ؛ لأنَّ الله تَعالى صَرَف سُلْطَانَه عنهم حين قال عَدُو الله إبْليس لَعَنَه الله : (وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ، قَال الله تَعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) ... ثم بَيَّن القُرطبي مَعْنَى قَوله تَعالى : (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) أي : يُطِيعُونه ، يُقَال : تَوَلَّيته ، أي : أطَعْته ، وتَوَلَّيت عنه ، أي : أعْرَضْت عنه . (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) أي : بِالله. وقِيل : يُرْجَع بِه إلى الشَّيْطان . والْمَعْنَى : والذين هُم مِن أجْلِه مُشْرِكُون . يُقَال : كَفَرْت بِهذه الكَلِمة ، أي : مِن أجْلِها، وصَار فُلان بِك عَالِمًا ، أي : مِن أجْلك ، أي : والذي تَوَلَّى الشَّيْطَان مُشْرِكُون بِالله . اهـ . ونَقَل ابنُ كثير في آيَة " النحل " قَول سفيان : لَيس لَه عَليهم سُلْطَان أن يُوقِعَهم في ذَنْب لا يَتَوبُون مِنه . ونَقَل عن آخَرِين قَولَهم : مَعْنَاه : لا حُجَّة لَه عليهم . وعَن آخَرِين : كَقَولِه : (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) . (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) قال مجاهد : يُطِيعُونَه . وقال آخَرُون : اتَّخَذُوه وَلِيًّا مِن دُون الله . (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) أي : أشْرَكُوه في عِبَادَة الله ، ويُحْتَمَل أن تَكُون الباء سَببية ، أي : صَارُوا بِسَبب طَاعَتِهم للشَّيْطَان مُشْرِكِين بِالله تَعالى . وقال آخَرُون : مَعْنَاه : أنه شَرَكَهم في الأمْوَال والأوْلاد . وقَوله تَعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) إخْبَار بِتَأيِيدِه تَعالى عِبَادَه الْمُؤمِنِين ، وحِفْظِه إياهم ، وحِرَاسَته لَهم مِن الشَّيْطَان الرَّجِيم ، ولِهَذا قَال تَعالى : (وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أي : حَافِظًا ومُؤيِّدًا ونَصِيرا . ثم عَضَد ذلك بِمَا رَواه الإمام أحمد مِن حَدِيث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال : إنَّ الْمُؤمِن لَيُنْضِي شَيَاطِينَه كَمَا يُنْضِي أحَدُكُم بَعِيرَه في السَّفَر . اهـ . " كَمَا يُنْضِي أحدُكم بعيرَه " أَيْ : يُهْزِله ، ويَجْعله نِضْوا . والنِّضْوُ : الدَّابَّةُ الَّتِي أهْزَلَتْها الأَسْفَارُ ، وأذهبت لحمها . أفاده ابن الأثير . وسبق : كيف تُحارَب النفس وقد ذُكرت في القرآن الكريم في آيات كثيرة ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=530 كيف تعلم الملائكة عندما يهم الإنسان بعمل حسنة أو سيئة حتى تكتبها له ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2954 لماذا خلق الله عز وجل إبليس ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5340 ما هي فتنة الْمَحْيا والممات ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5728 شرح حديثين عن الوسوسة http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=3383 سؤال عن معنى الوسوسة التي تعرّض لها الصحابة http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=297 سؤال عن معلومات في خصائص إبليس وما يُحبه وما يَكرهه http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=14769 يَشُكّون أن سبب تأجيلهم لفعل الخير بسبب الجن http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6530 وللفائدة : مَن هُم شياطين الإنس ؟ وهل شياطين الإنس أخطر مِن شياطين الجن ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18636 والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض |
الساعة الآن 07:42 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى