![]() |
ما المقصود بالظالم لنفسه في الآية (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) ؟
ما المقصود بالظالم لنفسه في الآية ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خير الجزاء فضيلة الشيخ يقول الله تعالى : ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ ما المقصود بالظالم لنفسه ؟ وبارك الله فيكم الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك . اخْتُلِف في المراد بالظالِم لِنفسه . قال أبو الجارود : سألت محمد بن علي - يعني الباقر رضي الله عنهما - عن قول الله تعالى (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) فقال : هو الذي خَلَط عَمَلا صَالِحًا وآخَر سيئا . وقال البغوي : اخْتَلَف المفسرون في معنى الظالم والمقتصد والسابق . فذَكَر القول الأول : أن السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الْهَمّ ، ثم يَدخل الجنة . وذَكَر قول عقبة بن صهبان : سألت عائشة عن قول الله عز وجل: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) الآية ، فقالت : يا بُني ! كلهم في الجنة ، أما السابق بالخيرات ، فَمَن مَضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشَهِد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وأما المقتَصِد فمَن اتّبع أثَره مِن أصحابه حتى لَحِق به ، وأما الظالم لنفسه فَمِثْلي ومِثلكم . فَجَعَلَتْ نَفسها معنا . وقال مجاهد والحسن وقتادة : فمنهم ظالم لنفسه ، وهم أصحاب المشأمَة ، ومنهم مُقتَصِد ، وهم أصحاب الميمنة ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، وهم السابقون المقَرَّبُون مِن الناس كلهم . وعن ابن عباس قال : السابق : المؤمن المخلِص ، والمقتصِد : المرائي ، والظالم : الكافر نِعمة الله غير الجاحد لها ، لأنه حَكَم للثلاثة بدخول الجنة فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) . وقال بعضهم - يذكر ذلك عن الحسن – قال : السابق مَن رَجَحت حسناته على سيئاته ، والمقتصِد مَن اسْتَوَت حسناته وسيئاته ، والظالم مَن رَجَحت سيئاته على حسناته . وقيل : الظالِم من كان ظاهره خيرا من باطنه ، والمقتصِد الذي يَستوي ظاهره وباطنه ، والسابق الذي باطنه خير من ظاهره . وقيل : الظالِم مَن وَحّد الله بِلسانه ولم يُوافق فعله قوله ، والمقتصِد مَن وَحّد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه ، والسابق مَن وَحّد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه وأخلص له عمله . وقيل : الظالِم التالي للقرآن ، والمقتصد القارئ له العالم به ، والسابق القارئ له العالم به العامل بما فيه . وقيل : الظالِم أصحاب الكبائر ، والمقتَصِد أصحاب الصغائر ، والسابق الذي لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة . اهـ . وقال القرطبي : هذه الآية مُشْكِلة ؛ لأنه قال جل وعز : (اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) ثم قال : (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) وقد تكلّم العلماء فيها مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم . قال النحّاس: فَمِن أصح ما رُوي في ذلك : ما رُوي عن ابن عباس (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) قال : الكافر ، رَواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أيضا . وعن ابن عباس أيضا (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) قال : نَجَتْ فِرقتان . ويكون التقدير في العربية : فمنهم مِن عبادنا ظالِم لنفسه ، أي : كافر . وقال الحسن : أي : فاسق . ويكون الضمير الذي في (يَدْخُلُونَهَا) يَعود على المقتصد والسابق لا على الظالِم . وعن عكرمة وقتادة والضحاك والفرّاء : أن المقتصد المؤمن العاصي ، والسابق التقِيّ على الإطلاق . قالوا : وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة الواقعة (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) الآية . قالوا : وبعيد أن يكون ممن يَصْطَفِي ظالِم ... وقيل : الضمير في (يَدْخُلُونَهَا) يَعود على الثلاثة الأصناف ، على ألاّ يكون الظالِم ها هنا كافرا ولا فاسقا . وممن رُوي عنه هذا القول : عُمر وعثمان وأبو الدرداء وابن مسعود وعُقبة بن عمرو وعائشة ، والتقدير على هذا القول : أن يكون الظالِم لنفسه الذي عَمِل الصغائر ، والمقتصد ، قال محمد بن يزيد : هو الذي يُعطي الدنيا حقها والآخرة حقها ، فيكون (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) عائدا على الجميع على هذا الشرح والتبيين . اهـ . وقال ابن كثير : يقول تعالى: ثم جَعلنا القائمين بالكتاب العظيم ، الْمُصَدِّق لِمَا بين يديه مِن الكُتب ، الذين اصطفينا مِن عبادنا ، وَهُم هذه الأمة ، ثم قَسّمهم إلى ثلاثة أنواع ، فقال : (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) وهو : الْمُفَرِّط في فِعل بعض الواجبات ، الْمُرْتَكِب لبعض الْمُحَرَّمات . (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو : الْمُؤدِّي للوَاجِبات ، التارِك للمُحَرَّمات ، وقد يَترك بعض المستحبّات ، ويَفعل بعض المكروهات . (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) وهو : الفاعِل للواجبات والمستَحَبّات ، التارِك للمُحَرَّمات والمكروهات وبعض المباحَات ... قال ابن عباس : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يدخل الجنة بِرحمة الله ، والظالِم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم . وهكذا رُوي عن غير واحد مِن السَّلف : أن الظالِم لنفسه مِن هذه الأمة مِن الْمُصْطَفَيْن ، على ما فيه مِن عِوج وتقصير ... وذَكَر ابن كثير أقوالا في الآية ، ثم قال : والصحيح : أن الظالِم لنفسه مِن هذه الأمة ، وهذا اختيار ابن جرير ، كما هو ظاهر الآية ، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن طُرُق يَشدّ بعضها بعضا . ثم ذَكَر ابن كثير ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) قال : هؤلاء كلهم بِمَنْزِلة واحدة ، وكلهم في الجنة . وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني . قال ابن كثير : ومعنى قوله : " بِمَنْزِلة واحدة " أي : في أنهم مِن هذه الأمة ، وأنهم مِن أهل الجنة ، وإن كان بينهم فَرْق في المنازِل في الجنة . اهـ . وقال ابن جُزيّ : قال عُمر وابن مسعود وابن عباس وكعب وعائشة وأكثر المفسرين : هذه الأصناف الثلاثة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم : فالظالِم لنفسه : العاصي ، والسابِق : التقِيّ ، والمقتصد : بينهما . اهـ . ولعل هذا القول هو القول الفصل في الآية ؛ لِمَا وَرَد في الحديث السابق . والله تعالى أعلم . |
الساعة الآن 09:58 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى