منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسـم الفتـاوى العامـة (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=15)
-   -   كلمة لِمَن يستهزئ ويحكُـم على أهل الاستقامة بسبب زلة أحد أفرادها (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=15502)

عبد الرحمن السحيم 12-10-2016 06:50 AM

كلمة لِمَن يستهزئ ويحكُـم على أهل الاستقامة بسبب زلة أحد أفرادها
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل وَقفت على أكثر من موقف يُحكَم فيه على أهل الاستقامة بعمومهم من خلال زلة فرد منهم فيقولون هم الملتزمون هكذا !! ويصفونهم بأوصاف هم منها براء ولا يخلوا الحديث من الاستهزاء بهم أو استفزازهم وكذلك يبغضون مجالس العلم والوعظ والنصح ويعللون سبب بغضهم أن الملتزمين ينفرونهم ويكرهونهم بالدين والتديّن . ولنفرض جدلاً وقوع خطأ من واحد من أهل الاستقامة هل يجوز التعميم والبغض وتوجيه التهم والسخرية والكلام عنهم ؟
هذا ما أردت شيخنا -حفظكم الله- وبإذن الله سأعرض الإجابة عليهم ، لعل الله يهديهم .
والسلام عليكم

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .

لا يَجوز الْحُكم على فئة بسبب خطأ واحد ، ولا حتى بسبب خطأ مجموعة منهم .
فإن الخطأ يتعلّق بِصاحبه ، ولا يتعلّق بِمن ينتسب إليهم .
وهو مِن تحميل الإنسان جِناية غيره ، وقد قال الله تعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي رِمثة وقد جاء ومعه ابنه : أما إنك لا تَجْنِي عليه ولا يَجْنِي عليك . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي . وصححه الألباني والأرنؤوط .

وليس هناك من يرضى أن يُنسَب إليه خطأ أبيه أو جدِّه ، ولا خطأ قبيلته .
ولا يُوجد أحد يرضى أن يُنسَب خطأ فَرْد أو مجموعة إلى قبيلة كاملة ؛ لأن هذا مِن الجور والإجحاف ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إن أعظم الناس جُرْمًا إنسان شاعِر يَهجو القبيلة مِن أسْرِها . رواه البخاري في " الأدب الْمُفْرَد " ، وقال ابن حجر : وَسَنَده حسن . وصححه الألباني .
وفي رواية ابن ماجه : إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِرْيَةً لَرَجُلٌ هَاجَى رَجُلا ، فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا .
وذلك لأنه يأخذ القبيلة بِجريرَة رَجُلٍ وَاحِد .

وجَرَتْ عادة الله أن مَن عيَّر أخاه بِذَنْب أنه لا يَموت حتى يَقَع فيه وَيَرْتَكِبه .
قال ابن القيم : مَن ضَحِك من النَّاس ضُحِك مِنْهُ ، وَمن عَيَّر أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ وَلا بُد . اهـ .

ثم إن كل إنسان وكل فئة لديها مِن الذنوب والمعايب ما هو أحْرَى بالتصحيح وأوْلَى بالانتقاد .
وقد قيل :
قَبِيحٌ مِن الإِنْسَانِ يَنْسَى عُيُوبَهُ ... وَيَذْكُرْ عَيْبًا فِي أَخِيهِ قَدْ اخْتَفَى
وَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَمَا عَابَ غَيْرَهُ ... وَفِيهِ عُيُوبٌ لَوْ رَآهَا بِهَا اكْتَفَى
كما قيل أيضا :
إِذَا أَنْتَ عِبْتَ النَّاسَ عَابُوا وَأَكْثَرُوا *** عَلَيْكَ وَأَبْدَوا فِيكَ مَا كَانَ يُسْتَرُ
وَإِمَّا ذَكَرَتْ النَّاسَ فَاتْرُكْ عُيُوبَهم *** وَلا عَيْبَ إِلاَّ مِثْلَ مَا فِيكَ يُذْكَرُ
فَإِنْ عِبْتَ قَوْمًا بِالَّذِي فِيكَ مِثْلُهُ *** فَكَيْفَ يَعِيبُ الْعُورَ مَنْ هُوَ أَعْوَرُ
وَإِنْ عِبْتَ قَوْمًا بِالَّذِي لَيْسَ فِيهِمْ *** فَذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ وَاللهُ أَكْبَرُ

كما أن ذلك الفِعْل منهم ، هو مِن غْمَط الحسنات ، فأنا أجزم أن للصالحين حسنات أكثر مِن هفواتهم .
ومِيزان العَدْل أن يُنْظَر في السيئات ؛ فإن كانت تنغمر في بحور الحسنات ، فإن ذِكْر السيئات وتتبع العثرات مِن سِمات أهل الظُّلْم والْجَوْر .
وأما أهل العَدْل والإنصاف ، فإنه ينظرون في الحسنات والسيئات ، فإذا رَجَحَتْ كِفّة الحسنات ، اغتفروا ما للمرء مِن سيئات .
قال سعيد بن المسيب : ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ، ولكن مِن الناس من لا ينبغي أن تُذكر عُيوبه . مَن كان فضله أكثر مِن نَقْصه وُهِب نقصه لِفَضْلِه .

وحُكمهم على الصالحين بمثل تلك الأحكام هو مِن التطفيف ، وقد توعّد الله المطففين بالوَيْل ، فقال : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)
روى الإمام مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ , فَلَقِيَ رَجُلاً لَمْ يَشْهَدِ الْعَصْرَ ، فَقَالَ: مَا حَبَسَكَ عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ؟ فَذَكَرَ لَهُ عُذْرًا ، فَقَالَ عُمَرُ بن الخطاب : طَفَّفْتَ .
قَالَ الإمام مَالِك : وَقد يُقَالُ لِكُلِّ شيءٍ : وَفَاءٌ وَتَطْفِيفٌ .
وروى عبدُ الرزاقِ وابنُ أبي شيبةَ أن سَلْمَانَ قَالَ: الصَّلاةُ مِكْيَالٌ ، مَنْ أَوْفي أُوفِيَ بِهِ ، وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لِلْمُطَفِّفِينَ .

ومِن التطفيف وعدم الإنصافِ أنْ يفتحَ الإنسانُ عينيهِ على أوْسَعِ حَدَقَاتِـها على عيوبِ إخوانِهِ ، ويُغمضَ عينيه عن عيوبِ نفسِه كأنما أُصيبَ بالعَمَى !
قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليِهِ وسَلَّمَ : يُبْصِرُ أحدُكُم القذاةَ في عينِ أخيهِ وينسى الجذلَ - أو الجذعَ - في عينِ نفسِهِ . رواه البخاريُّ في الأدبِ الْمُفرَدِ مرفوعا وموقوفا ، وصححَ الألبانيُّ وَقْفَه على أبي هريرةَ ، ورواه ابنُ حبانٍ مرفوعا – أي : مِنْ قولِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليِهِ وسَلَّمَ - .
قال أبو عبيدٍ : الجذلُ الخشبةُ العاليةُ الكبيرةُ .

والله تعالى أعلم .


الساعة الآن 01:02 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى