![]() |
هل كان الله يخلق أزلا و أبدا
السلام عليكم فضيلة الشيخ
وجدت كلاما لأحد المشائخ الفضلاء و هذا ما نصه: " قال الله تعالى : (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) هود/ 107 . والفعَّال هو من يفعل على الدوام ، ولو خلا من الفعل في أحد الزمانين لم يكن فعَّالاً ؛ فوجب دوام الفعل أزلاً وأبداً" انتهى ثم وجدت كلاما للإمام إبي جعفر الطحاوي حيث يقول: "ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم «الخالق»، ولا بإحداث البرية استفاد اسم «البارئ» له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق" ثم علق عليه العلامة عبد الرحمن البراك: "هو الخالق والخلّاق ولو لم يخلق، والخالق البارئ اسمان من أسمائه الحسنى التي سمى بها نفسه {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}" ثم التبس علي الأمر لأن في المفاد الأول أن الله يخلق دائما و صفته "فعال" تفيد دوام الفعل أزلا و أبدا و في الوقت نفسه أن الله له اسم "خالق" و إن لم يخلق و هو بارئ قبل أن يبرأ و هذا المفاد الثاني و كذا في الصحيح عن عمران بن حصين أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره" و في رواية غير البخاري "معه" و في الرواية "قبله" إن كان ربنا يخلق دائما أزلا و أبدا لكون اسمه فعالا فكيف لم يكن شيئ قبله أو معه؟ وإن قلنا لا يلزم من كون الله خالقا أن يخلق فكيف نعمل بصفته "فعال"؟ كيف الجمع بين هذا و ذاك فضيلة الشيخ؟ و كيف نفهم كلام شيخ الإسلام رحمه الله في تسلسل الحوادث؟ بارك الله في علمكم! |
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبارك الله فيك . هذا الذي يجب أن يعتقِده المسلم : أن الله قادِر على كل شيء ، وأنه سبحانه وتعالى يَخْلق متى شاء ، وأنه فعّال لِمَا يُريد . قال الإمام البغوي في تفسير قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) لا يُعجزه شيء يُريده ، ولا يَمْتَنِع منه شيء طَلَبه . اهـ . وقال الحافظ ابن كثير : (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) أي : مَهمَا أراد فِعله ، لا مُعقّب لِحُكمه ، ولا يُسأل عمّا يَفعل ؛ لِعَظَمته وقَهرِه وحِكْمته وعَدْله . اهـ . وأما قول الشيخ الفاضل : (ولو خلا من الفعل في أحد الزمَانَين لم يكن فعَّالاً) المقصود أنه قادِِر على الفعل في كل وقت ، حتى قبل أن يَخلُق الْخَلْق حين لم يكن شيء قَبله أو معه . وهو معنى قول شيخنا العلامة عبد الرحمن البرّاك : هو الخالق والخلاّق ولو لَم يَخْلُق . اهـ . وقال الإمام الطحاوي : ليس منذ خَلق الْخَلْق استفاد اسم الْخَالِق ، ولا بإحداثه البريّة استفاد اسم الباري . قال ابن أبي العز في شرحه : ظاهر كلام الشيخ رحمه الله أنه يَمنع تسلسل الحوادث في الماضي ، ويأتي في كلامه ما يَدلّ على أنه لا يَمنعه في المستقبل ، وهو قوله : " والجنة والنار مَخلوقتان لا تَفنَيان أبدا ولا تَبِيدَان " وهذا مذهب الجمهور ، كما تقدم . ولا شك في فَساد قول مَن مَنع ذلك في الماضي والمستقبل ، كما ذهب إليه الْجَهْم وأتباعه ، وقال بِفَناء الجنة والنار ... فإنه سبحانه لم يزل حيًّا ، والفعل مِن لَوازم الحياة ، فلم يَزل فاعِلا لِمَا يُريد ، كما وَصَف بذلك نفسه ، حيث يقول : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) . اهـ . وقد بيّن ابن القيم رحمه الله ذلك أوضَح بَيَان ، فقال : وقوله : (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) دليل على أمور : أحدها : أنه تعالى يَفعَل بإرادته ومَشيئته . الثاني : أنه لم يَزل كذلك لأنه لم يزل كذلك ، لأنه ساقَ ذلك في مَعرِض المدح والثناء على نفسه ، وأن ذلك مِن كماله سبحانه ، ولا يَجوز أن يكون عادِمًا لهذا الكمال في وَقت مِن الأوقات . وقد قال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) . ولَمّا كان مِن أوصاف كَمَالِه ونُعوت جلاله لم يكن حادِثا بعد أن لم يكن . الثالث : أنه إذا أراد شيئا فَعَلَه ، فإن " مَا " موصولة عامة ، أي : يَفعل كل مَا يُريد أن يَفْعَله ، وهذا في إرادته المتعلِّقة بِفِعلِه . وأما إرادته المتعلقة بِفِعل العَبد فتلك لها شأن آخر ؛ فإن أراد فِعل العبد ولم يُرد مِن نفسه أن يُعينه عليه ويَجعله فاعلا لم يُوجد الفعل ، وإن أراده حتى يُريد مِن نفسه أن يَجعله فاعلا . وهذه هي النكتة التي خَفِيت على القدرية والجبرية ، وخَبَطُوا في مسألة القَدَر ، لِغَفْلَتِهم عنها ، فإن هنا إرادَتين ؛ إرادة أن يَفعل العبد ، وإرادة أن يَجعله الربّ فاعلاً . وليستا متلازمتين وإن لزم من الثانية الأولى من غير عكس فمتى أراد من نفسه أن يُعين عبده وأن يَخلق له أسباب الفعل فقد أراد فعله ، وقد يريد فِعله ولا يُريد من نفسه أن يَخلق له أسباب الفعل ، فلا يوجد الفعل . فإن اعتاصَ عليك فَهْم هذا الموضع وأشكل عليك فانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم حاكِيا عن ربه قوله للعبد يوم القيامة : " قد أردت مِنك أهوَن مِن هذا وأنت في صُلْب أبيك : أن لا تُشرك بي شيئا " ولم يقع هذا المراد ، لأنه لم يُرد مِن نفسه إعانته عليه وتوفيقه له . الرابع : أنّ فِعلَه وإرادته مُتلازِمان ، فمَا أراد أن يَفعله فَعَله ، وما فَعَلَه فقد أراده ، بِخِلاف الْمَخْلُوق ؛ فإنه يُريد ما لا يَفعَل ، وقد يَفعَل ما لا يُريد . فما ثَمّ فَعّال لِمَا يُريد إلاّ الله وَحده . الخامس : إثبات إرادات مُتعَدّدة بِحسب الأفعال ، وأنّ كُل فِعل له إرادة تَخصّه ، هذا هو المعقول في الفِطر ، فشأنه سبحانه أنه يُريد على الدوام ، ويَفعَل ما يُريد . السادس : أنّ كُل ما صَلح أن تتعلّق به إرادته جازَ فِعله ، فإذا أراد أن يَنْزِل كُلّ ليلة إلى سَمَاء الدنيا ، وأن يَجيء يوم القيامة لِفَصل القضاء ، وأن يُرِي عباده نفسه ، وأن يَتَجَلّى لهم كيف شاء ، ويُخاطِبهم ، ويَضحك إليهم ، وغير ذلك مما يريد سبحانه - لَم يَمتَنع عليه فِعله ، فإنه تعالى فَعّال لِمَا يُريد . وإنما تتوقف صِحّة ذلك على إخبار الصادِق به ، فإذا أخبر وَجَب التصديق به ، وكان رَدّه رَدًّا لِكَماله الذي أخبر به عن نفسه ، وهذا عين الباطل ، وكذلك إذا أمكن إرادته سبحانه مَحو ما شاء وإثبات ما شاء أمكن فعله ، وكانت الإرادة والفعل مِن مُقتضيات كَمَاله الْمُقَدَّس . اهـ . وأما كلام شيخ الإسلام رحمه الله في تسلسل الحوادث ؛ فإنه يَردّ بِذلك على الفلاسفة فإنه قال رحمه الله في " درء تعارض العقل والنقل " : والمقصود هنا أن هؤلاء المتكلِّمين الذين جَمَعوا في كلامهم بين حق وبين باطل ، وقابَلُوا الباطل بباطل ، ورَدّوا البدعة ببدعة ، لَمَّا نَاظُرُوا الفلاسفة وناظَرُوهم في مسألة حدوث العالم ونحوها ، استطال عليهم الفلاسفة لَمّا رَأوهم قد سَلَكوا تلك الطريق ، التي هي فاسدة عند أئمة الشرع والعقل ، وقد اعترف حُذّاق النظّار بِفسادها ، فظن هؤلاء الفلاسفة الملاحدة أنهم إذا أبْطَلوا قَول هؤلاء بامتناع حوادث لا أوّل بها ، وأقاموا الدليل على دَوام الفعل ، لَزِم من ذلك قِدَم هذا العَالَم ، ومُخالَفة نصوص الأنبياء . وهذا جهل عظيم ، فإنه ليس للفلاسفة ولا لغيرهم دليل واحد عقلي صحيح يُخالِف شيئا مِن نصوص الأنبياء . وهذه مسألة حدوث العالَم وقِدَمه ، لا يَقدر أحدٌ مِن بني آدم يُقيم دليلاً على قِدَم الأفلاك أصلاً ، وجميع ما ذكروه ليس فيه ما يدل على قدم شيء بعينه من العالم أصلاً ، وإنما غايتهم أن يَدلّوا على قِدَم نوع الفعل ، وأن الفاعل لم يَزل فاعلاً ، وأن الحوادث لا أوّل لها ، ونحو ذلك مما لا يَدل على قِدَم شيء بِعَينه مِن العالَم ، وهذا لا يُخالِف شيئا من نصوص الأنبياء ، بل يُوافِقها . وأما النصوص المتواترة عن الأنبياء بأن الله خَلَق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وأن الله خالِق كل شيء ، فكل ما سِواه مَخلوق كائن بعد أن لم يَكن ، فلا يُمكن أحدا أن يذكر دليلاً عقليا يُناقِض هذا . وهذه مسألة حدوث العالَم أعظم عُمَد الفلاسفة فيها التي عَجز المتكلِّمون عن حَلّها ، ليس فيها ما يَدلّ على قِدَم شيء مِن العالَم أصلاً ، ولهذا كان ما أقامه الناس مِن الأدلة على أن كل مَفعول فهو مُحدَث كائن بعد أن لم يَكن . اهـ . وقال ابن أبي العز : والقول بأن الحوادث لها أوّل ، يَلزم منه التعطيل قَبْل ذلك ، وأن الله سبحانه وتعالى لم يَزل غير فاعِل ثم صار فاعلا . ولا يَلزم مِن ذلك قِدَم العالَم ، لأن كل ما سِوى الله تعالى مُحدَث مُمكِن الوجود ، مَوجود بإيجاد الله تعالى له ، ليس له مِن نفسه إلاّ العَدَم ، والفقر والاحتياج وصف ذاتي لازِم لكل ما سوى الله تعالى ، والله تعالى واجِب الوجود لِذَاته ، غني لِذَاته ، والغنى وَصف ذاتي لازِم له سبحانه وتعالى . اهـ . والله تعالى أعلم . |
الساعة الآن 10:01 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى