![]() |
كلمة لِمَن يعتمِد على الرؤى والأحلام في تحديد قيام الساعة وخروج الدجال أو المهدي
أتمنى رفع الله قدرك الإجابة عن هذا السؤال أريد رأيك يا شيخ عمن يتنبأ بقيام الساعة في العامِ الفلاني أو في فترة قريبة أو خروج الدَّجال أو المهدي ومِن أمور السَّاعة بسبب رؤيا فسَّـرها . على أنَّ السَّاعة مِن الأمور الغيبيِّـة التي كاد يخفيها حتى عن نفسه في قوله سبحانه { إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } فالله سبحانه جعلها مِن الأمورِ الغيبيِّـة البحتة { لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً } وتسبقها علامات ، وفي المقابِل نجِد أيضا أنَّ الرؤيا والأحلام حقٌّ وجاءت في السُّـنة وهي جزء مِن النبوّة التي بقيت لنا . لكن السؤال هُنا كيف نوازِن بين الإيمان بالرؤى كما جاء في الكتاب والسُّـنة وبين أنَّ السَّاعةَ مِن الأمور الغيبيِّـة ؟ فهل يُعقَـل أنه بسبب رؤيا نستطيع معرفة خروج المهدي أو الدَّجال أو نزول عيسى ؟ وهذه العلامات حتى الأنبياء وهُـم خير مَن في الورى يجهلون وقت حدوثها . وجزاكَ الله خيرا . _____________________________________ الجواب : الرؤى والأحلام لا يُعوّل عليها في معرفة المستقبل ، خاصة الأمور الغيبية ، والفِتَن الكبار ، وإنما يُستأنس بالرؤى ، لقوله عليه الصلاة والسلام : لم يَبْقَ من النبوة إلاَّ الْمُبَشِّرَات . قالوا : وما المبشِّرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة . رواه البخاري . ولِقَوله عليه الصلاة والسلام : إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ ، فَلاَ رَسُولَ بَعْدِي وَلاَ نَبِيَّ . قَالَ أنس رضي الله عنه : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ . فقَالَ : وَلَكِنِ الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : رُؤْيَا الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني والأرنؤوط . ولا يُمكن الاعتماد على الرؤى فيما يتعلّق بالأمور والفِتن الكبار ، فإن المعبر قد يُصيب وقد يُخْطئ التأويل ، فإن أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخطأ في بعض تعبيره . فقد أوّل أبو بكر رضي الله عنه رُؤيا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال للنبي عليه الصلاة والسلام : فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَبْتَ بَعْضًا ، وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا . رواه البخاري ومسلم . ولا يُمكن التنبوء بعلامات الساعة الكبرى بِمُجَرّد رؤى ؛ لأنه لا سبيل إلى القَطْع والْجَزْم بها . قال الإمام الشاطبي رحمه الله : فَلَوْ رَأَى فِي النَّوْمِ قَائِلاً يَقُولُ: إِنَّ فُلانًا سَرَقَ فَاقْطَعْهُ، أَوْ عَالِمٌ فَاسْأَلْهُ، أَوِ اعْمَلْ بِمَا يَقُولُ لَكَ، أَوْ فُلَانٌ زَنَى فَحُدَّهُ. . . وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْعَمَلُ، حَتَّى يَقُومَ لَهُ الشَّاهِدُ فِي الْيَقَظَةِ ، وَإِلاّ كَانَ عَامِلا بِغَيْرِ شَرِيعَةٍ، إِذْ لَيْسَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْيٌ . يُحْكَى أَنَّ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي دَخَلَ عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَلَمَّا رَآهُ ، قَالَ: عَلَيَّ بِالسَّيْفِ وَالنَّطْعِ، قَالَ: وَلِمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنَّكَ تَطَأُ بِسَاطِي وَأَنْتَ مُعْرِضٌ عَنِّي، فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى مَنْ عَبَرَهَا، فَقَالَ لِي: يُظْهِرُ لَكَ طَاعَةً وَيُضْمِرُ مَعْصِيَةً . فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: وَاللَّهِ مَا رُؤْيَاكَ بِرُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَلا أَنَّ مُعَبِّرَكَ بِيُوسُفَ الصِّدِّيقِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَبِالأَحْلامِ الْكَاذِبَةِ تَضْرِبُ أَعْنَاقَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَاسْتَحْيَا الْمَهْدِيُّ ، وَقَالَ : اخْرُجْ عَنِّي ، ثُمَّ صَرَفَهُ وَأَبْعَدَهُ . وَحَكَى الْغَزَالِيُّ عَنْ بَعْضِ الأَئِمَّةِ أَنَّهُ أَفْتَى بِوُجُوبِ قَتْلِ رَجُلٍ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَرُوجِعَ فِيهِ فَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ رَجُلا رَأَى فِي مَنَامِهِ إِبْلِيسَ قَدِ اجْتَازَ بِبَابِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا؟ فَقِيلَ: هَلْ دَخَلْتَهَا؟ فَقَالَ: أَغْنَانِي عَنْ دُخُولِهَا رَجُلٌ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ : لَوْ أَفْتَى إِبْلِيسُ بِوُجُوبِ قَتْلِي فِي الْيَقَظَةِ؛ هَلْ تُقَلِّدُونَهُ فِي فَتْوَاهُ ؟ فَقَالُوا : لا ، فَقَالَ: قَوْلُهُ فِي الْمَنَامِ لا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَقَظَةِ . وَأَمَّا الرُّؤْيَا الَّتِي يُخْبِرُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّائِي بِالْحُكْمِ ؛ فَلا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهَا أَيْضًا ؛ لأَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ بِحُكْمٍ مُوَافِقٍ لِشَرِيعَتِهِ ؛ فَالْحُكْمُ بِمَا اسْتَقَرَّ ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِمُخَالِفٍ؛ فَمُحَالٌ ؛ لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لا يَنْسَخُ بَعْدَ مَوْتِهِ شَرِيعَتَهُ الْمُسْتَقِرَّةَ فِي حَيَاتِهِ ؛ لأَنَّ الدِّينَ لا يَتَوَقَّفُ اسْتِقْرَارُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى حُصُولِ الْمَرَائِي النَّوْمِيَّةِ ؛ لأَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلا عَمَلَ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ نَقُولُ : إِنَّ رُؤْيَاهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ ، إِذْ لَوْ رَآهُ حَقًّا ، لَمْ يُخْبِرْهُ بِمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ . إلى أن قال الشاطبي رحمه الله : وعلى الجملة فلا يَستدل بالرؤيا في الأحكام إلاّ ضعيف الْمُنّة . نعم يأتي العلماء بالمرائي تأنيسا وبشارة ونذارة خاصة ، بحيث لا يَقطعون بمقتضاها حُكما ، ولا يبنون عليها أصلا ، وهو الاعتدال في أخذها ، حسبما فُهم مِن الشرع فيها . اهـ . وسبق : سؤال في الرؤى والأحلام http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2911 وهنا : ما صحة قصة الذي كان يُكثر من الصلاة على النبي فرأى أن النبي يقبّله ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=15222 وفي النفس شيء مِن قول " كاد الله أن يُخفيها عن نفسه " . والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 07:48 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى