![]() |
ما صحة ما يُنسب إلى أبي حنيفة: لا حدّ على مَن تزوّج أمه التي ولدته وابنته وأخته وجدته ...؟
تنتشر رسالة فيها نَقْل عن أبي حنيفة رحمه الله ، وأنه يقول : لَا حَدَّ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، وَابْنَتَهُ، وَأُخْتَه، وَجَدَّتَهُ، وَعَمَّتَهُ، وَخَالَتَهُ، وَبِنْتَ أَخِيهِ، وَبِنْتَ أُخْتِهِ - عَالِمًا بِقَرَابَتِهِنَّ مِنْهُ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِ، وَوَطِئَهُنَّ كُلَّهُنَّ : فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ ، وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لَهُنَّ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّعْزِيرُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ فَقَطْ . وهو منقول عن " الْمُحلّى " لابن حَزْم .
وهذا قول باطِل ، وبيان ذلك مِن وُجوه : الوَجْه الأول : أنه قول مَبْتُور ، فإن تَمَامه في " الْمُحلّى " لابن حَزْم : وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، قَالَا [أبو حنيفة وسُفيان الثوري] : فَإِنْ وَطِئَهُنَّ بِغَيْرِ عَقْدِ نِكَاحٍ فَهُوَ زِنًى ، عَلَيْهِ مَا عَلَى الزَّانِي مِنْ الْحَدِّ . اهـ . ثم نَقَل ابن حَزْم عن السَّلَف أن عليه الْحَدّ في كل حال ؛ فَرَوى ابن حَزْم بإسناده إلى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَنْ زَنَى بِذَاتِ مَحْرَمٍ : يُرْجَمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ، وَالْحَسَنُ : حَدُّهُ حَدُّ الزِّنَى . ورَوى ابن حَزْم بإسناده إلى عَمْرُو بْنُ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ : إنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : لَتُفَارِقَنَّ إحْدَاهُمَا ، أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَك . وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، : كُلُّ مَنْ وَطِئَ حَرِيمَتَهُ عَالِمًا بِالتَّحَرُّمِ عَالِمًا بِقَرَابَتِهَا مِنْهُ ، فَسَوَاءٌ وَطِئَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ - مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ ؟ الوَجْه الثاني : أن ابن حَزْم رَوَى بإساده إلى عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ ، قَالَ : مَرَّ بِنَا نَاسٌ يَنْطَلِقُونَ قُلْنَا : أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ نَضْرِبَ عُنُقَهُ ؟ الوَجْه الثالث : أنّ ابن حَزْم ردّ هذا القول بِما ثَبَت في صَريح السُّنّة ، وهو حديث البراء السابق ونَقَل ابن حَزْم عن جُمهور أهل العِلم تحريم ذلك وتَجريمه . قال ابن حَزْم : قَالَتْ طَائِفَةٌ : مَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ حَرِيمَتَهُ أَوْ زَنَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَهُوَ كُلُّهُ زِنًى ، وَالزَّوَاجُ كُلُّهُ زَوَاجٌ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى كَامِلًا، وَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِي الْعَقْدِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - صَاحِبِي أَبِي حَنِيفَةَ . اهـ . فالقول بتجريم ذلك الفِعْل : هو قول أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - صَاحِبِي أَبِي حَنِيفَةَ - . قَال ابن حَزْم في رَدّ ذلك القول : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ فَنَتَّبِعُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَبَدَأْنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ لِقَوْلِهِ ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ اسْمَ " الزِّنَى " غَيْرُ اسْمِ " النِّكَاحِ " فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَيْرُ حُكْمِهِ . فَإِذَا قُلْتُمْ : زَنَى بِأُمِّهِ - فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الزَّانِي ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ : تَزَوَّجَ أُمَّهُ ، فَالزَّوَاجُ غَيْرُ الزِّنَى فَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ، وَلِحَاقِ الْوَلَدِ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ تَمْوِيهًا غَيْرَ هَذَا . وَهُوَ كَلَامٌ فَاسِدٌ ، وَاحْتِجَاجٌ فَاسِدٌ ، وَعَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ . وَأَمَّا قَوْلُهُ " إنْ اسْمَ الزِّنَى غَيْرُ اسْمِ الزَّوَاجِ " فَحَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، إلَّا أَنَّ الزَّوَاجَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَأَبَاحَهُ - وَهُوَ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الْمُبَارَكُ . وَأَمَّا كُلُّ عَقْدٍ أَوْ وَطْءٍ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا أَبَاحَهُ بَلْ نَهَى عَنْهُ، فَهُوَ الْبَاطِلُ وَالْحَرَامُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالضَّلَالُ - وَمَنْ سَمَّى ذَلِكَ زَوَاجًا فَهُوَ كَاذِبٌ آفِكٌ مُتَعَدٍّ .... أَمَّا مَنْ سَمَّى كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَوَطْءٍ فَاسِدٍ - وَهُوَ الزِّنَى الْمَحْضُ - زَوَاجًا، لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى إبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ إلَى إسْقَاطِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا كَمَنْ سَمَّى الْخِنْزِيرَ: كَبْشًا، لِيَسْتَحِلَّهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَكَمَنْ سَمَّى الْخَمْرَ: نَبِيذًا، أَوْ طِلَاءً، لِيَسْتَحِلَّهَا بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَكَمَنْ سَمَّى الْبيْعَةَ وَالْكَنِيسَةَ: مَسْجِدًا، وَكَمَنْ سَمَّى الْيَهُودِيَّةَ: إسْلَامًا - وَهَذَا هُوَ الِانْسِلَاخُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَنَقْضُ عَقْدِ الشَّرِيعَةِ، وَلَيْسَ فِي الْمُحَالِ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هَذَا نِكَاحٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا مِلْكٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ هَذَا كَلَامٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَئِنْ كَانَ نِكَاحًا أَوْ مِلْكًا فَإِنَّهُ لَصَحِيحٌ حَلَالٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الزَّوَاجَ، وَالْمِلْكَ . اهـ . الوَجْه الرابع : أن الْحُجّة عند التنازع : الكِتاب والسُّنّة . فالثابِت في السُّنّة : قَتْل مَن تَزوّج ذات مَحْرَم ؛ لأنه اسْتَحَلّ ما حَرّم الله . ففي حديث الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ : لَقِيتُ عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَآخُذَ مَالَهُ . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، وصححه الألباني . ومما تَقرّر عند أهل العِلْم : أن قول العَالِم يُحتَجّ له ، ولا يُحتَجّ به . قال ابن السمعاني : متى ثبت الخبر صار أصلاً من الأصول ولا يُحتاج إلى عَرْضه على أصل آخر ؛ لأنه إن وافَقه فذاك ، وإن خالفه لم يَجُزْ رَدّ أحدهما لأنه ردّ للخبر بالقياس ، وهو مَرْدُود بالاتفاق ؛ فإن السنة مُقَدّمة على القياس بلا خِلاف . اهـ . نَقَله الحافظ ابن حجر في " الفتح " . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَلَيْسَ لأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحَدٍ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ ، وَدَلِيلٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ ذَلِكَ تُقَرَّرُ مُقَدِّمَاتُهُ بِالأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لا بِأَقْوَالِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنَّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ يُحْتَجُّ لَهَا بِالأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ . اهـ . ويَظهر لي – والله أعلم – أن الذي نَقَل ذلك القَول يُريد إشاعة الفاحِشة في الذين آمنوا ، وتَهوين وتَسْويغ زِنا الْمَحَارِم ؛ فهو نَقَل قولا مَبْتُورا ، ونَقل ما يُوافِق هَواه . والله تعالى أعلم . |
الساعة الآن 03:04 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى