![]() |
ما معنى (والشوق إلى لقائك) ، وهل هو من تمنّي الموت ؟
هل شوْق المسلم لِرَبّه ، تعني تمني هذا المسلم الموت لنفسه ؟ أم ماذا تعني ؟ لأنني أخاف من هذه الدعوة كثيرًا ؟ الجواب : لا يَعني ذلك تَمنِّي الموت ، بل المسلم يَرجو لِقاء الله ، ويَشتاق إليه . وهذا المعنى تكرر في الكتاب والسُّنَّة . قال تعالى : (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) . وقال عَزّ وجَلّ : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) . وقال تبارك وتعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) وعكسهم الكفار الذين قال فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) . وقال عنهم : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) . فالمسلم يَرجو لقاء الله ويشتاق لرؤية ربِّه ، ورؤية نبيِّه صلى الله عليه وسلم .. والكافر لا يَرجو ذلك . وكان مِن دُعائه عليه الصلاة والسلام أن يسألَ الله الشّوقَ إلى لقائه ، مع أنه عليه الصلاة والسلام نَهى عن تمنِّي الموت . فالشّوق إلى لقاء الله ليس هو تمنِّي الموت . عن قيس بن عباد قال : صَلّى عمار بن ياسر بالقوم صلاة أخَفّها ، فكأنهم أنْكَرُوها ، فقال : ألَمْ أُتِمّ الركوع والسجود ؟ قالوا : بلى . قال : أمَا إني دَعَوتُ فيها بِدُعَاءٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِه : اللهم بِعِلْمِك الغيب ، وقُدْرَتِك على الْخَلْق ، أحْينِي ما عَلِمْتَ الحياة خيرًا لي ، وتَوفّني إذا عَلِمْتَ الوفاة خيرًا لي ، وأسألك خَشْيَتك في الغيب والشهادة ، وكلمة الإخلاص في الرِّضَا والغَضَب ، وأسألك نَعِيمًا لا يَنْفَد ، وقُرّة عَين لا تَنْقَطِع ، وأسألك الرِّضاء بالقضاء ، وبَرْد العيش بعد الموت ، ولَذّة الـنَّظَر إلى وَجْهِك ، والشَّوق إلى لِقائك ، وأعوذ بِك مِن ضَرّاء مُضِرّة ، وفِتْنَةٍ مُضِلّة ، اللهم زَيِّـنّا بِزِينَةِ الإيمان ، واجعلنا هُداة مُهْتَدِين . رواه الإمام أحمد والنسائي . وصححه الألباني والأرنؤوط . قال ابن القيم رحمه الله : فَجَمَعَ في هذا الدُّعَاء العَظِيم القَدْر بين أطْيب شيء في الدنيا ، وهو الشَّوق إلى لِقائه سبحانه ، وأطْيب شيء في الآخرة وهو الـنَّظر إلى وَجْهِه سبحانه . ولما كان كمال ذلك وتمامه موقوفا على عدم ما يَضُرّ في الدنيا ، ويَفْتِن في الدِّين قال : " في غير ضَرّاء مُضِرّة ، ولا فِتْنَة مُضِلّة " ولما كان كمال العبد في أن يكون عَالِمًا بالحق ، مُتّبِعًا له ، مُعَلِّمًا لِغَيره ، مُرْشِدًا له ، قال : " واجْعلنا هُداة مُهْتَدِين " ولما كان الرِّضا النافع الْمُحَصِّل للمقصود هو الرِّضا بعد وقوع القضاء لا قَبْلَه ، فإن ذلك عزم على الرضا ، فإذا وقع القضاء انْفَسَخ ذلك العزم ، سأل الرِّضا بَعْدَه ، فإن المقدور يَكْتَنِفه أمْرَان : الاستخارة قَبل وُقُوعِه ، والرِّضا بَعد وُقُوعِه ؛ فَمِن سَعادة العَبْد أن يَجْمَع بينهما . اهـ . وقال أيضا : فالشَّوق يَحْمِل المشتاق على الْجِدّ في السير إلى مَحْبَوبِه ، ويُقَرِّب عليه الطريق ، ويَطْوِي له البعيد ، ويُهَوّن عليه الآلام والْمَشَاقّ ، وهو مِن أعظم نِعْمَة أنْعَم الله بها على عَبْدِه . اهـ . وقال ابن رجب رحمه الله : وأما الرُّوح فهي لطيفة ، وهي روحانية من جنس الملائكة ، فَقُوتُها ولَذّتها وفَرَحُها وسُرُورُها في معرفة خَالِقِها وبَارِئها وفَاطِرِها ، وفي ما يُقَرِّب منه مِن طاعته في ذِكْرِه ومَحَبّته والأُنْسِ به والشّوق إلى لقائه . فهذا هو عَيش الـنَّفْس وقُوتُها ، فإذا فَقَدَتْ ذلك مَرِضَتْ وهَلَكَتْ أعظم مما يَهْلِك الجسد بِفَقْدِ طعامه وشرابه . اهـ . قال ذو النون : ما طَابَتِ الدنيا إلا بِذِكْرِه ، ولا طَابَتِ الآخرة إلا بِعَفْوِه ، ولا طَابَتِ الجنة إلا بِرؤيته . وقال بلال حين حضرته الوفاة : غدا نَلْقَى الأحبة = محمدًا وحِزْبَه وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : أُحِبّ الموت اشتياقا إلى ربي . وكانت بعض الصالحات تقول : أليس عَجَبًا أن أكون حَيّة بين أظهركم وفي قلبي من الاشتياق إلى ربي مثل شُعل النار التي لا تطفأ ؟ [ ذَكَره ابن رجب ] وهذا لا يَدخل في تمنِّي الموت الْمَنْهِيّ عنه . قال ابن رجب : وإنما قال : " مِن غير ضَرّاء مُضِرّة ، ولا فِتْنَةٍ مُضِلَة " لأن الشوق إلى لقاء الله يَسْتَلْزِم محبة الموت ، والموت يَقَع تَمَنّيه كثيرًا من أهل الدنيا بِوقوع الضَّرّاء الْمُضِرّة في الدنيا ، وإن كان منهيا عنه في الشرع . ويَقَع من أهل الدِّين تَمَنِّيه لِخَشْيَة الوقوع في الفِتن الْمُضِلّة . فسأل تَمَنِّي الموت خاليا من هذين الحالين ، وأن يكون ناشئا عن مَحْض مَحَبَّةِ الله والشوق إلى لقائه . اهـ . فقول ابن رجب رحمه الله : " ويَقَع من أهل الدِّين تَمَنِّيه لِخَشْيَة الوقوع في الفِتن الْمُضِلّة " يَعني تمنِّي الموت ، فإنه قد يَقع مِن أهل الدِّين خشية الوقوع في الفِتَن . ولذلك جاء في أخبار آخر الزمان عنه عليه الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده لا تَذْهَب الدنيا حتى يَمُرّ الرَّجُل على القبر فَيَتَمَرّغ عليه ، ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ، وليس بِه الدِّين إلاّ البَلاء . رواه البخاري ومسلم . ففي قوله عليه الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده لا تَذْهَب الدنيا حتى يَمُرّ الرَّجُل على القبر فَيَتَمَرّغ عليه ، ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ، وليس بِه الدِّين إلاّ البَلاء . قال ابن عبد البر : قد ظن بعض الناس أن هذا الحديث معارض لنهيه عن تمني الموت لقوله عليه الصلاة والسلام : لا يتمنين أحدكم الموت لِضُرّ نَزَل به . ولقول خباب بن الأرَتّ : لولا أن رسول الله نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به . قال: وفي الحديث إباحة تمني الموت . وليس كما ظن ، وإنما هذا خبر أن ذلك سيكون لِشِدّة ما يَنْزِل بالناس مِن فساد الحال في الدِّين وضعفه ، وخوف ذهابه ، لا لِضُرّ يَنْزِل بالمؤمن يَحطّ خطاياه . اهـ . وقال ابن حجر : ويمكن أخذ الْحُكم مِن الإشارة في قوله : " وليس به الدِّين ، إنما هو البلاء " ، فإنه سِيق مَسَاق الذمّ والإنكار . اهـ . وقوله رحمه الله : " فسأل تَمَنِّي الموت خاليا من هذين الحالين ، وأن يكون ناشئا عن مَحْض مَحَبَّةِ الله والشوق إلى لقائه " أي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربّه الشوق إلى لقائه مِن غير أن يكون الدافع على ذلك هو فِتَن الدُّنيا ولا فِتَن الدِّين . فيكون الشوق صادِقًا ، وليس لِمجرّد التخلّص من هذه الدنيا وتَعبها ونَصَبها . وهنا: هل يجوز أن أقول (اللهم إن كنت يوما سأضطر للإخلال بحجابي فتوفني قبل ذلك اليوم) ؟ http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=79724 ما حُكم تَمنّي الموت ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthrea...C7%E1%E3%E6%CA الدعاء بــ(اللهم أحييني ما كانت الحياة خيراً لي) هل هو خاص للمتمني للموت ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthrea...C7%E1%DB%D6%C8 قول: الله ياخذ الروح قبل المكروه https://al-ershaad.net/vb4/showthrea...C7%E1%E3%E6%CA ما حكم في هذه الأبيات (وِدّي أموت اليوم وأعيش باكِر) ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthrea...C7%E1%E3%E6%CA هل يجوز تمني الموت في زمن معين بذاته؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthrea...C7%E1%E3%E6%CA أشعر بتعاسة فهل يجوز أن أدعوَ على نفسي بالموت ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthrea...C7%E1%E3%E6%CA هل آثم عندما أقول أني كرهت نفسي ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthrea...C7%E1%E3%E6%CA والله تعالى أعلم المجيب فضيلة الشيخ/عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 07:46 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى