![]() |
هل عمر بن الخطاب عطَّلَ حدّ السرقة في عام
هل ثبُتَ بالأسانيد الصحاح أنَّ عمر بن الخطاب عطَّلَ حدّ السرقة في عام الرمادة ؟
بسم الله الرحمن الرحيم هذه الشبهة يثيرها أعداءُ الإسلامِ من بني علمان ومن لفَّ لفّهم من الجهلة ممن ينادون بفصل الدين عن نظام الحكم ... وهي : " أنَّ عمر بن الخطاب عطَّلَ حدّ السرقة وهو قطع اليد في عام الرمادة , وقد أمر النبي باتباع سنن الخلفاء , والظروف الحالية لا تسمح بإقامة الحدود الشرعية " وربما سولَّت لبعض الناس أنفسهم أن يستدلوا بهذه الواقعة على البدعة الحسنة في الدين , فإنَّ تعطيلَ الحد في المجاعة بدعة ليس لها في السنة أصل وهم يرونها حسنة ! سؤالي ينحصرُ في وجهين: 1- هل ثبُتَ هذا بالأسانيد الصحاح عن عمر بن الخطاب ؟ 2- على فرضِ صحتِهِ فما الجواب على الإشكالين أعلاه ؟ وجزاكم الله خيراً ........ http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif الجواب : للحاكم العفو عن الحدود في سِنيّ المجاعة ، وهذا ما عمِل به عُمر رضي الله عنه . فإن الحدود تُدرأ وتُدفع بالشُّبُهات ، والمجاعة شُبهة أن الجائع ما دَفَعه على السرقة إلاَّ الجوع . وهذا موافق لِهَدْيِه عليه الصلاة والسلام . كما أن هذا له أصل في الشريعة ، فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ماعز رضي الله عنه وقد اعترف ماعِز رضي الله عنه بما اقترف . فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له : لعلك قَبّلْت ، أو غَمَزْت ، أو نَظَرْت . رواه البخاري . فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يُلقنه ، وهو مع ذلك يُعيد اعترافه . وكان عُمر رضي الله عنه يقول : لأن أُعَطِّل الحدود بالشبهات أحب إليّ مِن أن أُقيمها بالشبهات ولم يَنْفَرِد عمر رضي الله عنه بهذا ، فقد جاء هذا عن معاذ وعبد الله بن مسعود وعقبة بن عامر أنهم قالوا : إذا اشتبه عليك الْحَدّ فادْرأه . رواه ابن أبي شيبة . وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإذا وجدتم للمسلم مَخْرَجاً فَخَلّوا سبيله ، فإن الإمام إذا اخطأ في العفو خير مِن أن يُخطئ في العقوبة . رواه ابن أبي شيبة . فَعُلِم أن هذا من باب السياسة الشرعية ، وأن هذا الفعل ليس مِن قَبِيل البِدَع ، ولا هو مِن بابتها ، ولا يُدخله في باب البِدع إلاّ جاهل ! ثم إن عمر رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين ، وقد أُمِرنا بالاقتداء بهم . وقد قال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح . وقد قرر ابن حزم رحمه الله أن مكانة الشيخين ( أبي بكر وعمر ) تقتضي أنهما لا يَسُنّان غير سُنته عليه الصلاة والسلام ، ولا يقولان بقول خارج عن سُنّـته صلى الله عليه وسلم . قال ابن حزم رحمه الله : فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمر باتِّباع سنن الخلفاء الراشدين لا يخلو ضرورة من أحد وجهين : إما أن يكون صلى الله عليه وسلم أباح أن يَسُنّوا سُننا غير سُننه ، فهذا ما لا يقوله مسلم ! وأما أن يكون أمر باتِّباعهم في اقتدائهم بسنته صلى الله عليه وسلم ، فهكذا نقول : ليس يحتمل هذا الحديث وجها غير هذا أصلا . وقال بعضهم : إنما نَتّبعهم فيما لا سُنَّة فيه . اهـ . ومقصوده أن الخلفاء الراشدين لا يخرجون عن السُّـنَّـة وأصولها . هذا من جهة . ومن جهة أخرى فإن العلماء يُفتُون بِموجب قول عمر وفعله إذا كان ذلك في سِنيّ المجاعة . قال ابن القيم : فصل : سقوط حد السرقة أيام المجاعة : المثال الثالث : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة . قال السعدي : حدثنا هارون بن إسماعيل الخراز ثنا علي بن المبارك نا يحيى بن أبي كثير حدثني حسان بن زاهر أن ابن حدير حدثه عن عُمر رضي الله عنه قال : لا تُقْطَع اليد في عِذق ولا عام سَنَة . قال السعدي : سألت احمد بن حنبل عن هذا الحديث ، فقال : العِذق النخلة ، وعام سَنة المجاعة . فقلت لأحمد : تقول به ؟ فقال : إي لعمري ! قلت : إن سرق في مجاعة لا تقطعه ؟ فقال : لا ، إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة . قال : وقد وافق أحمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي ، وهذا مَحْض القياس ومقتضي قواعد الشرع ، فإن السُّـنَّة إذا كانت سَنة مَجَاعة وشِدّة غَلَب على الناس الحاجة والضرورة فلا يكاد يَسلم السارق مِن ضَرورة تَدعوه إلى ما يَسدّ بِه رَمقه . ومع ذلك فقد قرّر العلماء أنه إذا استبان أن السارق سَرق من غير حاجة فإنه يُقام عليه الحدّ ، وإن كان في سِنيّ مجاعة . قال ابن القيم : وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون ، ولا يتميز المستغنى منهم والسارق لغير حاجة من غيره ، فاشْتَبَه مَن يَجب عليه الْحَدّ بِمَن لا يجب عليه ، فَدُرِئ . نَعم ، إذا بان أن السارق لا حاجة به وهو مُسْتَغْن عن السرقة قُطِع . اهـ . وأما قولهم : (الظروف الحالية لا تسمح بإقامة الحدود الشرعية) ، فهذا باطل مِن وُجوه : الأول : أن إقامة الحدود الشرعية ، وهو الأصل ، فلا يُعدل عنه إلاّ من أجل مصلحة راجحة ، كَدرء الحدود بالشُّبُهات . الثاني : أن تعطيل الحدود إنما هو بمثابة فتح أبواب الإجرام ! وكم تشكو الدول الغربية قبل غيرها من الجرائم ، وما ذلك إلاّ بسبب تعطيل الحدود . الثالث : أن المقصود إلغاء شرع الله ، وليس الاقتداء بِعمر رضي الله عنه ؛ لأن سياسة عمر رضي الله عنه كانت شديدة مع الخصوم فضلا عن الأعداء . وقد اشتهر عن عمر رضي الله عنه الشدّة مع المخالف ، خاصة فيما يتعلّق بِحريّة الفكر - فيما يزعمون - فقد جَلد صَبيغ بن عسل من أجل إثارة الشبهات ، كما في أصول السنة للإمام اللالكائي . فإن كان القصد الاقتداء بِعمُر رضي الله عنه ، فليُعمل بهم سُنة عمر رضي الله عنه مع صبيغ !! الرابع : أن الظروف الحالية هي أنسب ما يكون لإقامة الحدود ، وإثبات التجربة الإسلامية في التعامل مع المجرمين ، واستئصال شأفتهم ! الخامس : أن الدول الكبرى تُقيم الحدود ، وإن كان بصورة أخرى ، فَحُكم الإعدام يُعمل به في دول أمريكا وفي الصين ، وفي غيرها ، وهو واقع لا يُنكر ! وكنت أشرت إلى بعض ذلك هنا : http://saaid.net/Doat/assuhaim/8.htm وسبق أن نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في موقعها خبرا عن إعدامات في أمريكا ، كما هنا : http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news...00/1397173.stm وكما هنا : http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news...00/1274923.stm ومع ذلك لا نرى من " كُتابنا " من يعيب عقوبة الإعدام في أمريكا ، ولا في الصين ! وهذا يؤكِّد ما قلته قبل قليل من أن المقصود هو إلغاء شرع الله ، وأن الهجوم على الحدود لارتباطها بالشريعة !! كما أننا لم نسمع عن ضجيج إعلامي ولا اتِّهام بالإرهاب للقاتل الأمريكي " تيموثي مكفي " ! الذي قَتَل (168 شخصا في الانفجار) حسب إفادة موقع هيئة الإذاعة البريطانية .. السابع : أنه ليس أردع للمجرمين من إقامة الحدود ، كما أنه ليس أرسخ للأمن من إقامة الحدود . يُحدّثني أحد الدعاة أنه ألقى محاضرة على مجموعة من الغربيين ، فلما انتهت المحاضرة طرحوا عليه مجموعة من الشبهات والإشكالات حول قضايا عِدّة في الإسلام ، ومنها : الحدود . يقول : فسألتهم ؟ هل تجدون هذا الأمة في بلادكم ؟ قال : فأجابوا : لا . قلت : هذا الأمن أحد فوائد إقامة الحدود . وهذا صحيح ، فإن العرب كانت تقول : القَتْل أنْفَى للقَتْل ، وقول الله عزّ وجلّ أبلغ وأحكم وأصدق : (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ) . فإقامة الحدود حياة ، وتعطيل الحدود وفاة ! وإقامة الحدود ترسيخ للأمن ، وتعطيل الحدود إضعاف أو إزهاق للأمن ! والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم |
الساعة الآن 06:11 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى