![]() |
أمـة قاهـرة ...
أمـة قاهـرة ...
الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم ( عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض ) لما فتحت مدائن قبرص وقع الناس يقتسمون السبي ، ويفرقون بينهم - أي بين سبايا العدو - ويبكى بعضهم على بعض ، فتنحى أبو الدرداء ثم احتبى بحمائل سيفه فجعل يبكى ، فأتاه جبير بن نفير فقال : ما يبكيك يا أبا الدرداء أتبكى في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ، وأذل فيه الكفر وأهله ؟ فضرب على منكبيه ، ثم قال : ثكلتك أمك يا جبير بن نفير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره ؛ بينما هي أمة قاهرة ظاهرة على الناس لهم الملك حتى تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى ، وإنه إذا سُلط السباء على قوم فقد خرجوا من عين الله ليست لله بهم حاجة . رواه سعيد بن منصور في السنن وأبو نعيم في الحلية . تذكرت هذه المقولة في بلاد الأندلس ( أسبانيا ) فبينما أمة الإسلام أمة قاهرة ظاهرة على الناس في بلاد الأندلس ذات صولات وجولات تقف على حدود فرنسا ( في بواتيه ) وتهدد عروش الكفر يخاف الكل سطوتها حتى ضيّعت أمر الله وفتحت على نفها ثغرات قاتلة ابتداء من أبرز أسباب الهلاك ( التنافس على الدنيا ) ( فتنافسوها كما تنافسوها ) يعني الذين من قبلنا ( فتهلككم كما أهلكتهم ) إلى ( الركون إلى الدنيا وكراهية الموت ) وقد عبّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ ( الوهن ) إلى التناحر والتقاسم إلى دويلات يصفها شاعر معاصر لها هو الحسن بن رشيق بقوله : مما يزهدني في أرض أندلس ***** أسـمـاء معتصم فيهـا ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها***** كالهـرِّ يحكي انتفاخا صولة الأسد إلى ثغرات أخرى مثل ( موالات الكافر والاستنصار به على المسلم ) ولو أدى ذلك إلى التنازل عن شيء من الأرض أو الدين .إلى الانهماك في الملذّات واتـّباع الشهوات ، وتقديم الطرب وأهله على الجهاد والمجاهدين ، بل والإنفاق عليه أكثر من الإنفاق في سبيل الله . بينا هي أمة قاهرة إذ فتحت على نفسها تلك الثغرات وغيرها حتى إذا تمكّن العدو منها ، خرجت ذليلة تجرّ أذيال الهزيمة حتى قالت أم أبي عبد الله الصغير لابنها الذي أضاع نفسه وملكه : إبكِ مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال . فلما أضاعوا أمر الله ضاعوا . رأيت هذا رأي عين في أسبانيا ، فبينما المسلمون ترتفع منائرهم تناطح السحاب ، وتصدح منابرهم بأصوات الحق عالية مدوّية ، حفظهم الله يوم حفظوا حدوده وأطاعوا أوامره . ثم أضاعوا أمر الله فضيّعهم الله ، حتى أصبح المسلمون اليوم في بلاد الأندلس يُمنحون شقوقا - ربما تكون تحت الأرض - لـيُصلّوا فيها ، بل هذا المنح هو منح مؤقت قابل للاسترجاع في أي وقت . فكم بين الأمس واليوم ؟ كم بين دخول طارق بن زياد فاتحا بوابة الأندلس ( جبل طارق ) منتصرا ، وكم بين خروج أبي عبد الله الصغير ذليلا منهزما يتلوا تلك الهزائم سقوط الأندلس ومحاكم التفتيش وما صاحبها من ذل للمسلمين حتى كان الاختتان يُعدّ جريمة في عرف النصارى ، ولما أعلن النصارى العفو عمن خرج من المسلمين من بلاد الأندلس خرج يومئذ أكثر من خمسمائة ألف مسلم . كم بين دخول طارق بن زياد فاتحا وبين تلف الأنفس اليوم - غرقا - في ذلك المضيق لجوءا إلى ( أسبانيا ) بحثا عن لقمة العيش ؟كم بين دخول الفاتحين أعزّة ، وبين لجوء المهجّرين إلى بلاد المشركين ؟كم بين ذلك الأمس المشرق واليوم المظلم ؟ من عَرَفَ الأمس ببطولاته وانتصاراته فلن يعتقد أن هناك صلة بين الأمس واليوم ؟ بل ربما لن يعتقد أن ثمة صلة بين أولئك الآباء وهؤلاء الأحفاد .كيف لو خرج طارق أو عبد الرحمن الناصر ورأى ما حلّ بالأندلس ، وما حلّ بقصر الحمراء ومسجد قرطبة الجامع ؟ أما إنه لن يبكي على الأطلال بل سيموت كمداً . لمثل هذا يذوب القلب من كمد ***** إن كان في القلب إسلام وإيمان وكفى … |
الساعة الآن 03:29 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى