![]() |
هـذا بِـذنْـبِـي ...
..
كَانَتْ أَسْمَاءُ بنت أبي بكر رضي الله عنها تَصْدَعُ فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَتَقُوْل : بِذَنْبِي ، وَمَا يَغْفِرُهُ اللهُ أَكْثَر . رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ، ومِن طريقِه : رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " . أي أنها ما تُصاب إلا بسبب ذنبها . وهي بذلك تُشير إلى قوله تعالى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وقالت فاطمةُ بنت المنذِر : كانت جَدّتي أسْمَاء تَمْرَضُ الْمَرْضَة فتُعتِقُ كُلّ مَمْلوك لها . رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ، ومِن طريقِه : رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " . وحَـدّث عبيد الله بن السّرِى قال : قال ابن سيرين : إني لأعرف الذنب الذي حُمل به عليّ الدَّين ما هو . قلت : لرجل منذ أربعين سنة : يامفلس ! قال عبيد الله : فحدثتُ به أبا سليمان الداراني فقال : قَـلّـت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون ، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى ! وكان الفضيل بن عياض يقول : إني لأعصِي الله فأعرف ذلك في خُلُق حِمَاري وخادِمي . وفي ترجمة الإمام وَكِيع بن الجرّاح رحمه الله أن رجلاً أغْلَظَ لِوَكِيع ، فَدَخَل وَكِيع بَيْتًا فَعَفّر وَجْهه بِالتّراب ، وخَرجَ إلى الرّجُل فقال له : زِدْ وَكِيعًا بِِذَنْبِه ، فَلَوْلاَه ما سُلِّطتَ عَليَّ . رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " . أي لولا ذنوبي لما سُلّطت عليّ تُغلظ لي القول . ولما استطال رجل على أبي معاوية الأسود فقال له رجل كان عنده : مه ! فقال أبو معاوية : دعه يشتفي ، ثم قال : اللهم اغفر الذّنب الذي سلّـطت عليّ به هذا . (صفة الصفوة ، لابن الجوزي) هذا من فقـه المصيبة ، وهو فِقـه دقيق لا يتأمله كل أحـد . فمتى أُصيب العبد بمصيبة لم ينظر إلى أسبابها وإلى ما هو مُقيم عليه من ذنوب ، فقد نظر إلى ظاهر الأمر دون باطنه . فينظر كثير من الناس إلى مَن أجرى الله على يديه تلك المصيبة التي ما هي إلاّ عقوبة لذلك الذّنب ، ولولا ذلك الذنب لما سُـلِّـط عليه . كما تقدّم في الآثار السالفة . ينظر كثير من الناس إلى من باشر المصيبة ، ومَن أجرى الله على يديه العقوبة ، فينظرون إلى الظالم فحسب ، فيلعنونه ، ونحو ذلك . وينظرون إلى من تسبب في حادث سير على أنه سائق غشيم ! لا يُحسن التصرّف ، ولكن الناظر هذه النظرة يفتقر إلى تلك الشفافية التي نظر بها السلف أبعد مما هو ظاهر للعيان . وينظر الزوج إلى زوجته على أنها تغيّـرت طباعها أو ساءت أخلاقها ، دون التأمل في الذّّنب الذي تسبب في ذلك . كما تنظر الزوجة إلى زوجها على أنه تغيّر طبعه أو ساء خُلُقـه ، دون النظر في الذنوب التي هي السبب في ذلك . فكم نحن بحاجة إلى تلك النظرة الفاحصة التي ننظر بها إلى ذنوبنا قبل كل شيء . فإذا وقعت مصيبة أو نزلت نازلة أو ساءت أخلاق من يتعامل معنا من أهلٍ وأصحاب وجيران فلننظر في ذنوبنا الكثيرة : من أيها أُصبنا ؟ أمِنْ ارتكاب ما حرّم الله ؟ أم مِن تضييع فرائض الله ؟ أم مِن تخلّفنا عن صلاة الفجر ؟ أم مِن السهر المُحـرّم ؟ أم مِن إدخال ما حرم الله إلى البيوت من صور ومعازف ، وغيرها من وسائل تجلب الشياطين ، وتتسبب في خروج الملائكة ؟ أم مِن الأسفار المُحرّمـة . سعيا في الأرض فسادا ؟ أم مِن ضعف مراقبتنا لله عز وجل ؟ أم ... أم ... وتعـدّ وتغلـط في العدّ ... مِن كثرة الذنوب العامة والخاصة . أحببت تذكير نفسي وإخواني وأخواتي . (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فرُحماك ربنا رُحماك وعاملنا ربنا بلطفك الخفيّ وعاملنا بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين . |
الساعة الآن 08:31 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى