![]() |
حول الآية ( لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة )
السلام عليكم
كيف نجيب عن هذا الإشكال: أن آية " وحرم الربا " مطلقة وجاء تقييدها بقوله تعالى: " لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " فيحمل المطلق على المقيد لاتفاقهما في الحكم والسبب ، كما في قوله " حرمت عليكم الميتة والدم " وقوله " أو دما مسفوحا " فاتفقا في الحكم والسبب؟ لأن بعض العلماء يقول بأن بين الآيتين عموم وخصوص والقاعدة " أن ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص بل للعناية به" فلم لا نقول بالإطلاق والتقييد كما سلف؟ وجزاكم الله خيرا http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا . قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) هذا من باب التأكيد ، ولا يُفهم منه إباحة ما لم يكن مُضاعفا ! قال القرطبي في تفسيره : (مُضَاعَفَةً) إشارة إلى تكرار التضعيف عامًا بعد عَام ، كما كانوا يصنعون ، فَدَلّت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقُبحه ، ولذلك ذُكرت حالة التضعيف خاصة . وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي : في أموال الربا فلا تأكلوها . اهـ . وقال ابن حجر : خَاطَب الله تعالى عباده في هذه الآية ناهِيًا عن تعاطي الربا وأكْله أضعافا مضاعفة ؛ كانوا في الجاهلية إذا حَلّ أجل الدَّيْن إما أن يَقْضِي وإما أن يُرْبِي ، فإن قَضاه وإلاّ زاده في المدّة وزاده الآخر في القَدْر ، وهكذا في كل عام ، فربما يُضاعف القليل حتى يصير كثيرا مُضَاعَفًا . اهـ . وفي " شرح الكوكب المنير " لابن النجار : قَوْله تَعَالَى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) وَرَدَ عَلَى مَا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ فِي الآجَالِ : أَنَّهُ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَقُولُونَ لِلْمَدْيُونِ : إمَّا أَنْ تُعْطِيَ ، وَإِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي الدَّيْنِ ، فَيَتَضَاعَفُ بِذَلِكَ مُضَاعَفَةً كَثِيرَةً . اهـ . وقال الشوكاني : قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) لا مفهوم للأضعاف ؛ لأنه جاء على النهي عما كانوا يَتعاطونه بسبب الآجال ، كان الواحد منهم إذا حَلّ دَينه يقول : إما أن تُعطي وإما أن تُرْبِي ، فيتضاعف بذلك أصل دينه مِرارا كثيرة ، فَنَزَلت الآية على ذلك . اهـ . ثم إن تحريم الربا جاء صريحا في أقلّ الربا ، كما في قوله تعالى : (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ) ، فإن كلمة ( ربا ) في الآية نكرة ، فَتَعُمّ . ومثله قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) . والسنة جاءت مُفسِّرة للقرآن ، فحرّمَتْ درهم الربا فما فوق . ولهذا لا يُحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة ؛ لأن الإطلاق لا مفهوم له ، ولم يتضمّن النهي عن أكل الربا المضاعف فحسب ، بل هو نهي عن أصل الربا . وقال القرافي في " أنوار البروق في أنواع الفروق " : قَوْلَهُ : (أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) فِي مَعْنَى الْوَصْفِ ، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ النَّهْيِ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْهُ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّحْرِيمُ فِي الْقَلِيلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْوَصْفِ ، كَمَا تَحَقَّقَ فِي الْكَثِيرِ لِتَحَقُّقِ الْوَصْفِ . اهـ . ومن العلماء من يرى أن الآية منسوخة بعموم تحريم الربا . ففي " الفصول في الأصول " : قَوْلُهُ : (وَحَرَّمَ الرِّبَا) مُطْلَقًا نَاسِخًا لِدَلالَةِ الآيَةِ الأُخْرَى . اهـ . والقول بالنسخ له وجه ، لِمَا رواه سعيد بن المسيب قال : قال عمر رضي الله عنه : إن آخر ما نَزَل من القرآن آية الربا ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبِض ولم يُفَسِّرها ، فَدَعُوا الرِّبا والريبة . رواه الإمام أحمد وابن ماجه ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حَسن رجاله ثقات رجال الشيخين . وفي رواية لأحمد : إن مِن آخر ما نَزَل آية الربا . والمقصود بها آية البقرة . إلاّ أن النسخ لا يُصار إليه مع إمكانية الْجَمْع . ومِن العلماء من يرى أن مفهوم قوله : (أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) مُلْغَى . قال الشاطبي : دلّ دليل تحريم الربا قليله وكثيرة على تعطيل المفهوم في قوله الله تعالى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) . اهـ . والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم عضو مكتب الدعوة والإرشاد |
الساعة الآن 09:37 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى