![]() |
لماذا الغناء يُنبت النفاق في القلب ؟
لماذا الغناء يُنبت النفاق في القلب ؟ الجواب: أورد ابن القيم - رحمه الله - هذا السؤال ثم قال : فإن قيل : فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي ؟ قيل : هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها ، وأنهم هم أطباء القلوب دون المنحرفين عن طريقتهم الذين داووا أمراض القلوب بأعظم أدوائها ، فكانوا كالمداوي مِن السّقم بالسّمّ القاتل ! وهكذا والله فعلوا بِكثير من الأدوية التي رَكّبوها أو بأكثرها ، فاتفق قلة الأطباء وكثرة المرضى وحدوث أمراض مزمنة لم تكن في السّلف . والعدول عن الدواء النافع الذي رَكّبه الشارع ومَيْل المريض إلى ما يُقَوّي مادة المرض ؛ فاشْتَدّ البلاء ، وتَفَاقَم الأمر ، وامتلأت الدور والطرقات والأسواق مِن المرضى ، وقام كل جهول يُطبّب الناس . فاعلم أن للغناء خَواصّ لها تأثير في صَبغ القلب بالنّفاق ونباته فيه كَنَبَات الزرع بالماء ؛ فَمِن خَوَاصّه : أنه يُلْهِي القلب ويَصدّه عن فَهْم القرآن وتَدَبّره والعمل بما فيه ؛ فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدا ، لِمَا بَينهما مِن التّضَادّ ، فإن القرآن يَنْهَى عن اتّباع الهَوى ، ويأمر بِالعِفّة ومُجَانَبة شَهَوات النفوس ، وأسباب الغَيّ ، ويَنْهَى عن اتّباع خطوات الشيطان . والغناء يأمُر بِضِدّ ذلك كله ، ويُحسّنه ، ويُهيّج النفوس إلى شَهَوات الغَيّ ، فيُثِير كامِنَها ، ويُزْعِج قَاطِنها ، ويُحَرّكها إلى كل قَبيح ، ويَسُوقها إلى وَصْل كُلّ مَلِيحة ومَلِيح ... وهو جاسُوس القلب ، وسارِق المروءة ، وسُوس العَقل ، يَتَغَلغل في مَكَامِن القلوب ، ويَطّلع على سرائر الأفئدة ، ويَدبّ إلى مَحل التخيّل فيُثِير ما فيه مِن الهوى والشهوة والسخافة والرَقَاعة والرّعُونة والحَمَاقة ؛ فبَيْنا تَرى الرّجُل وعليه سِمَة الوَقار ، وبَهاء العَقل ، وبَهْجة الإيمان ، ووَقَار الإسلام ، وحَلاوة القرآن ، فإذا اسْتَمع الغناء ، ومالَ إليه نَقَص عَقْله ، وقَلّ حياؤه ، وذَهَبت مُرُوءته ، وفَارَقه بَهاؤه ، وتَخَلّى عنه وقَاره ، وفَرِح به شيطانه ... وسَرّ المسألة : أنه قرآن الشيطان ، فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن فى قَلْبٍ أبَدا . وأيضاً فإن أساس النفاق : أن يُخالِف الظاهر الباطن ، وصاحب الغناء بين أمرين : إما أن يَتَهَتّك ؛ فيكون فاجِرا ، أو يُظْهِر النّسك ؛ فيكون منافقا ، فإنه يُظهر الرغبة فى الله والدار الآخرة وقلبه يَغلي بالشهوات ، ومحبة ما يكرهه الله ورسوله مِن أصوات المعازِف ، وآلات اللهو ، وما يَدعو إليه الغناء ويُهيّجه ؛ فَقَلْبه بِذلك مَعْمُور ، وهو مِن مَحبة ما يُحِبّه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه قَفْر ، وهذا مَحْض النفاق . وأيضا : فإن الإيمان قول وعمل : قول الحق ، وعمل بالطاعة ؛ وهذا يَنْبت على الذّكر ، وتلاوة القرآن . والنفاق : قول الباطل ، وعَمل البَغي ؛ هذا يَنْبت على الغناء . وأيضا : فمِن علامات النفاق : قِلّة ذِكْر الله ، والكَسَل عند القيام إلى الصلاة ، ونَقْر الصلاة ، وقَلّ أن تَجِد مَفْتونا بِالغِناء إلاّ وهذا وَصْفه . وأيضا : فإن النفاق مُؤسّس على الكذب ، والغناء مِن أكذب الشّعْر ، فإنه يُحسّن القَبيح ويُزَيّنه ، ويأمُر به ، ويُقَبّح الحسَن ويُزهّد فيه ؛ وذلك عَيْن النفاق . وأيضا : فإن النفاق غِشّ ومَكر وخِداع ، والغناء مُؤسّس على ذلك . وأيضا : فإن المنافق يُفسِد مِن حيث يَظنّ أنه يُصلِح - كما أخبر الله سبحانه بذلك عن المنافقين - وصاحِب السّمَاع يُفسِد قَلْبه وحَاله مِن حيث يَظن أنه يُصلِحه . والمُغَنّي يَدعو القلوب إلى فِتْنة الشهوات ، والمنافِق يَدعوها إلى فِتنة الشبهات . قال الضّحّاك : الغناء مَفْسَدة للقلب ، مَسْخَطة للربّ . وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مُؤدّب وَلَدِه : ليكن أول ما يعتقدون مِن أدَبك بُغْض الملاهي ، التى بَدؤها مِن الشيطان ، وعاقِبتها سَخط الرحمن ، فإنه بَلَغني عن الثقات مِن أهل العِلْم : أن صوت المعازِف ، واستماع الأغاني ، واللّهج بها يُنْبِت النفاق فى القلب كما يَنْبت العشب على الماء . فالغناء يُفسد القلب ، وإذا فسَد القلب هاج فيه النفاق . وبالجملة : فإذا تأمل البَصير حال أهل الغناء ، وحال أهل الذّكْر والقرآن ، تَبَيّن له حِذْق الصحابة ومَعْرِفتهم بِأدْواء القلوب وأدويتها . وبالله التوفيق . ويُنظَر : إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان . نَقَله الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 10:01 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى