![]() |
ما حكم استخدام كتب الشيخ أحمد ديدات في الدعوة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخي الفاضل ما حكم استخدام كتب الشيخ أحمد ديدات في الدعوة؟ يقول الشيخ / محمود بن رضا صالح المراد إن ديدات يناظر اليهود والنصارى من كتبهم ، ولهذا محاذير عديدة أولها انه بفعله هذا يؤكد للنصارى أن كتبهم صحيحة ، بينما هي في الواقع لا تحوي إلا ما هو منسوخ أو محرف ، وهذا الذي ندين الله به . http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبارك الله فيك . الرد المفصّل يحتاج إلى جُهد ووقت ، ولعلي أردّ بِرَدّ مُختَصَر . أولاً : ليس هناك أحد مِن العلماء والدُّعَاة إلى الله يخلو مِن خطأ . قال سعيد بن المسيب : ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلاَّ وفيه عيب ، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكر عيوبه . من كان فضله أكثر من نقصه وُهِب نَقْصه لِفَضْله . اهـ . وقال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى : الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعُلِم تَحَرِّيه للحق ، واتَّسَع عِلْمه ، وظَهر ذكاؤه ، وعُرِف صلاحه وورعه واتِّباعه ؛ يُغفر له زَلَلـه ولا نُضللـه ونَطْرحه ونَنْسى محاسنه . نعم ، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك . اهـ . وإذا كان الأمر كذلك فيجب- من باب العَدل- أن يُنَزّل كل قول مَنْزِلَته ، وكل خطأ يُقدّر بِقَدْرِه ، فلا يُسكت عن الخطأ ، ولا يُضَخّم حجمه . ويُعذر الأعجمي ما لا يُعذر العربي . ويُقدَّر جُهد الشخص وما قَدَّم للإسلام . ويُفرَّق بين من كان يتعمّد الخطأ ، ويُنافِح عن البدعة ، ومن وقع في الخطأ أو في البدعة من غير قصد . ثانيا : بعض ما يُقال ويُقرَّر في المناظرات لا يَلزَم مِنه أن يَكون قائله يعتقد صوابه ، بل قد يكون يُقرِّر أمْرا ليُلزِم به خصمه ، ويقطع حُجّته ، ويُفحِمَه . ومن هذا قوله تعالى لِنَبِيِّـه صلى الله عليه وسلم : (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) . قال ابن كثير رحمه الله : أي لو فُرِض هذا لَعَبَدّته على ذلك ؛ لأني عَبْد مِن عَبِيده ، مُطِيع لجميع ما يأمرني به ، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عِبادته ، فلو فُرِض هذا لكان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حَقّه تعالى ، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا . اهـ . ومن هذا الباب تَنَزّل إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتسليمه ظاهرا لِحماقات النمرود ! الذي زَعَم أنه يُحيي ويُميت ! قال الربيع وغيره : إن النمرود لَمّا قال أنا أحيي وأميت ، أحضر رَجلين ، فَقَتل أحدهما ، وأرسل الآخر ! فقال : قد أحييت هذا ، وأمَتّ هذا ! فإبراهيم عليه الصلاة والسلام لَم يُسلِّم للنمرود بِما قال ، إلاّ أنه مِن باب الـتَّنَزّل مع الخصم . قال ابن حجر : ولا شك أن العالم في المناظرة يتقذر القول وهو لا يختاره فيذكر أدلته إلى أن ينقطع خصمه ، وذلك غير مستنكر في المناظرة ، والله أعلم . ومن هذا الباب يُحمَل بعض ما وقع مِن الشيخ أحمد ديدات في بعض مناظراته ، مما حُمِل عليه بسببه . وهنا بيان كاف لهذه المسألة ، وتفنيد بعض ما أخِذ على الشيخ رحمه الله : http://www.ahmed-deedat.net/modules....rder=0&thold=0 ثالثا : للمناظَرات أصل في السّنّة وفي عمل السلف . قال ابن كثير : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَفْد نجران مِن النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة وعُتوهم وعنادهم إلى المباهلة . اهـ . والمناظَرة لم تكن مع الكُفّار فحسب ، بل كانت مع كل مُخالف . ومُناظرة ابن عباس رضي الله عنهما مع الخوارج مشهورة معلومة ، فقد تذَرع الخوارج ببعض الشُّبُهات ، واستدلّوا ببعض الآيات على ما ذهبوا إليه ، فجاءهم ابن عباس رضي الله عنهما بناء على أمْر عليّ رضي الله عنه ، فقال بعض الخوارج : لا تُناظِروه ! إنه من قريش ، وإن الله يقول عنهم : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) ، وقال بعضهم : بل نناظره ، فناظرهم علانية ، فرجع منهم أربعة آلاف رجل مِن اصل ستة آلاف رجل . والقصة مُخرّجة في مسند الإمام أحمد وفي مسند أبي يعلى وفي مستدرك الحاكم وفي سُنن البيهقي الكبرى وفي " المختارة " للحافظ الضياء . وكانت المناظرات تكون بين علماء السلف في مسائل مِن مسائل العِلْم . قال ابن عبد البر : وفي إدخال عبد الله بن سلام عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن جَلَس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة " وإذعان أبي هريرة إلى ذلك ؛ دليل واضح على ما كان عليه القوم من البصر بالاحتجاجات والاعتراضات والإدخال والإلزامات في المناظرة ، وهذا سبيل أهل العلم . اهـ . وقال في التمهيد : وهذا سبيل أهل الفقه أجْمَع إلاَّ طائفة لا تُعَدّ مِن العلماء أعرقوا في التقليد وأزاحوا أنفسهم من المناظرة والتفهّم ، وسَمّوا المذاكرة مناظرة جهلا منهم بالأصول التي منها يَنْزَع أهل النظر ، وإليها يفزع أولوا البصر ، والله المستعان . اهـ . قال أبو العباس الساجي : سمعت أحمد بن حنبل ما لا أحصيه في المناظرة تجري بيني وبينه وهو يقول : هكذا قال أبو عبد الله الشافعي . ومما استدل به أهل العلم على أصل المناظرات احتجاج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام قال ابن حجر في شرح الحديث : وفيه مشروعية الحجج في المناظرة لإظهار طلب الحق ، وإباحة التوبيخ والتعريض في أثناء الحجاج ليتوصل إلى ظُهور الْحُجّة . اهـ . رابعا : قول الشيخ محمود : (إن ديدات يناظر اليهود والنصارى من كتبهم ، ولهذا محاذير عديدة أولها انه بفعله هذا يؤكد للنصارى أن كتبهم صحيحة ، بينما هي في الواقع لا تحوي إلاَّ ما هو منسوخ أو محرف ، وهذا الذي ندين الله به ) أقول : ليس الأمر كما قاله مِن وُجوه : الأول : أن إدانة اليهودي أو النصراني بِمَا عنده مما يُوافِق الحق مطلوب شرعا ، ولهذا أصل مِن فعله عليه الصلاة والسلام حينما طَلب التوراة لإثبات حدّ الرَّجْم على اليهوديين الزانيين ، والقصة مُخرّجة في الصحيحين ، وفيها : أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ فقالوا : نفضحهم ويُجْلَدُون ، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم ! إن فيها الرَّجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ! فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا : صدق يا محمد ، فيها آية الرجم ، فأمَرَ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا . الوجه الثاني : أن ما في كُتُب أهل الكِتاب ليس كله مُحرَّفا ، وليس منسوخا جميعه ، وهو على ثلاثة أقسام ، كالإسرائيليات تماما ، وقد قسّمها العلماء إلى ثلاثة أقسام- كما فعل ابن كثير في مقدمة تفسيره- . قال رحمه الله عن الإسرائيليات : فإنها على ثلاثة أقسام : أحدها : ما عَلِمْنا صِحّته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق ، فذاك صحيح . والثاني : ما عَلِمْنَا كَذِبه مما عندنا مما يُخَالِفه . والثالث : ما هو مَسْكُوت عنه ، لا من هذا القبيل ، ولا من هذا القبيل ، فلا نُؤمن به ولا نُكَذّبه ، وتجوز حكايته لِمَا تَقَدّم ، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تَعود إلى أمْر ِديني ، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرا ، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك . اهـ . وهذا القسم لا يُصدّق ولا يُكذّب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تُصَدِّقُوا أهل الكتاب ولا تُكَذِّبُوهم ، وقولوا : ( آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) الآية . رواه البخاري . الوجه الثالث : أن من الصحابة من أخذ عن أهل الكِتاب في تفسير القرآن ، خاصة إذا كان ذلك التفسير لا يُخالِف ما جاء في شرعنا . ومن هذا القَبِيل ما اعتمده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه " الجواب الصحيح " ، فإنه أكثر النقل فيه عن أهل الكِتاب ، وعن كُتُبِهم ، مما يُعلَم في شرعنا أنه غير مردود ، بل إما في شرعنا ما يوافِقه ، كإخبار عيسى عليه الصلاة والسلام بنبوّة محمد وبشارته به ، وإما ما هو مسكوت عنه ، كما تقدّم . وهذا غالب ما يستدلّ به العلماء في كُتُبهم . ومثل ذلك ما اعتمده جُمع من المفسِّرِين في قضايا عديدة . ومِ، أكثر من أكثر النقل عن كُتُب أهل الكِتاب مما يُعلَم أنه لم يُحرَّف علامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره " محاسن التأويل " . الوجه الرابع : قول الشيخ محمود مراد عن الكُتُب السابقة : (لا تحوي إلاَّ ما هو منسوخ أو محرف) . أقول : يَرُدّ هذا ما تقدّم من تقسيم الإسرائيليات ، وفعله عليه الصلاة والسلام في واقعة الرجم ، فإن الرجم كان عند أهل الكِتاب- خاصة عند اليهود- وهو مما لم يُنسَخ في شرعنا ، ومثله بشارة عيسى عليه الصلاة والسلام بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن إثبات مثل هذا مما يُفحِم النصارى ، ويُدينهم بِما في كُتُبهم . وهذا الرّد في بعضه تحامل على الشيخ أحمد ديدات رحمه الله . وعفا الله عن الشيخ محمود مراد . وكنت قديما قد رأيت بعض مناظرات الشيخ أحمد ديدات رحمه الله ، كمُناظَرته مع القس " سويجارت " ، ولا أذكر أني رأيت فيها ما يُلحَظ . أخيرا : من كان لديه من العلم ما يُميِّز به الحق من الباطل ، والصواب من الخطأ ، فله أن يُفيد مِن كُتُب الشيخ أحمد ديدات رحمه الله ، ومن لم يكن كذلك ، فأخشى أن يلتبس عليه الأمر . والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم عضو مكتب الدعوة والإرشاد |
الساعة الآن 03:43 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى