![]() |
هل الدم نجس ؟
فضيلة الشيخ :
هل الدم نجس ؟ وهل صح الإجماع بذلك ؟ الجواب : الصحيح أن الدم ليس بنجس ، وإن كان الإمام النووي - رحمه الله - حكى الإجماع على نجاسته ، إلا أن الإجماع لا يصحّ للأدلة التالية : أولاً : أن الدمّ مما تعمّ به البلوى ، ومع ذلك لم يرد الأمر بغسله ، ولا بتوقّيـه وتجنبه . ثانياً : أن الصحابة كانت تُصيبهم الجراح ، ومع ذلك لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أثر الدم أو الوضوء ، ولو فُرِض عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك لا يخفى عمن لا تخفى عليه خافية سبحانه ، فيُصحح الخطأ لو كان هناك خطأ . ثالثا : أن الإمام النووي رحمه الله ممن يتساهل في نقل الإجماع . ومن الأدلة على عدم نجاسة الدم : ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن جابر رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في غزوة ذات الرقاع - فأصاب رجلٌ امرأة رجل من المشركين ، فحلف - يعني المشرك - أن لا انتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد ، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا . فقال : من رجل يكلؤنا ؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار ، فقال : كُـونا بِـفَـمِ الشِّعب . قال : فلما خرج الرجلان إلى فَـمِ الشعب اضطجع المهاجري ، وقام الأنصاري يصلي ، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم ، فرماه بسهم ، فوضعه فيه ، فنـزعه ، حتى رماه بثلاثة أسهم ، ثم ركع وسجد ، ثم انتبه صاحبه ، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الــدمّ قال : سبحان الله ألا انبهتني أول ما رمى ؟ قال : كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها . وقد صلّى عمر رضي الله عنه بعدما طُعن وجُرحه يثعب دمـاً . يعني يصبّ صبّـاً . ولذا قال الحسن - رحمه الله - : ما زال المسلمون يُصلُّـون في جراحاتهم . رواه البخاري تعليقاً ورواه ابن أبي شيبة موصولاً . وروى البخاري هذه الآثار تعليقاً ، فقال : وعَصَر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ ، وبزق بن أبي أوفى دما فمضى في صلاته ، وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم : ليس عليه إلا غسل محاجمه . أي ليس عليه الوضوء من خروج الدم . فهذه الأدلة وغيرها تدلّ على أن الدم ليس بنجس ، وليس بناقض للوضوء من باب أولى . ويُستثنى من ذلك دم الحيض فهو نجس . وما خرج من أحد السبيلين ( القبل أو الدبر ) لملاقاة النجاسة . ثم عقّب أحد الإخوة بقوله : ( أماصلاة عمروعَـبّاد وغيرهم من الصحابة - فحال ضرورة، فيباح لمن دمه يثعب من جراحه أن يصلي على حاله، والواجب - الذي هو التحرزمن النجس - يسقط بالإجماع، والمشقة تجلب التيسير، ألا ترى المستحاضة دمها نازل وتصح صلاتها ولواستثفرت، وكذا من به سلس ) فأجبته : صلاة عباد بن بِشر رضي الله عنه ليست حال ضرورة حفظك الله ؛ فإنه كان في صلاة نافلة ، وليست مثل صلاة عمر رضي الله عنه حينما طُعِن ؛ فإنها قضاء فريضة . ثم أليست هذه مسألة تعمّ البلوى بها ؟ الجواب : بلـى . السؤال الذي يطرح نفسه : لِـمَ لَـمْ يرد في غسل الدم حديث واحد ؟ بل ورد خلاف ذلك . ولم أرَ دليلاً صحيحاً صريحا يدلّ على نجاسة الدمّ لمن قال بنجاسته . قال الشوكاني - رحمه الله - : وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَـقـُل ، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حُجة . انتهى . وهذه الكلمة من الشوكاني قاعدة عظيمة يُعضّ عليها بالنواجذ . وأما دعوى الضرورة فلا يُسلّم بها . أين الضرورة من إنسان يُصلّي نافلة ؟؟ نعم . لو قلت فعل عمر رضي الله عنه ضرورة لربما سُلّم لك . أما أفعال الصحابة عموماً فلا تُحمل على الضرورة ؛ لأن بإمكان الواحد منهم أن يعصب جرحه ويُصلّي . كما أن قياسك على المستحاضة قياس مع الفارق ، والقياس مع الفارق باطل عند جمهور الأصوليين . فالمستحاضة تستثفر وتشد وسطها وتتوضأ لكل صلاة وتُصلّي وأما الأنصاري الذي كان يُصلّي فينزع السهم ويستمر في صلاته وجرحه يثعب ، يختلف تماماً عن حال المستحاضة . وحملك تلك الأفعال من الصحابة على اليسير أو الضرورة ليس بمسلّم لك . لمــاذا ؟ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يُفتي بأن المُحتَجِم ليس عليه إلا غسل محاجمه كما تقدّم . فهذه فتوى من عالم من علماء الصحابة . فكيف تُحمل الفتوى على الضرورة ؟؟ ولا ضرورة مع الحجامة ، فإن الحجامة تكون في الرأس أو في الظهر أو في غيره من البدن ، ومع ذلك كان يُفتي المحتجِم بأنه ليس عليه إلا غسل محاجمه . ثم إن القول إذا اتفقت عليه المذاهب الأربعة فإنه لا يُعـدّ إجماعاً ، بل يُقال هذا رأي الجمهور ، ونحو ذلك . وأحب أن أُذكّر أنه ليس كل من نقل الإجماع سُلّم له بذلك ، ولذا قال الإمام أحمد - رحمه الله - : وما يُدريك أنهم أجمعوا ، لعلهم اختلفوا . وقد ذكر الخلاف في المسألة الإمام النووي نفسه في المجموع ، وذكر بعض الأقوال في مذهبه هو والخلاف في نجاسة الدم من عدمه فقال : والصحيح عند الجمهور نجاسة الدم والفضلات وبه قطع العراقيون ، وخالفهم القاضي حسين فقال : الأصح طهارة الجميع ، والله أعلم . انتهى . نعم . دم الحيض متفق على نجاسته . والعجيب أن جمهور العلماء الذين قالوا بنجاسة دم الآدمي قالوا بطهارة دم الشهيد ! وبعدما كتبت هذا الرد الأخير رأيت لشيخنا الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - تفصيلاً في هذه المسألة حيث قال : قال الشيخ - رحمه الله - : والقول بأن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين قول قوي ، والدليل على ذلك ما يلي : 1 - أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ، ولا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم إلا دم الحيض ، مع كثرة ما يُصيب الإنسان من جروح ورعاف وحجامة ، وغير ذلك ، فلو كان نجساً لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الحجامة تدعو إلى ذلك . 2 - أن المسلمين ما زالوا يُصلّون في جراحاتهم في القتال ، وقد يسيل منهم الدم الكثير الذي ليس محلاً للعفو ، ولم يَرِد عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بِغسله ، ولم يرِد أنهم كانوا يتحرّزون عنه تحرّزاً شديداً بحيث يُحاولون التخلي عن ثيابهم التي أصابها الدمّ متى وجدوا غيرها . ولا يُقال : إن الصحابة رضي الله عنهم كان أكثرهم فقيراً ، وقد لا يكون له من الثياب إلا ما كان عليه ، ولا سيما أنهم كانوا في الحروب يخرجون عن بلادهم فيكون بقاء الثياب عليهم للضرورة . فإن قيل ذلك فيُقال : لو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلا بالوصول إلى الماء أو البلد وما أشبه ذلك . 3 - أن أجزاء الآدمي طاهرة ، فلو قُطِعت يده لكانت طاهرة مع أنها تحمل دماً ، وربما يكون كثيراً ، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يُعتبر ركناً في بُنيَة البدن طاهراً ، فالدمّ الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى . 4 - أن الآدمي ميتته طاهرة ، والسمك ميتته طاهرة ، وعُلل ذلك بأن دم السمك طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة ، فكذا يُقال : إن دم الآدمي طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة . فإن قيل : هذا القياس يُقابل بقياس آخر ، وهو أن الخارج من الإنسان من بول وغائط نجس ، فليكن الدم نجساً . فيُجاب بأن هناك فرقاً بين البول والغائط وبين الدم ؛ لأن البول والغائط نجس خبيث ذو رائحة منتنة تنفر منه الطباع ، وأنتم لا تقولون بقياس الدم عليه ، إذ الدم يُعفى عن يسيره بخلاف البول والغائط فلا يُعفى عن يسيرهما ، فلا يُلحق أحدهما بالآخر . فإن قيل : ألا يُقاس على دم الحيض ، ودم الحيض نجس ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تحتّـه ، ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تُصلي فيه ؟ فالجواب : أن بينهما فرقاً : أ - أن دم الحيض دم طبيعة وجبلة للنساء ، قال صلى الله عليه وسلم : إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم . فبيّن أنه مكتوب كتابة قدرية كونية ، وقال صلى الله عليه وسلم في الاستحاضة : إنه دم عرق ، ففرّق بينهما . ب - أن الحيض دم غليظ مُنتن له رائحة مستكرهة ، فيُشبه البول والغائط ، فلا يصح قياس الدم الخارج من غير السبيلين على الدم الخارج من السبيلين ، وهو دم الحيض والنفاس والاستحاضة . فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جـداً ؛ لأن النصّ والقياس يَـدُلاّن عليه . فإن قيل : إن فاطمة رضي الله عنها كانت تغسل الدم عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحـد ، وهذا يدلّ على النجاسة . أُجيب من وجهين : أحدهما : أنه مُجرّد فعل ، والفعل لا يدلّ على الوجوب . الثاني : أنه يُحتمل أنه من أجل النظافة لإزالة الدم عن الوجه ؛ لأن الإنسان لا يرضى أن يكون في وجهه دم ، ولو كان يسيراً ، فهذا الاحتمال يُبطل الاستدلال . انتهى كلامه - رحمه الله - بشيء من الاختصار . وسبق : لماذا لا يحرم نقل الدم مع أنه نجس ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4829 المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض |
الساعة الآن 10:03 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى