![]() |
(خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض)هل يعني أن البقاء في الجنةمرهون بدوام السماوات والأرض
سؤال
يقول الله تبارك وتعالى : وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ هل المقصود أن بقاء المؤمنين في الجنة مرهون بدوام السماوات والأرض ؟ http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif الجواب/ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا . بَيَّن القرطبي أنَّ الاسْتِثْنَاء الوارد في الآية مُنْقَطِع ، فَقَال : قَوله تَعالى : (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) في مَوْضِع نَصْب ، لأنه اسْتِثْنَاء لَيس مِن الأوَّل . ثم سَاق الْخِلاف في مَعْنَى الاسْتِثْنَاء مِن عَشَرَة أوْجُه ، فَقَال : وقد اخْتُلِفَ فِيه على أقْوَال عَشَرَة : الأولى : أنّه اسْتِثْنَاء مِن قَوله : (فَفِي النَّارِ) ، كَأنه قَال : إلاَّ مَا شَاء رَبُّك مِن تَأخِير قَوْم عن ذَلك ... وعن أبي نضرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلاَّ مَن شَاء ألاَّ يُدْخِلهم وإنْ شَقُوا بِالْمَعْصِيَة . الثَّاني : أنَّ الاسْتِثْنَاء إنّمَا هو للعُصَاة مِن الْمُؤمِنِين في إخْرَاجِهم بَعد مُدَّة مِن النَّار . وعلى هَذا يَكُون قَوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) عَامًّا في الكَفَرَة والعُصَاة ، ويَكُون الاسْتِثْنَاء مِن (خَالِدِينَ) ... وفي الصَّحِيح مِن حَدِيث أنس بن مالك قَال : قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَدْخُل نَاس جَهَنَّم حَتى إذا صَارُوا كَالْحُمَمَة أُخْرِجُوا مِنها ودَخَلُوا الْجَنَّة ، فَيُقَال : هَؤلاء الْجَهَنَّمِيُّون . الثَّالِث : أنَّ الاسْتِثْنَاء مِن الزَّفِير والشَّهِيق ، أي : لَهم فِيها زَفِير وشَهِيق إلاَّ مَا شَاء رَبُّك مِن أنْوَاع العَذَاب الذي لم يَذْكُرُه . الْخَامِس : أنَّ (إِلاَّ) بِمَعْنَى سِوَى ... قِيل : فَالْمَعْنَى : مَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض سِوى مَا شَاء رَبُّك مِن الْخُلُود . السَّادس : أنَّه اسْتِثْنَاء مِن الإخْرِاج ، وهو لا يُرِيد أن يُخْرِجَهم مِنها ... فَالْمَعْنَى : أنَّه لَو شَاء أن يُخْرِجَهم لأخْرَجَهم ، ولكِنَّه قد أعْلَمَهم أنَّهم خَالِدُون فِيها. وقد قِيل : إنَّ (إِلاَّ) بِمَعْنَى الوَاو ، قاله الفراء ، وبعض أهل النظر ، وهو : الثَّامن : والْمَعْنَى : ومَا شَاء رَبُّك مِن الزِّيَادَة في الْخُلُود على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض في الدُّنْيا . وقِيل : مَعْنَاه : كَمَا شَاء رَبُّك .. التَّاسِع ، والعَاشِر : وهو أنَّ قَوله تعالى : (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) إنّمَا ذَلك على طَرِيق الاسْتِثْنَاء الذي نَدَب الشَّرْع إلى اسْتِعْمَالِه في كُلّ كَلام ، فهو عَلى حَدّ قَوله تَعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ) ، فهو اسْتِثْنَاء في واجِب ، وهَذا الاسْتِثْنَاء في حُكْم الشَّرْط كَذلك ، كَأنه قَال : إنْ شَاء رَبُّك . فَلَيْس يُوصَف بِمُتَّصِل ولا مُنْقَطِع ، ويُؤيِّدُه ويُقُوِّيه قَوله تَعالى : (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ) . ونَحوه عن أبي عبيد ، قال : تَقَدَّمَتْ عَزِيمة الْمَشْيئة مِن الله تَعَالى في خُلُود الفَرِيقَيْن في الدَّارَين ، فَوَقَع لَفْظ الاسْتِثْنَاء ، والعَزِيمة قد تَقَدّمَتْ في الْخُلُود . وقول حَادِي عشر : وهو أنَّ الأشْقِيَاء هُم السُّعَدَاء ! والسُّعَدَاء هم الأشْقِيَاء لا غيرهم ، والاسْتِثْنَاء في الْمَوْضِعِيْن رَاجِع إلَيهم ، وبَيَانُه : أنَّ (مَا) بِمْعَنْى " مَن " اسْتَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلّ مِن الدَّاخِلِين في النَّار الْمُخَلَّدِين فِيها الذِين يُخْرَجُون مِنها مِن أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بما مَعَهم مِن الإيمان ، واسْتَثْنَى مِن الدَّاخِلِين في الْجَنَّة الْمُخَلَّدِين فِيها ، الذين يَدخلون النار بِذُنُوبهم قَبْل دُخُول الْجَنَّة ، ثم يُخْرَجُون مِنها إلى الْجَنَّة ، وهُم الذين وَقَع عليهم الاسْتِثْنَاء الثَّاني ، كَأنه قَال تَعالى : فأمَّا الذِين شَقُوا فَفِي النَّار لَهُم فِيها زَفِير وشَهِيق خَالِدين فِيها مَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض إلاَّ مَا شَاء رَبُّك ألاَّ يُخَلِّده فِيها ، وهم الْخُارِجُون مِنْها مِن أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بِإيمانِهم وبِشَفَاعَة محمد صلى الله عليه وسلم ، فَهم بِدُخُولِهم النَّار يُسَمَّون الأشْقِيَاء ، وبِدُخُولِهم الْجَنَّة يُسَمَّون السُّعَدَاء ، كما رَوى الضحاك عن ابن عباس إذ قال : الذين سُعِدُوا شَقُوا بِدُخُول النَّار ثم سُعِدُوا بالْخُرُوج مِنها ودُخُولِهم الْجَنَّة . الجامع لأحكام القرآن (9/85 - 88) بتصرف واختصار . ويَرَى شيخ المفسِّرين " ابن جرير " أنَّ آيَة " هُود " جَرَتْ على عَادَة العَرَب ، " وذلك أنَّ العَرَب إذا أرَادَت أن تَصِف الشَّيء بالدَّوَام أبَدا قَالَتْ : هذا دَائم دَوَام السَّمَاوَات والأرْض ، بِمَعْنِى: أنّه دَائم أبَدا ... فَخَاطَبَهم جَلّ ثَنَاؤه بِمَا يَتَعَارَفُونه بَيْنَهم ، فَقَال : خَالِدِين في النَّار مَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض . والْمَعْنَى في ذلك : خَالِدِين فِيها أبَدًا " . ثم ذَكَر ابن جرير الْخِلاف في الاسْتِثْنَاء ، فَقَال : واخْتَلَف أهْل العِلْم والتَّأويل في مَعْنى ذلك ، فَقَال بَعْضُهم : هَذا اسْتِثْنَاء اسْتَثْنَاه الله في أهْل التَّوحِيد أنه يُخْرِجُهم مِن النَّار إذا شَاء بَعْد أن أدْخَلَهم النَّار . وقال آخَرُون : الاسْتِثْنَاء في هَذه الآيَة في أهْل التَّوحِيد ، إلاَّ أنّهم قَالوا : مَعْنى قَوله (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) إلاَّ أن يَشَاء رَبُّك أن يَتَجَاوَز عنهم فَلا يُدْخِلُهم النَّار . ووَجَّهُوا الاسْتِثْنَاء إلى أنّه مِن قَوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) - (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) لا مِن الْخُلُود . وقال آخَرُون : عُنِي بِذلك أهْل النَّار ، وكُلّ مَن دَخَلَها . وقال آخَرُون : أخْبَرَنا الله بِمَشِيئتِه لأهْل الْجَنَّة ، فَعَرَّفَنا مَعْنَى ثُنْيَاه بِقَولِه : (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ) أنّهَا الزِّيَادَة على مِقْدَار مُدَّة السَّمَاوَات والأرْض . قَال : ولَم يُخْبِرنا بِمَشِيئتِه في أهْل النَّار ، وجَائز أن تَكُون مَشِيئتُه في الزِّيَادَة ، وجَائز أن تَكُون في النُّقْصَان . وأوْلَى هَذه الأقْوَال في تَأويل هَذه الآيَة بِالصَّوَاب - عند ابن جرير - " أنَّ ذلك اسْتِثْنَاء في أهْل التَّوحِيد مِن أهْل الكَبَائر أنه يُدْخِلُهم النَّار خَالِدِين فِيها أبِدًا إلاَّ مَا شَاء مِن تَرْكِهم فِيها أقلّ مِن ذلك ، ثم يُخْرِجُهم فَيُدْخِلهم الْجَنَّة . ثم عَلَل اخْتِيَارَه بِقَوله : وإنّما قُلْنَا ذَلك أوْلى الأقْوَال بِالصِّحَّة في ذَلك لأنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤه أوْعَد أهْل الشِّرْك بِه الْخُلُود في النَّار ، وتَظَاهَرَتْ بِذلك الأخْبَار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَغَيْر جَائز أن يَكُون اسْتِثْنَاء في أهْل الشِّرْك ، وأنَّ الأخَبْار قد تَوَاتَرَتْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الله يُدْخِل قَومًا مِن أهْل الإيمان بِه بِذُنُوب أصَابُوها النَّار ثم يُخْرِجُهم مِنها فَيُدْخِلهم الْجَنَّة ، فَغَيْر جَائز أن يَكُون ذَلك اسْتِثْنَاء أهْل التَّوحِيد قَبْل دُخُولِها مَع صِحَّة الأخْبَار عن رَسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَا ذَكَرْنا . وأكَّد على الْخُلُود الأبَدِيّ للكُفَّار في النَّار ، حَيث قَال في آيَة " الأحزاب " : (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) يَقُول : مَاكِثِين في السَّعِير أبَدًا إلى غَيْر نِهَايَة . اهـ . وأوْرَد السمعاني سُؤالا عن مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في آيَة " الأنعام " ، فَقَال : فَإن قَال قَائل: ألَيس أنَّ الكَافِرِين خَالِدُون في النَّار بِأجْمَعِهم ، فَما هَذا الاسْتِثْنَاء ؟ الْجَوَاب : قال الفراء هو مِثل قَوله : (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) يَعْنِي مِن الزِّيَادَة على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض . فَهَذا هُو الْمُرَاد بِهَذِه الآيَة أيضَا . وقِيل : الاسْتِثْنَاء في العَذَاب ، يَعْنِي : خَالِدِين في نَوْع مِن العَذَاب إلاَّ مَا شَاء الله مِن سَائر العَذَاب . وقِيل : هو اسْتِثْنَاء مُدَّة البَعْث والْحِسَاب لا يُعَذَّبُون في وَقْت البَعْث والْحِسَاب . واسْتَدَلّ على مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في آيَة " هُود" بِمَا جَاء في السُّنَّة ، فَقَال : وقَوله : (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) أمَّا بِالْمَعْنَى الْمَأثُور ؛ رَوَى الضحاك عن ابن عباس أنَّ الآيَة نَزَلَتْ في قَوْم مِن الْمُؤمِنِين يُدْخِلُهم الله تَعالى النَّار ، ثم يْخُرِجُهم مِنها إلى الْجَنَّة ، ويُسَمَّون الْجَهَنَّمِيِّين . وقد ثَبَت بِرِوَاية جَابِر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَال : يُخْرِج الله قَوْمًا مِن النَّار قد صَارُوا حُمَمًا فيُدْخِلهم الْجَنَّة . وفي البَاب أخْبَار كَثِيرَة . فَعَلى هَذا القَوْل : مَعْنَى الآيَة : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) هَؤلاء الذِين أُدْخِلُهم النَّار ... (خَالِدِينَ فِيهَا) مُقِيمِين فِيها (مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) عَبَّر بِهَذا عن طُول الْمُكْث . ويَرَى أنَّ الاسْتِثْنَاء وَقَع على مَا بَعْد الإخْرَاج مِن النَّار بِشَفَاعَة الأنْبِيَاء والْمُؤمِنِين . وذَكَر الثعلبي ثَمَانِيَة أقْوَال في مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في آيَة " الأنعام " ، وهي : الأوَّل : قَدْر مُدَّة مَا بَيْن بَعْثِهم إلى دُخُولِهم جَهَنَّم . الثَّاني : قَول ابن عباس ، هذا الاسْتِثْنَاء هو أنّه لا يَنْبَغِي لأحَد أن يَحْكُم على الله في خَلْقِه ، لا ينزلهم جَنَّة ولا نَارًا . الثَّالث : قَول الكَلبي : إلاَّ مَا شَاء الله ، وكَان مَا شَاء الله أبَدًا . الرَّابِع : قيل : مَعْنَاه النَّار مَثْوَاكم خَالِدِين فِيها سِوى مَا شَاء الله مِن أنْوَاع العَذَاب الْخَامِس : قِيل : إلاَّ مَا شَاء الله مِن إخْرَاج أهْل التَّوْحِيد مِن النَّار . السَّادس : قِيل : إلاَّ مَا شَاء الله أن يَزِيدَهم مِن العَذَاب فِيها . السَّابع : قِيل : إلاَّ مَا شَاء الله مِن كَوْنِهم في الدُّنيا بِغَيْر عَذَاب . الثَّامن : قَول عَطَاء : إلاَّ مَا شَاء الله من الحق في عَمَله أن يُؤمِن (1)، فَمِنْهم مَن آمَن مِن قَبْل الفَتْح ، ومِنْهم مَن آمَن مِن بَعْد الفَتْح . اهـ . ---- (1) هكذا في المطبوع ، وهي عِبارَةٌ قَلقة ! وكأنَّ صَوابها : إلاَّ من شاء الله في عِلْمَه أن يُؤمِن . ونَقَل الرازي في تفسيره (13/158) عن ابن عباس قوله : اسْتَثْنَى الله تعالى قَومًا سَبَق في عِلْمَه أنّهم يُسْلِمون ويُصَدِّقُون النبي صلى الله عليه وسلم . ---- وقَال الشنقيطي في الْجَمْع بَيْن الآيَات : والْجَوَاب عن هَذا مِن أوْجُه : أحَدُها : أنَّ قَوله تَعالى : (إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) مَعْنَاه : إلاَّ مَن شَاء الله عَدَم خُلُودِه فِيها مِن أهْل الكَبَائر مِن الْمُوَحِّدِين ، وقَد ثَبَت في الأحَادِيث الصَّحِيحَة أنَّ بَعْض أهْل النَّار يُخْرَجُون مِنها ، وهُم أهْل الكَبَائر مِن الْمُوَحِّدِين ... واخْتَارَه ابن جرير ، وغَاية مَا في هذا القَوْل إطْلاق مَا وَرَدَ ، ونَظِيرُه في القُرْآن (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) (2) . الثَّاني : أنَّ الْمُدَّة التي اسْتَثْنَاهَا الله هي الْمُدَّة التي بَيْن بَعْثِهم مِن قُبُورِهم واسْتِقْرَارِهم في مَصِيرهم . قَاله ابن جرير أيضا. الوَجْه الثَّالث : أنَّ قَولَه : (إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) فِيه إجْمَال ، وقَد جَاءت الآيَات والأحَادِيث الصَّحِيحَة مُصَرِّحَة بِأنَّهم خَالِدُون فِيها أبَدًا , وظَاهِرُها أنَّه خُلُود لا انْقِطَاع لَه , والظُّهُور مِن الْمُرَجِّحَات , فَالظَّاهِر مُقَدَّم على الْمُجْمَل ، كَمَا تَقَرَّر في الأصُول . ومِنها: أنَّ (إِلاَّ) في سُورة هُود بِمَعْنَى: "سِوى مَا شَاء الله مِن الزِّيَادَة على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض". وقال بَعض العلماء : إنَّ الاسْتِثْنَاء على ظَاهِرِه ، وأنه يَأتي على النَّار زَمَان ليس فِيها أحَد ... قال مُقَيِّدُه - عفا الله عنه- : الذي يَظْهَر لي - والله تَعالى أعْلَم - أنَّ هَذه النَّار التي لا يَبْقَى فِيها أحَد ، يَتَعَيَّن حَمْلِها على الطَّبَقَة التي كَان فِيها عُصَاة الْمُسْلِمِين ، كَمَا جَزَم بِه البَغَوي في تَفْسِيرِه ؛ لأنه يَحْصُل بِه الْجَمْع بَيْن الأدِلَّة , وإعْمَال الدَّلِيلَين أَوْلَى مِن إلْغَاء أحَدِهِما ، وقد أطْبَق العُلَمَاء على وُجُوب الْجَمْع إذا أمْكَن . ثم ذَكَر مَا قِيل في فَنَاء النَّار ، ثم قَال : أمَّا فَنَاؤها فَقَد نَصَّ تَعالى على عَدَمِه بِقَوْلِه : (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)[الإسراء:97] وأمَّا مَوتُهم فَقد نَصّ تَعَالى عَلى عَدَمِه بِقَولِه : (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)[فاطر:36] , وقوله : (لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى)[طه:74] ، وقوله : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَان وَمَا هُوَ بِمَيِّت) [إبراهيم:17] , وقَد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الْحَدِيث الصَّحِيح أنَّ الْمَوْت يُجَاء بِه يَوْم القِيَامَة في صُورَة كَبْش أمْلَح فيُذْبَح ، وإذا ذُبِح الْمَوْت حَصَل اليَقِين بأنَّه لا مَوْت ، كَمَا قَال النبي صلى الله عليه وسلم : ويُقَال : " يَا أهْل الْجَنَّة خُلُود فَلا مَوْت ، ويَا أهْل النَّار خُلُود فَلا مَوْت " . وأمَّا إخْرَاجُهم مِنها فَنَصَّ تَعالى على عَدَمِه بِقَوله : (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة:167] ، وبِقَولِه : (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا)[السجدة:20] , وبِقَوله : (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا) [المائدة:37] . وأمَّا تَخْفِيف العَذَاب عَنهم فَنَصَّ تَعَالى عَلى عَدِمِه بِقَولِه : (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور)[فاطر:36] , وقَوله : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا)[النبأ:30]. فَظَاهِر هَذه الآيَات عَدَم فَنَاء النَّار الْمُصَرَّح بِه في قَولِه : (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) . رأي الباحث ( العبد الفقير ) : خُلُود الكُفَّار في النَّار مَقْطُوع بِه ، مُجْمَع عَلَيه . وإن كان اختُلِف في طُول الْخُلُود ، وقِيل بِفَنَاء النَّار ، إلاَّ أنه قَول ضَعِيف . والذي يَظْهر أنَّ الاسْتِثْنَاء جَاء تَحْقِيقًا لا تَعْلِيقًا ، ونَظِيرُه في كِتَاب الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)[الفتح:27] ، وهو وَعْدٌ حَقّ ، وقَوْلٌ صِدْق ، ومَع ذلك قَرَنَه تَعَالَى بِالْمَشِيئَة . وقَول مََن قال : إنَّ الاسْتِثْنَاء في حَقّ عُصَاة الْمَؤْمِنِين - مُتَّجِه ؛ وذَلك لأنَّ مَن دَخَل النَّار مِن عُصَاة الْمُوَحِّدِين لا يَخْلُد فِيها ، وجَاء التَّصْرِيح بِه في قَولِه عليه الصلاة والسلام : يُعَذَّب نَاسٌ مِن أهْل التَّوْحِيد في النَّار حَتى يَكُونُوا حُمَمًا فيها ، ثم تُدْرِكُهم الرَّحْمَة فيُخْرَجُون ، فيُلْقَون على بَاب الْجَنَّة ، فَيَرُشّ عَليهم أهْل الْجَنَّة الْمَاء ، فَيَنْبُتُون كَمَا يَنْبُت الغُثَاء في حِمَالَة السَّيْل ، ثم يَدْخُلُون الْجَنَّة . كَمَا أنَّ النَّار لا تَأكُل مَوَاضِع السُّجُود مِن ابْنِ آدَم ، لِقوله عليه الصلاة والسلام : حَتى إذا أرَاد اللهُ رَحْمَة مَن أرَاد مِن أهْل النَّار أمَرَ الله الْمَلائكَة أنْ يُخْرِِجُوا مَن كَان يَعْبُد الله ، فَيُخْرِجُونَهم ويَعْرِفُونَهم بِآثَار السُّجُود ، وحَرَّم اللهُ على النَّار أنْ تَأكُل أثَر السُّجُود، فَيَخْرُجُون مِن النَّار فَكُلّ ابْن آدَم تَأكُلُه النَّار إلاَّ أثَر السُّجُود ، فَيَخْرُجُون مِن النَّار قَد امْتَحَشُوا فيُصَبّ عَليهم مَاء الْحَيَاة ، فَيَنْبُتُون كَمَا تَنْبُت الْحَبَّة في حَمِيل السَّيْل . ثُمّ إنَّ هَذا الاسْتِثْنَاء الوَارِد في الآيَات هَو مِن قَبِيل الْمُتَشَابِه ، والوَاجِب رَدّ الْمُتَشَابِه إلى الْمُحْكَم ، وقد اسْتَفَاضَتْ آيَات الكِتَاب بِخُلُود الكُفَّار في النَّار . والله أعلم . المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض |
الساعة الآن 12:42 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى