![]() |
هل من التعدّي في الدعاء قول : اللهم اجعلني معصوما ؟
بسم الله الرحمن الرحيم إلى الشيخ الكريم عبدالرحمن السحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد وأسأله سبحانه في هذه الساعة - ساعة السحر - أن يوفقني وإياك للإخلاص في القول والعمل سؤالي يا شيخنا الكريم هو : كنت أقرأ في تفسير قوله تعالى : (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ) الأعراف :55 فعلمت أن من فوائدها : تحريم الإعتداء في الدعاء ؛ ووجدت في بعض الكتب أن من صور التعدي في الدعاء : طلب ما لا يمكن قدراً أو شرعاً ومن أمثلة ذلك الدعاء بالعصمة ؛ كأن يقول الداعي : اللهم اجعلني معصوماً ، أو : اللهم اعصمني من الزلل . مع أن العصمة لا تكون لغير الأنبياء . فهل هذا فعلاً من التعدي المذموم ؟ وهل الدعاء الذي نسمعه كثيراً من الأئمة وغيرهم : واجعل تفرقنا تفرقاً معصوماً جائزٌ شرعاً ؟ وفقك الله لما يحبه ويرضاه . الجواب : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته آمين آمين آمين ولك بمثل ما دعوت هذا الدعاء ليس مِن التعدّي في الدعاء إلاّ إن أراد مثل عِصْمة الأنبياء . ألاَ تَرَى – حفظك الله – أن المُصلي إذا خرج من المسجد قال : اللهم اعصِمْني مِن الشيطان الرجيم . كما عند النسائي في "الكبرى" وابن ماجه . وهو لا يُريد العصمة الكاملة أو المُطلقة أو عِصمة كعصمة الأنبياء ، إنما يسأل الله أن يُعصم مِن الزّلل . فإذا قال القائل : اللهم اعصمني من الشيطان أو قال في مجلس : اللهم اجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما فالذي يظهر أن المقصود بالعصمة هو الحفظ . ومنه الدعاء المعروف : اللهم أصلح لي ديني الذي هو عِصْمة أمْري . رواه مسلم . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : مَن حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِم مِن الدجال . رواه مسلم . ولا شك أن الاعتداء في الدعاء مَنْهِيّ عنه ، وله صُور ، منها : 1 - التكلف والمبالغة في رفع الصوت ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه : يا أيّهـا الناسُ ، ارْبَعوا على أنفُسكم ، فإنكم لا تَـدْعونَ أصـمَّ ولا غائباً ، إنهُ معكم إنهُ سميعُ قَريب ، تَبارَكَ اسمـهُ ، وتَعالى جَـدُّه . متفق عليه . قال ابن مفلح : يُكره رفـع الصوت بالدعـاء مطلقـاً . قال المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : ينبغي أن يُسرَّ دعائه لقوله تعالى : ( وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ) [الإسراء:110] قال في المستوعب : يُكره رفع الصوت بالدعاء ، وينبغي أن يُخفي ذلك لأن الله تعالى قال : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) [الأعراف:55] فَأَمَـرَ بذلك . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : والسُّـنّة في الدّعاء كلِّه المخافـتة ، إلاّ أن يكون هناك سبب يُشرع له الجهر . اهـ . 1 – ذكر التفاصيل في الدعاء ، ولذا لما سمع سعد بن أبي وقاص ابناً لـه يُصلي فكـأن يقول في دعـائه : اللهم إني أسألك الجنة ، وأسألك من نعيمها ، وبـهجتها ، ومن كذا ، ومن كذا ، ومن كذا ومن كذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالـها ، ومن كذا ، ومن كذا . قال : فسكت عنه سعد ، فلما صلى قال لـه سعد : تعوّذت من شر عظيم ، وسألت نعيماً عظيماً – أو قال : طويلاً ، شعبة شك – قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، وقرأ : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [ الأعراف : 55 ] قال شعبة : لا أدري قوله : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة) هذا من قول سعد أو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وقال لـه سعد : قل : اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم . لما سمع عبد اللّهِ بْن مُغَفّلٍ ابْنَهُ يَقُول : اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنّةِ إِذَا دَخَلْتُهَـا . فَقَالَ : أَيْ بُنَيّ سَلِ اللّهَ الْجَنّةَ ، وَعُـذْ بِهِ مِنَ النّارِ ، فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُول : سَيَكُونُ قوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدّعَاءِ . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم . 3 – تكلف السجع ، حتى ينصرف الذهن إلى تركيب الكلمات أخرج البخاري عنِ ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – أنه قال : فانظر السجعَ من الدعـاء فاجتنِبْه ، فإِني عهدتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابَـهُ لا يفعلون إلا ذلك . يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتِناب . أي أنهم يجتنبون السجع في الدعاء . وأخرج الإمام أحمد عن عائشة – رضي الله عنها – أنـها قالت لابن أبي السائب : واجتنب السجع في الدعاء ، فإني عهدت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يكرهون ذلك وفي رواية ابن أبي شيبة قالت : اجتنب السجع في الدعاء ، فإني عهدت رسـول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابـه وهم لا يفعلون ذلك . قال شيخ الإسلام ابن تيميّة : قال بعض السلف : إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع وهذا كما يَكره تكلف السجع في الدعاء ، فإذا وقع بغير تكلف فلا بأس به ، فإن أصل الدعاء مِن القَلب ، واللسان تابِع للقَلب ، ومَن جَعل هِمَّته في الدعاء تقويم لسانه أضعف تَوَجّه قلبه ، ولهذا يدعو المضطر بِقَلْبه دُعاء يُفْتَح عليه لا يَحضره قبل ذلك ، وهذا أمْر يجده كل مؤمن في قَلبه . اهـ . ومن صور الاعتداء في الدعاء : 4 - دعاء اللهِ سبحانه بغير الأسماء الثابتة في الكتاب والسُّنة قال سبحانه وتعالى : (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) [ الأعراف : 180 ] . قال الشوكاني : والإلحادُ في أسمائه سبحانه يكون على ثلاثة أوجُـه : 1 - إما بالتغيير ؛ كما فعله المشركون ، فإنـهم أخذوا اسم اللات من الله ، والعُـزّى من العزيز ، ومناة من المنان . 2 - أو بالزيادة عليها ؛ بأن يخترعوا أسماء من عندِهم لم يأذنِ الله بـها . 3 - أو بالنقصان منها ؛ بأن يدعوه ببعضها دون بعض . فهذه صور الاعتداء في الدعاء ، ويلحق بها أن يسأل الإنسان ما ليس له . أو يسأل ما لا يُمكن وقوعه أو تحققه بالنسبة له . ولذلك : ذَكَر العلماء أن مِن الدعاء ما يَكون كُفرا ، كما ذَكَره القرافي رحمه الله . قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : الدعاء ليس كلّه جائزا ، بل فيه عدوان مُحَرَّم ، والمشروع لا عدوان فيه ، وأن العدوان يكون تارة في كثرة الألفاظ ، وتارة في المعاني . اهـ . وسبق : ندعو على مَن ظَلَمنا ، ولكن لا نرى أثرا لِدعائنا https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13692 هل يجوز الترحّم على من توفي واختلف حول اعتناقه للإسلام أو عدم اعتناقه ؟ https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4635 ما الرد على مَن يقول إنه لا ولاء ولا براء في الكرة ، ويستشهد بمشاهدة عائشة للعب الأحباش؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14361 والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 07:43 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى