![]() |
اللهم قِـني شُـحّ نفسي
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم قِـني شُـحّ نفسي كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يطوف بالبيت يقول : اللهم قني شح نفسي . لأن مَنْ وُقي شُحّ نفسه فقد فاز وأفلح قال تبارك وتعالى : ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) والشحّ هو شدّة البخل ولذا سبق هذا البيان بيان حال أهل الإيمان والإيثار في أول ألاية : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) : أي من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح . وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : الشح أشد من البخل ؛ لأن الشحيح يشحّ على ما في يديه فيحبسه ، ويشح على ما في أيدي الناس حتى يأخذه ، وإن البخيل إنما يبخل على ما في يديه . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إنما الشح أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له . ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بوصايا منها : وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس . رواه الإمام أحمد والترمذي . لأن الراضي بما قسم الله له : راض عن مولاه وحُـكمه وعدله . راض عن قسمة مولاه موقن أن الرزق مُقدّر راض عن الناس فلا يحسدهم على ما آتاهم الله من فضله ولا تطمح نفسه ولا تُجاوز عينه غير ما قُسم له . والشحّ خطير ومن خطورته أنه أهلك الأمم قال عليه الصلاة والسلام : اتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم . رواه مسلم . وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً : إياكم والشح ، فإنه أهلك من كان قبلكم ؛ أمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا . رواه الإمام أحمد وأبو داود . وقد ذمّ الله البخل وذمّه رسوله صلى الله عليه وسلم والبخيل إنما يبخل على نفسه في الحقيقة : ( هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) والبخيل جنايته على نفسه( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قال علي رضي الله عنه : من أدى زكاة ماله فقد وقي شح نفسه . وقال ابن عمر رضي الله عنهما وقد عيّره الحجاج بالبخل ! فقال : من أدى زكاته فليس ببخيل . بل إن هناك أقواماً لم يكتفوا بأن بخلوا بل أمروا غيرهم به : ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) وعلى النقيض من هؤلاء : الذين ( يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ) والبخل علامة على النفاق ، وخُلُق من أخلاق المنافقين قال عليه الصلاة والسلام : وإن الشح والفحش والبذاء من النفاق . رواه البيهقي في شعب الإيمان والبخل مُناف للإيمان لقوله عليه الصلاة والسلام : لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا . ولما جاء وفد بني سلمة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سيدكم يا بني سلمة ؟ قالوا : الجد بن قيس إلا أن فيه بخلا ! قال : وأي داء أدوى من البخل ؟ رواه عبد الرزاق والحاكم وصححه . وقد جاءت هند بنت عتبة تشكو زوجها وتصف بذلك فقالت : أن أبا سفيان رجل شحيح ، فهل علي جناح أن آخذ من ماله سراً ؟ قال عليه الصلاة والسلام : خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف . رواه البخاري ومسلم . وليس من أحد يُحب أن يُمدح بالبخل بل هو مذموم على كل لسان شأنه شأن صنوه الجهل ! وليس من أحد إلا ويُحب أن يُمدح بالكرم ولكن : لولا المشقة ساد الناس كلهم = الجود يُفقر والإقدام قتالُ ومع ذلك كلٌّ يُحب أن يُمدح بالكرم وقفات : 1 - قوله تعالى : ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) نسبة الشحّ للنفس لأنها هي التي تبخل لا أنه يبخل بها ، كما نُسب إليها الأمر بالسوء ( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) . إذ لو كان المقود البخل بالنفس لقال : ومن يوق الشحّ بنفسه ، فيُعدّيه بالباء . وإن كان هناك من يشحّ بنفسه في سبيل الله وهناك من يجود بها ولذا قال الشاعر : يجود بالنفس إن ضنّ البخيل بها = والجود بالنفس أغلى غاية الجودِ و ( ضنّ ) يعني : بخِـل . 2 – قد يُطلق الشحّ على الحرص فقد أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم ؟ فقال : أن تصّدّق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل الغنى ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ، ولفلان كذا ، ألا وقد كان لفلان . رواه البخاري ومسلم . 3 – الأولاد من أسباب البخل فقد جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه ، وقال : إن الولد مبخلة مجبنة . رواه الإمام أحمد وابن ماجه . أي لأجلهما يبخل ، وعليهما يحزن . كتبه عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 12:13 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى