![]() |
حكم صلاة الغائب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
شخص توفى في بلد وصلوا عليه صلاة الميت . وكان قبل ذلك مقيم في بلد آخر فترة طويلة من الزمن . وعندما سمعوا أهل هذه البلد بوفاته أردوا الصلاة عليه لأنهم يعرفوه وكان واحدا منهم . فهل يصلوا عليه صلاة الغائب ؟ وجزاءكم الله بكل خير الجواب : اختُلِف في صلاة الغائب على أقوال ، أشهرها : الأول : المنع من الصلاة على الغائب إذا صُلِّي عليه . والثاني : جواز صلاة الغائب ، ولو بعد شهر . والثالث : الصلاة على مَن كان له مكانة في الإسلام . والذي يظهر ويترجّح بالأدلة هو القول الأول ، فقد مات مَن مات من الصحابة رضي الله عنهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، مع بُعد المسافة ، ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه ارتحل للصلاة على مَيّتهم ، ولا أنه صلى عليهم صلاة غائب ، وإنما فعل ذلك مع النجاشي ؛ لأنه كان مُسلما ، وفي بلد غُربة ليس هناك من يُصلّي عليه ، أو لم يكونوا يعلمون بمشروعية الصلاة على الميت ، كما نص عليه القاضي ابن العربي المالكي رحمه الله . وهذا يدلّ على أن صلاة الغائب إنما تكون عندما يموت ميت من المسلمين في بلاد بعيدة ويغلب على الظن أنه لم يُصلَّ عليه هناك ، أو يُعلم أنه لم يُصلَّ عليه . قال القرطبي : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مخصوص لثلاثة أوجه : أحدها : أن الأرض دُحيت له جنوبا وشمالا حتى رأى نعش النجاشي ، كما دُحيت له شمالا وجنوبا حتى رأى المسجد الأقصى. الثاني : أن النجاشي لم يكن له هناك وَلي مِن المؤمنين يقوم بالصلاة عليه . الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بالصلاة على النجاشي إدخال الرحمة عليه واستئلاف بقية الملوك بعده إذا رأوا الاهتمام به حيا وميتا . قال ابن العربي: والذي عندي في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي أنه عَلِم أن النجاشي ومَن آمن معه ليس عندهم مِن سُنة الصلاة على الميت أثَر ، فَعَلِم أنهم سيدفنونه بغير صلاة ، فبادر إلى الصلاة عليه . قال القرطبي : قلت: والتأويل الأول أحسن ، لأنه إذا رآه فما صَلّى على غائب ، وإنما صلى على مرئي حاضر ، والغائب ما لا يُرى . والله تعالى أعلم . اهـ . وقال ابن القيم : ولم يكن مِن هَديه وسُنته صلى الله عليه وسلم الصلاة على كل ميت غائب . فقد مات خَلْق كثير من المسلمين وهم غُيَّب ، فلم يُصَلّ عليهم ، وصح عنه : أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت . فاخْتَلَف الناس في ذلك على ثلاثة طرق : أحدها: أن هذا تشريع منه ، وسُنة للأمة الصلاة على كل غائب ، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه . وقال أبو حنيفة، ومالك : هذا خاص به ، وليس ذلك لغيره ، قال أصحابهما: ومن الجائز أن يكون رُفِع له سريره ، فصَلَّى عليه وهو يَرى صلاته على الحاضِر المشاهَد ، وإن كان على مسافة من البعد ، والصحابة وإن لم يروه ، فهم تابعون للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة . قالوا : ويَدُلّ على هذا أنه لم يُنْقَل عنه أنه كان يُصَلِّي على كل الغائبين غيره ، وتَرْكه سنة ، كما أن فِعْله سنة ، ولا سبيل لأحد بعده إلى أن يُعاين سرير الميت مِن المسافة البعيدة ، ويُرفع له حتى يُصَلِّي عليه ، فعُلِم أن ذلك مخصوص به ... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : الصواب أن الغائب إن مات بِبَلَدٍ لم يُصَلّ عليه فيه ، صُلِّي عليه صلاة الغائب ، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ، لأنه مات بين الكفار ، ولم يُصَلّ عليه ، وإن صُلِّي عليه حيث مات لم يُصَلّ عليه صلاة الغائب ؛ لأن الفرض قد سَقط بصلاة المسلمين عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على الغائب وتَرَكه ، وفِعْلُه وتَرْكُه سُنَّة. وهذا له موضع ، وهذا له موضع ، والله أعلم ، والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد، وأصحها: هذا التفصيل . اهـ . وقال ابن حزم عن صلاة الغائب : ومنع من هذا : مالك ، وأبو حنيفة ، وادعى أصحابهما الخصوص للنجاشي، وهذه دعوى كاذبة بلا برهان . اهـ . ولِهذه الدعوى ما يَسندها ؛ فقد روى الإمام أحمد من حديث عمران بن حصين حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أخاكم النجاشي توفي فصلوا عليه " قال: فَصَفّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وصففنا خلفه ، فصلى عليه ، وما نَحسب الجنازة إلاَّ موضوعة بين يديه . وصححه الألباني والأرنؤوط . وقال الشيخ الألباني في صلاة الغائب : مَن مات في بلد ليس فيها مَن يُصلِّي عليه صلاة الحاضر؛ فهذا يُصلِّي عليه طائفة مِن المسلمين صلاة الغائب ؛ لِصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي... ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب : أنه لَمَّا مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يُصَلّ أحدٌ مِن المسلمين عليهم صلاة الغائب ، ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم . فقابل هذا بما عليه كثير من المسلمين اليوم مِن الصلاة على كل غائب ، لا سيما إذا كان له ذِكر أوْ صِيت ولو مِن الناحية السياسية فقط ولا يُعرف بصلاح أو خدمة للإسلام ، ولو كان مات في الحرم المكي وصَلَّى عليه الآلاف المؤلفة في موسم الحج صلاة الحاضر - قابل ما ذَكرنا بمثل هذه الصلاة تَعْلَم يَقينًا أن ذلك مِن البدع التي لا يَمْتَري فيها عالِم بِسنته صلى الله عليه وسلم ومذهب السلف رضي الله عنهم . اهـ . وانظر سُبل السلام في صلاة الجنازة على الغائب . والله أعلم . المجيب الشيخ/ عبدالرحمن بن عبد الرحمن السحيم الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض |
الساعة الآن 07:13 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى