![]() |
دعوا الناس في غفلاتهم
دعوا الناس في غفلاتهم
. يحرص الإسلام على تأليف القلوب ، وعلى إضفاء طابَع المحبة ، وعلى التآخي والاجتماع ، وعلى إصلاح ذات البين . كما حرص على حماية صَرح الأخوّة . وفي المقابل حرص الإسلام على نَبْذ كل ما يَخدش الأخوّة ، وعلى إقصاء كل ما مِن شأنه إحداث الخلل والنِّـزاع والشقاق والشحناء والعداوة والبغضاء . ولذا قال عليه الصلاة والسلام : دعُوا الناس فليُصب بعضهم من بعض ، فإذا استنصح رجل أخاه فلينصح له . رواه الإمام أحمد ، وعَلّقَه البخاري . وفي رواية مُرْسَلة : دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض ، وإذا استنصحك أخوك فانصح له . ويشهد لها الحديث السابق وما في معناه . ومما يشهد لعموم معناه قوله عليه الصلاة والسلام : دَعُوا الناس يَرزق الله بعضهم مِن بعض . رواه مسلم . وجاء النهي عن أسباب ضعف هذه الأخوة ، وعن كلّ ما مِن شأنه إحداث النِّزاع والشقاق ، والشحناء والعداوة والبغضاء ، فَجَاء النهي عن كل ما مِن شأنه إحداث العداوة والبغضاء . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أمّـا لِماذا ؟ فلأن هذه المذكورات تُسبب العداوات (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) . وفي المقابل : الاجتماع على الطاعة تآلُف وتكاتف واجتماع (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) قال القرطبي : تأكيد للتحريم ، وتشديد في الوعيد ، وامتثال للأمر ، وكَفّ عن الْمَنْهِيّ عنه ، وحُسن عطف . اهـ . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بِحَسب امرئ من الشر أن يَحقر أخاه المسلم ،كل المسلم على المسلم حرام : دَمه ومَاله وعِرضه . رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم : لا تباغضوا ، ولا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمَرَكم الله ، ولا يَحلّ لمسلم أن يَهجر أخاه فوق ثلاثة أيام . رواه البخاري ومسلم . لأن هذه الأشياء الْمَنْهِيّ عنها مما يتنافى مع أخوة المؤمنين ، ومما يُولّد العداوة والبغضاء ، ويثير الأحقاد والإحَن ، ويكون سببا في الشحناء . فهذه الأمور مِن شأنها أن تُضعف بنيان الأخوة القائم على الإيمان . فجاء النهي عن التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر والتقاطع والبيع على بيع بعض وجاء النهي عن خِطبة الرجل على خِطبة أخيه كل ذلك لمراعاة هذه الأخوة القائمة على الإيمان ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) وجاء النهي عن التقاطع وعن فساد ذات البين قال عليه الصلاة والسلام :دَبّ إليكم داء الأمم الحسد ، والبغضاء هي الحالقة لا أقول تَحلق الشعر ولكن تَحلق الدِّين ، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أنبئكم بما يُثبت ذاكم لكم ؟ أفشوا السلام بينكم . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني والأرنؤوط . وعند الترمذي مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : إياكم وسُوء ذات البين فإنها الحالِقة . قال الألباني : حسَن . بل إن دخول الجنة مَرهون بالمحبة ، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تُسْلِموا ، ولا تُسْلِموا حتى تَحابّوا ، وأفشوا السلام تَحابّوا ، وإياكم والبُغْضَة ، فإنها هي الحالقة ، لا أقول لكم تحلق الشعر ، ولكن تَحْلِق الدِّين . رواه الإمام أحمد والبخاري في " الأدب المفْرَد " ، وقال الألباني : حسن لغيره ، وصححهالأرنؤوط . واحتُمِل في سبيل الْتِئام القلوب وإصلاح ذات البين ما لم يُحتمل في غيرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الكَذّاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا . رواه البخاري ومسلم . زاد مسلم : قال ابن شهاب : ولم أسمع يُرخَّص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها . وإنما جاز الكذب في إصلاح ذات البين لما فيه من جمع الكلمة ووحدة الصف ، وائتلاف القلوب . قال ابن عبد البر : وقد احتج بن عيينة في إباحة الكذب فيما ليس فيه مَضرّة على أحد إذا قُصِد به الخير . وقال النووي في شرح الحديث السابق : معناه : ليس الكذاب المذموم الذي يُصلح بين الناس ، بل هذا مُحْسن . وقال الشيخ السعدي : والصدق مصلحته خالصة ، والكذب بِضدّه ، ولهذا إذا ترتّب على أنواع الكذب مصلحة كبرى تزيد على مفسدته كالكذب في الحرب وفي الإصلاح بين الناس ، فقد رخّص النبي صلى الله عليه وسلم لرجحان مصلحته . اهـ . بل إن جَمْع القلوب أفضل من نوافل الصلاة والصدقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألاّ أُخبركم بأفضل مِن درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين الحالقة . رواه أبو داود . ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على جمع القلوب ، وعلى إصلاح ذات البين . فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تَرَاموا بالحجارة ، فأُخْبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : اذهبوا بنا نُصْلِح بينهم . رواه البخاري . بل إنه عليه الصلاة والسلام تأخّر عن صلاة الجماعة من أجل الإصلاح بين المتخاصِمِين . روى البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم ، فحانت الصلاة ، فجاء المؤذن إلى أبي بكر ، فقال : أتصلي للناس ، فأقيم ؟ قال : نعم ، فصلى أبو بكر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة ، فتخلّص حتى وقف في الصف ، فصفق الناس - وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته - فلما أكثر الناس التصفيق الْتَفَت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امْكث مكانك ، فَرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه ، فحمد الله على ما أمَره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف ، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى . الحديث . ولَمَّا تمّ نعيم أهل الجنة نَزَع الله ما في صدورهم من أسباب العداوة والبغضاء ثم أثبت لهم الأخوة فقال : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) قال ابن القيم رحمه الله – وهو يَذكر أسباب انشراح الصدر - : ومنها - بل من أعظمها - : إخراج دَغَل القلب مِن الصفات المذمومة التي تُوجِب ضِيقه وعذابه ، وتَحول بينه وبين حصول البُرء ، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره ، ولم يُخْرِج تلك الأوصاف المذمومة مِن قلبه لم يَحْـظَ مِن انشراح صدره بِطائل ، وغايته أن يكون له مادّتان تَعْتَوِرَان على قلبه ، وهو للمادة الغالبة عليه منهما . انتهى . وهذا مع كونه يُريح صاحبه ويشرح صدره إلا أنه مما يُقيم صرح الأخوّة بين المؤمنين .. جعلنا الله ممن قيل فيهم : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) .. وهنا : هل يحاسب الله المرء على الحقد الذي يحمله في قلبه مُرْغَمًا تجاه مَن أسـاء إليه ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9399 هل الكُرْه مَذموم شرعا ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13016 هل المؤمن يكره أخاه المؤمن ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4088 كتبه عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 03:02 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى