![]() |
ولكنكم تستعجلون
ولكنكم تستعجلون لما سُقت خبراً عن حاملة لواء الصليب ، وأثار ذلك الخبر ما أثار من غَيظ القلب ، وكَمَد الصدر ، وحُرقة النفس ، فجاءت الكلمات تُـعـبِّـر عن نفثات مصدور ! لما كان ذلك جاءتني رسالة عتاب رقيق مَفَادها : لماذا شغلت نفسك بلعن الكفّار ؟ وهل كان ذلك من هَدي النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو كان ذلك من ردود أفعال أصحابه رضي الله عنهم ؟ وكان مما تضمنته رسالة العتاب : ( إني لأحسب لو ناديت : " حيّ على الجهاد " لهبّ خَلْفك أُناس تتلهّف نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله وإلى ساحات الوغى ) فقلت وأقول : أولاً : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الكفار وسبّهم . فقال يوم الخندق : ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا ، كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس . رواه البخاري ومسلم . وقال أيضا : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا ، أو قال : حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا . رواه البخاري ومسلم . وجاء عمر بن الخطاب يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسبّ كفار قريش . رواه البخاري ومسلم . وثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يدعو بهذا الدعاء في القنوت : اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يُكذبون رسلك ، ويقاتلون أولياءك ،اللهم خالف بين كلمتهم ، وزلزل أقدامهم ، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين . رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي . وقال عبد الرحمن بن هرمز الأعرج : ما أدركت الناس إلا وهم يَلعنون الكَفَرة في رمضان . وسبّ الكفار قُربة وطاعة إلا إذا أفضى إلى مفسدة ، كما في قوله تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم ) وقد نقم المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يَعيب دينهم وآلهتهم ! فقد قالت قريش لأبي طالب : يا أبا طالب بن أخيك يشتم آلهتنا ، يقول ويقول ، ويفعل ويفعل ، فأرْسِل إليه فانهه . رواه الإمام أحمد وغيره . قال الحافظ ابن حجر : الكفار مما يُتقرّب إلى الله بسبِّـهم . اهـ . وثانياً : أما قول المعاتِب : لو ناديت " حي على الجهاد " فأقول : لست خيالياً ، ولا آيسا أو مؤيِّساً ! ولست من يقول : هلك الناس ! ولا ممن يقول : اكسر مجدافك ولكني أحب أن أكون واقعياً فلو نظرنا نظرة سريعة لصفوف الناس في صلاة الفجر لعلِمنا قدر الدِّين في نفوس الناس . وصلاة الفجر هي مقياس الإيمان وإني لأخرج إلى صلاة الفجر فأتوهّم أن الحي مهجور ! والله يشهد أني أخرج إلى صلاة الفجر في بعض الأيام فلا أرى أحداً يمشي إلى صلاة الفجر ، وربما رأيت الرجل أو الرجلين ! فكيف نطمع في النصر على العدو وهذا حالنا مع صلاتنا ؟ لا يُصنـع الأبـطـال إلا *** فـي مساجدنـا الفِسـاح فـي روضـة القـرآن فـي *** ظل الأحاديـث الصحـاح شعـب بغـيـر عقـيـدة *** وَرَقٌ يُـذّرِّيِـه الـريـاح من خان " حي على الصلاة" *** يَخون " حي على الكفاح " كيف نطمع في النصر ونحن لم نكسب الجولة الأولى مع العدو المبين ؟ كيف نُريد النصر وأكثر الناس يسهرون على ما حرّم الله ثم لا يُصلّون الفجر ؟! كيف .. وكيف .. ؟ ونحن نرى أن اهتمام الناس بدنياهم أضعاف أضعاف اهتمامهم بدِينهم بل لا يُكاد يُذكر الاهتمام بالدِّين إلى جانب الاهتمام بالدنيا لننظر إلى حال الناس عند بداية يوم دراسي ! أو مساهمة مالية ولو كانت محرّمة كيف يتهافت عليها الناس وكيف يزدحمون عليها وما مدى إقبالهم عليها غير آبهين بحلال أو حرام وكيف نرى إقبال الناس على التخفضيات ! وعلى اغتنام الفُرص واستغلالها وهم قد أعرضوا عن فرص الآخرة إلا من رحم الله ولا ترى من يرفع بالدِّين رأساً إلا القليل فالله المستعان أكرر : لست آيسا ولا قانطا ، فالنصر قريب ولكننا نستعجل النصر قبل انتصارانا على شهواتنا وحظوظ أنفسنا جاء خباب بن الأرتّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قال : قلنا له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ قال : كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض ، فيجعل فيه ، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشقّ باثنتين ، وما يصده ذلك عن دينه ، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يَصدّه ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون . رواه البخاري . هكذا نحن .. نستعجل نُريد قطف الثمرة قبل نضجها نريد النصر قبل أن ننتصر في أول خطوة نريد التمكين ولم نُحقق الإيمان نريد أن ينصرنا الله ولم ننصر دينه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) " ولكنكم تستعجلون " روي عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الضحاك أنـهما قالا في قوله تعالى : ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) : كان بينهما أربعون سنة . وقال ابن جريج : يُقال إن فرعون ملك بعد هذه الآية أربعين سنة . قال مورّق العجلي : دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضِها لي ، ولم أيأس منها ! والنّصر آت ، ولكنه يحتاج إلى انتصار على الأنفس والشهوات . كتبه عبد الرحمن بن عبد الله السحيم ربيع الآخر / 1425 هـ |
الساعة الآن 07:13 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى