![]() |
عمدة الأحكام - الحديث الـ14 والـ15: في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة
شرح أحاديث عمدة الأحكام الحديث الرابع عشر والخامس عشر الحديث الرابع عشر : عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ، ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة ، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل . فيه مسائل : = أقرب الروايات لهذا اللفظ الذي أورده المصنف هي رواية مسلم ، وفيها تقديم وتأخير . ولفظ الحديث عند مسلم : إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ، ولكن شرقوا أو غربوا . = قال المصنف - رحمه الله - : الغائط : الموضع المطمئن من الأرض ، كانوا ينتابونه للحاجة ، فكنّوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه . والمراحيض : جمع مرحاض ، وهو المغتسل ، وهو أيضا كناية عن موضع التخلّي . = ومن هذا الباب - باب التـَّـكنية عن الأمر وعدم التصريح - قوله تعالى عن أنبيائه ورسله : ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) وقال عن عيسى ابن مريم وأمه : ( كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ) ومن كان يأكل الطعام احتاج إلى ما يحتاجه الناس من قضاء الحاجة ، وبالتالي ينتفي عنه الخلود ، وتنتفي عنه الألوهية بطريق الأولى . = ترتيب المصنف - رحمه الله - ترتيب بديع . فإنه - رحمه الله - لما فرغ من بيان الحدث ورفعه بالوضوء ، عقّـب بذكر التخلّي وآدابه ، ليُشعر بصنيعه هذا أنه لا علاقة بين قضاء الحاجة ، وبين الوضوء ، كما تقدّم . أي أن الاستنجاء أو الاستجمار لا علاقة له بالوضوء . = قوله صلى الله عليه وسلم : ولكن شرقوا أو غربوا . هذا خاص بأهل المدينة ؛ لأن قبلة أهل المدينة جهة الجنوب ، فإذا اتجهوا شرقا أو غرباً حال قضاء الحاجة لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها . ويدخل في ذلك من كان على نفس الجهة ، كأهل الشام واليمن . أما من كان في اتجاهه شرقا أو غربا استقبال أو استدبار ، فإنه يُنهى عن ذلك لعموم الأحاديث . فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها . وروى عن سلمان رضي الله عنه أنه قال : قال لنا المشركون : إني أرى صاحبكم يعلمكم . حتى يعلمكم الخراءة ؟ فقال : أجل . إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة ، ونهى عن الروث والعظام ، وقال : لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار . فهذه ألفاظ عامة في النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها ، سواء لأهل المدينة أو لغيرهم . = استغفار أبي أيوب رضي الله عنه . بناء على مذهبه أنه يرى التحريم في الفضاء والبنيان . وقيل : لأنه لا يرتضي ذلك الفعل ، وهذا دالٌّ على ورعه رضي الله عنه . وقيل : استغفار لمن بناها إن كان من المسلمين . = النهي يقتضي التحريم ، فيحرم استقبال القبلة أو استدبارها حال قضاء الحاجة سواء بالبول أو بالغائط . = النهي خاص في قضاء الحاجة من بول أو غائط ، ولا يلحق بهما ما سواهما ، وهذا من تعظيم القبلة ، وهو أمرٌ توقيفي لا يُمكن أن يُلحق به غيره مما لم يُنصّ عليه . وتعظيم القبلة حتى في قبلة المُصلّي . ولذلك لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد ، فأقبل على الناس فقال : ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه ؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه ؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه ، فإن لم يجد فليقل هكذا . ووصف القاسم - أحد رواته - فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض . رواه مسلم . = ولذلك لا يُنهى عن استدبار القبلة أو الكعبة حال النوم أو عند الجماع . ولا يصح النهي عن استقبال النّيرين ( الشمس والقمر ) ولا عن استقبال الريح ، إلا إذا خشي أن تردّ الريح عليه بوله فلا يستقبلها لأجل ذلك لا للتعظيم . = قول الصحابي حُجة إذا لم يُخالف النص ، أو لم يُخالفه غيره ، فإن خالفه غيره من الصحابة رُجّح بينهما أو جُمع إن أمكن الجمع . وقد يكون الصحابي يقول بقول ، ولا يسعه غيره ؛ لأنه لم يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم سواه ، ويكون معذورا في نفسه . وعلى هذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يُطبّق يديه في صلاته ، بأن يضم كفيه ويجعلهما بين ركبتيه . قال رضي الله عنه : إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ ، وليطبّـق بين كفيه ، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأراهم . رواه مسلم . فهذا مذهبه رضي الله عنه مع أن التطبيق قد نُسخ ، ولكن لم يبلغه النسخ . = لو لم يرد في المسألة إلا حديث أبي أيوب رضي الله عنه لُحمل النهي على التحريم مُطلقاً ولكن قد ورد استدبار الكعبة حال قضاء الحاجة كما في هذا الحديث : الحديث الخامس عشر : عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : رقيت على بيت حفصة ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة . وفي رواية : مستقبل بيت المقدس . = فيه مسائل : في الحديث قصة : فعن واسع بن حبان قال : كنت أصلي في المسجد وعبد الله بن عمر مسند ظهره إلى القبلة ، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي ، فقال عبد الله : يقول ناس إذا قعدت للحاجة تكون لك ، فلا تقعد مستقبل القبلة ولا بيت المقدس . قال عبد الله : ولقد رقيت على ظهر بيت ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته . رواه البخاري ومسلم . زاد البخاري : وقال لعلك من الذين يصلون على أوراكهم ؟ فقلت : لا أدري والله . قال مالك : يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض . يسجد وهو لاصق بالأرض . وهذا يعني أن ابن عمر كان يعلم بحال المُخاطَب وبمذهبه الذي يذهب إليه في هذه المسألة . وفي هذا بيان لطريقة من طرق التعليم . وهي أنه إذا عُلم أن لدى الإنسان مذهب مُخالف فإنه يُبيّن له الحق بدليله . وهذا يتكرر من ابن عمر رضي الله عنهما ، فإنه يكتفي أحيانا بإيراد الحديث أو الفعل ونسبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن فيه كفاية لمن أراد الهداية . = الجمع بين الحديثين أولى من إهمال أحدهما ، بل ذهب بعض العلماء إلى وجوب العمل بالحديثين ما أمكن . قال الإمام النووي : ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يُصار إلى ترك بعضها بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها . وللجمع بين الحديثين يُقال : حديث أبي أيوب نص في تحريم استقبال القبلة أو استدبارها حال قضاء الحاجة ومثله حديث أبي هريرة وحديث سلمان . وحديث ابن عمر نص في جواز ذلك في البنيان . فبقي حديث أبي أيوب و حديث أبي هريرة وحديث سلمان نص في تحريمه في الفضاء ، وخص حديث ابن عمر البنيان دون الفضاء . = الجمهور على المنع في الصحراء دون البنيان . ولذا لما أورد المصنف قول أبي أيوب أورد حديث ابن عمر بعده مباشرة . = إذا كان في الصحراء ما يستر من دابة أو جدار ونحو ذلك جاز استقبال أو استدبار القبلة . وقد أناخ ابن عمر راحلته مستقبل القبلة ، ثم جلس يبول إليها فقيل له : يا أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن هذا ؟ قال : بلى ، إنما نهى عن ذلك في الفضاء ، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس . رواه أبو داود والبيهقي . = صعود ابن عمر لبيت أخته حفصة إنما كان لحاجة . وفيه جواز تبسط الزوج مع أهل زوجته ، ودخولهم بيته من غير إذنه إذا كان لا يكره ذلك . = حرص الصحابة على التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به ، وتعظيمهم للسنة . والله سبحانه وتعالى أعلم . كتبه عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 10:37 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى