![]() |
باب الغسل من الجنابة ، وموجبات الغُسل
شرح أحاديث عمدة الأحكام باب الغسل من الجنابة لما ذكر المصنف رحمه الله المذي وبيّن أنه لا يوجب الغسل ، ذكر بعد ذلك باب الغسل وذكر فيه تسعة أحاديث . وهنا مسائل : 1 = تعريف الغُسُل الغُسُْل - بضمّ الغين ، وضم السين وسكونها - ، وهو يختلف عن الغَسْل ، فالغُسل في البدن ، والغَسل في الأعضاء وفي غيرها ، كالثياب ونحوها . والغُسل هو : إفاضة الماء على الشيء لغة . وشرعا : تعميم البدن بالماء بنية معتبرة . 2 = تعريف الجنابة الجنابة لغة مأخوذة من البعد ، ومنه قوله تعالى : ( والجار الجُنُب ) أي البعيد الذي ليس بقرابة . وقيل في سبب تسمية الجُنُب جُنُباً : - أنه مُجانب للطهارة - ومُجانب للعبادة . - وقيل : لأنه جانب امرأته ، أي خالطها ، وهو الغالب في الجنابة . - وقيل : لأن الملائكة تجتنب الجُنب وتبتعد عنه . وكلها معاني واردة في اللغة . والأقرب للتعريف الاصطلاحي أنه مُجتنب للعبادات ، وأن الملائكة تجتنب الجُنب ولا تقربه ، كما ثبت بذلك الحديث . قال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر ، والمتضمخ بالخلوق ، والجُنُب إلا أن يتوضأ . رواه أبو داود ، وهو في صحيح الجامع . والجُنُب هو من أصابته الجنابة ، بأحد موجباتها . 3 = ما يُمنع منه الجُنب ؟ يُمنع الجُنب الذي يستطيع الاغتسال من : أ - الصلاة ، وتقدّم في الحديث الثاني : لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ . والجنابة حدث أكبر . فلا يجوز للمسلم أن يُصلي وهو جُنب مع القدرة على استعمال الماء ، فإن عجز عن استعماله أو كان استعمال الماء يضرّ به فإنه يتيمم ويُصلي . ب - الطواف بالبيت ، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت : افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري . رواه البخاري ومسلم . ومما يُمنع منه الجُنب عند بعض العلماء : قراءة القرآن ودخول المسجد أما قراءة القرآن ؛ ففيها بحث مستقل سبق نشرُه . وأما دخول الجنب أو الحائض للمسجد ؛ فلم يدلّ دليل صحيح صريح على المنع . ولذا قالت أم عطية رضي الله عنها : أمَرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نُخرِج في العيدين العواتق وذوات الخدور ، وأمر الحيض أن يعتزلن مَصلى المسلمين . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية للبخاري : ويعتزلن مُصلاّهم . مع حضورهن للمُصلّى ، فهذا الاعتزال إنما هو اعتزال للصلاة . ونقل ابن حجر رحمه الله عن ابن المنير رحمه الله أنه قال : الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وَهُنّ لا يُصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال ، فاستحب لهن اجتناب ذلك . اهـ . فالحائض تشهد العيد وتدخل المصلى ، ولكنها لا تقف في صف المُصلِّيات . وهنا فائدة : وهي هل دلّ الدليل على منع الحائض من دخول المسجد ؟ والجواب : لا ، إلا أن يُخشى أن تلوّث المسجد . وما وَرَد في النهي عن دخول الحائض المصلّى ؛ فإما غير صحيح ، وإما غير صريح . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لمّا حاضت : افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري . رواه البخاري ومسلم . والقاعدة : لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة . ولم يقُل لها النبي صلى الله عليه وسلم : لا تدخلي المسجد ، وإنما نهاها عن الطواف بالبيت حتى تطهر . ولذا لما قالت أم عطية رضي الله عنها : سمعته يقول : يخرج العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور والحيض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ، ويعتزل الحيض المصلى . قالت حفصة رضي الله عنها : فقلت : آلحيض ؟ فقالت : أليس تشهد عرفة وكذا وكذا . يعني أنها تحضر تلك المواطن ، ولا تُمنع منها . ويستدل بعض العلماء على منع الجنب من دخول المسجد بقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيل حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ ) فهذا فيما يتعلق بِقُربان الصلاة لا بِدُخول المساجد ، فالآية واضحة في نهي المؤمنين عن أداء الصلاة في تلك الأحوال لا عن دخول المساجد . قال البغوي : وجوّز أحمد والمزني المكث فيه (يعني في المسجد) ، وضعف أحمد الحديث ؛ لأن راويه (أفْلَت) مجهول ، وتأوّل الآية على أن (عَابِرِي سَبِيل) هم المسافرون تُصيبهم الجنابة ، فيتيممون ويُصلّون ، وقد رُوي ذلك عن ابن عباس . انتهى . وقال ابن المنذر : يجوز للجنب المكث في المسجد مُطلقا . وأما حديث : لا أُحلّ المسجد لحائض ولا لجُنُب . فقد رواه أبو داود ، ومدار إسناده على جسرة بنت دجاجة ، وهي مقبولة ، أي عند المتابعة . وقال البخاري في التاريخ الكبير عنها : عندها عجائب . ولذا قال الحافظ عبد الحق : هذا الحديث لا يثبت . فبَقِي الجُنب والحائض على البراءة الأصلية مِن عدم المنع من دخول المساجد وعلى البراءة الأصلية مِن عدم التنجّس ، ويدلّ عليه حديث الباب . خاصة إذا كان هناك مصلحة مِن دخول الجُنب أو الحائض المسجد ، كتعلّم عِلم ، أو حضور موعظة . وقد أدخل النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال وكان مشركا ، أدخله إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وربطه في سارية من سواري المسجد ، ثم أسلم فيما بعد ، والحديث في الصحيحين . فإذا كان المشرك لا يُمنع من دخول المسجد لوجود مصلحة ، فالمسلم الذي أصابته الجنابة أو المسلمة التي أصابها الحيض أولى أن لا يُمنعوا . قال الإمام النووي رحمه الله : الأصل عدم التحريم ، وليس لمن حرّم دليل صحيح صريح . ويُنظر تمام المنة للشيخ الألباني رحمه الله . كما أن الجُنب لا يُمنع من الصيام . 4 = موجبات الغُسل 1 - التقاء الختانين . والمقصود به : - تغييب حشفة الذَّكر في فرج المرأة ، ولو لم يُنزل المنيّ . والمقصود الحشفة هو رأس الذَّكَـر ، وسيأتي الكلام عليه . 2 - الاحتلام والنائم الذي يجد الأثر لا يخلو من ثلاث حالات : الأولى : أن يستيقظ ويرى بللاً في سراويله ، ويكون قد رأى في منامه أنه احتلم ، فهذا يجب عليه الغسل الثانية : أن يجد بلاً يسيراً ويتيقّن أنه ليس بمني ، فهذا ليس عليه سوى غسل سراويله والوضوء . الثالثة : أن يستيقظ ويجد بللاً ولا يذكر احتلاماً ، فهذا يجب عليه الغسل . وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما . قال : يغتسل . وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يرى بللا . قال : لا غسل عليه ، فقالت أم سليم : هل على المرأة ترى ذلك شيء ؟ قال : نعم إنما النساء شقائق الرجال . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه . تنبيه : قد يخرج المني من غير لذّة ، أو يخرج من غير دفق ، فهذا فساد ، وليس على من أُصيب به غُسل ، وإنما عليه الوضوء ، حكمه حكم سلس البول . ولذا فإن قولهم عن المني الموجب للغسل : أن يخرج دفقاً بِلذّة ، هذا ضابط دقيق . 3 - خروج المني دفقاً بلذّة . وإنما أفردته لأنه قد يكون بغير جماع ولا احتلام ، كمن يُمارس العادة السرية السيئة . 4 - الموت ، فيجب تغسيل الميت عدا الشهيد ، والصحيح أن هذا لا يُقال عنه أنه موجب للغسل ؛ لأنه لا يتعلق بذمة الميت تكليف ، وإنما يجب على أولياءه أو من حضره . 5 - الحيض 6 - النفاس - وسيأتي الكلام عليهما في باب الحيض - 7 - إسلام الكافر عند جماعة من العلماء . 8 - تغسيل الميت عند بعض من أهل العلم . 9 - غُسل يوم الجمعة عند جمع من أهل العلم . والصحيح أن إسلام الكافر لا يوجب الغسل وتغسيل الميت كذلك لا يُوجب الغسل وإنما يُستحب الغُسل لهذه الأشياء الثلاثة المذكورة . وما الصارف للوجوب فيها إلى الاستحباب ؟ أما إسلام الكافر فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر كل من أسلم بالغُسل ، ولو كان واجبا لما جاز تأخير البيان عن وقت الحاجة . وأما غسل الميت فقد ورد فيه الأمر بالاغتسال منه . قال عليه الصلاة والسلام : من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ . وحُمل هذا على الندب والاستحباب لفعل الصحابة رضي الله عنهم ولقولهم فإن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت : إني صائمة ، وإن هذا يوم شديد البرد ، فهل عليّ من غسل ؟ فقالوا : لا . رواه الإمام مالك . ولحديث بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نغسل الميت ، فمنا من يغتسل ، ومنا من لا يغتسل . قال الحافظ في التلخيص : إسناده صحيح . وأما غُسل الجمعة ، فقد صرفه عن الوجوب صوارف منها : قوله عليه الصلاة والسلام : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل . رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربع . ومن الأغسال المستحبة : 1 - عند الإحرام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تجرّد لإهلاله واغتسل . رواه الترمذي . 2 - عند دخول مكة . روى عن نافع أن بن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى ، حتى يصبح ويغتسل ، ثم يدخل مكة نهارا ، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله . رواه البخاري ومسلم . 3 - في كل سبعة أيام مرة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده . رواه البخاري ومسلم . - واستحب بعض العلماء الاغتسال لكل اجتماع يجتمعه الناس ، كالعيدين . وبناء على ما تقدّم فإن غُسل الجمعة مسنون . وغُسل من غسّل ميتاً كذلك . وغُسل الكافر إذ أسلم كذلك أيضا . كتبه عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 06:50 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى