![]() |
الحديث الـ 226 في دخول مكة مِن غير إحرام
الحديث الـ 226 في دخول مكة مِن غير إحرام
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ , وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : اُقْتُلُوهُ . فيه مسائل : 1= هذا الحديث حقّه التقديم في الباب الذي قَبْله ، أو ما قَبْله ، إلاّ أن يكون المصنف رحمه الله قصَد ما جاء في أوّل الحديث من دُخول مكة عام الفتح . 2= تبويب المصنف رحمه يُقصد به كيفية دُخول مكة ، وهل يجوز دخولها من غير إحرام ؟ 3= دخول النبي ﷺ لمكة وعلى رأسه المغْفَر ، هذا يعني أنه دَخَل حلالاً مِن غير إحرام . 4= جواز دُخول مكة مِن غير إحرام ، لأن العبرة بِعموم النص لا بخصوص السبب . 5= جَواز قَتْل المفسِد والجاني . وتقدّم ما في المسألة من كلام في حديث أبي شريح رضي الله عنه . قال ابن عبد البر : كان هذا كُله مِن رسول الله ﷺ بمكة في الساعة التي حُلّت له من ذلك النهار ، ثم هي حَرَام إلى يوم القيامة . اهـ . 6= سبب قَتْل ابن خَطَل ؟ كان قد أسلَم وهاجر واستَكْتَبَه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم كَفَر ولَحِق بِمكة . وروى أنس أن ابن خَطل كان يَهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشِّعْر . وضعّف ذلك ابن عبد البر ؛ فقال : ولو كانت العِلّة في قَتْلِه ... ما تَرَك منهم مَن كان يَسبّه ، وما أظن أحدا منهم امتنع في حين كُفْرِه ومُحَارَبَته له مِن سَـبِّـه . وذَكَر ابن عبد البر " أن ابن خَطَل كان قد قَتل رَجلا مِن الأنصار مُسلِما ثم ارتدّ كذلك . ذكر أهل السير وهذا يُبِيح دَمَه عند الجميع " . قال : أما قَتْل عبد الله بن خَطَل فلأن رسول الله ﷺ قد كان عَهد فيه أن يَقْتَل وإن وُجد مُتعلقا بأستار الكعبة ؛ لأنه ارتدّ بعد إسلامه ، وكَفر بعد إيمانه ، وبعد قراءته القرآن ، وقتل النفس التي حرّم الله ، ثم لحق بدار الكفر بمكة ، واتخذ قَينتين يُغنيانه بهجاء النبي ﷺ . اهـ . فلهذه الأسباب أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بِقتله ولو كان مُتعلِّقا بأسْتَار الكعبة . ونَقل عن ابن إسحاق قوله : وإنما أمَر رسول الله ﷺ بِقَتْلِه ؛ لأنه بَعثه مُصَّدِّقا ، وكان مسلما ، وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلما ، فَنَزَل ابن خَطَل مَنْزِلاً وأمر المولى أن يَذبح له تَيسًا ، ويصَنع له طعاما ، فنَام واستيقظ ولم يصنع له شيئا ، فعَدَا عليه فَقَتله ، ثم ارتدّ مُشْرِكا . اهـ . 7= قُتِل ابن خَطَل وقُتِل غيره ، فقد رَوى النسائي من حديث سَعْدِ بن أبِي وقّاص رضي الله عنه ، قَال : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ ، إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ ، وَامْرَأَتَيْنِ ، وَقَال: اقْتُلُوهُمْ ، وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ، وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ . فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ ، فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا ، وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ ، فَقَتَلَهُ ، وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ ، فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ ، فَقَتَلُوهُ . وَأَمَّا عِكْرِمَةُ ، فَرَكِبَ الْبَحْرَ ، فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ . فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ : أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لاَ تُغْيى عَنْكُمْ شَيْئًا هَا هُنَا . فَقَالَ عِكْرِمَةُ : واللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي مِنَ الْبَحْرِ إِلاَّ الإِخْلاَصُ لاَ يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا ، إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ ، أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ ، فَلأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا ، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ ، جَاءَ بِهِ ، حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بَايِعْ عَبْدَ اللهِ . قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاَثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَأْبَى ، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ، يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَه ؟ فَقَالُوا : وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ ، هَلاَّ أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ . قَالَ : إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ . 8= فإن قيل : في حديث أنس – حديث الباب – ذَكَر ابن خَطل ، وفي حديث سَعْدٍ هذا ذَكَر أربعة رِجال وَامْرَأَتَيْن . فكيف يُجمع بينهما ؟ يُقال : كُلّ حدّث بِما سَمِع ، فلعل أنسًا رضي الله عنه سمِع الأمر بِقَتل ابن خَطل ، وسَعد سمع الأمر بِقَتل الأربعة والمرأتين . 9= اسْتَدَلّ به من يرى حتمية قَتْل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم . ومَنَع منه ابن عبد البر ؛ لأن القياس لا يَصح . حيث قال : وهذا لا يجوز عند أحدٍ علمته مِن العلماء أن يَقيس الذّمّي على الحربي ؛ لأن ابن خَطل في دار حرب كان ولا ذِمّة له ، وقد حَكم الله عزّ وجلّ في الحربي إذا قَدَر عليه بِتَخَيُّر الإمام فيه ، إن شاء َقَتله ، وإن شاء مَنّ عليه ، وإن شاء فَدى به ، فلهذا قَتَل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خَطل وغيره ممن أراد منهم قَتْله . اهـ . قال ابن عبد البر : وقد اختلف الفقهاء في الذي يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم ذَكَر الخلاف ، فليُراجَع في " التمهيد " . وفي " اقتضاء الصراط المستقيم " لابن تيمية بسْط للمسألة . 10= الْمِغْفَر : ما يُلبس على الرأس لِوِقَايته في الحرب . وتُسمّى " الْخُوذة " . قال أبو عُبيد : سُمّي الْمِغْفَر لأنه يَغفر الرأس - أي : يَلبسه ويُغطيه . وقال ابن الأثير : هو ما يَلْبَسُه الدَّارِعُ على رأسِه مِن الزَّرَدِ ونَحوه . 11= وفي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ . رواه مسلم . وفي رواية له : وعليه عمامة سوداء بغير إحرام . وَفِي رِوَايَة : خَطَبَ النَّاس وَعَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاء . فكيف الْجَمْع بينهما : عليه عمامة ، وعليه الْمِغْفَر ؟ قَالَ الْقَاضِي : وَجْه الْجَمْع بَيْنهمَا : أَنَّ أَوَّل دُخُوله كَانَ عَلَى رَأْسه الْمِغْفَر ، ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ كَانَ عَلَى رَأْسه الْعِمَامَة بَعْد إِزَالَة الْمِغْفَر ، بِدَلِيلِ قَوْله : " خَطَبَ النَّاس وَعَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاء " ؛ لأَنَّ الْخُطْبَة إِنَّمَا كَانَتْ عِنْد بَاب الْكَعْبَة بَعْد تَمَام فَتْح مَكَّة . ذَكَره النووي . وقال ابن عبد البر : قد يُمكن أن يكون على رأسه عمامة سوداء وعليها الْمِغْفَر ، فلا يَتعارَض الحديثان . اهـ . والقول الأول أقوى ، فقد جاء في حديث أنس : " وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ ..." ، فهذا يدلّ على أنه لَبِس الْمِغْفَر أوّلاً ثم نَزَعه . 12= جواز التمسّك بأستار الكعبة دون التّمَسّح بها ، وفَرْق بين الأمرين : أما التمسّك بأستار الكعبة ، فهو كَحَال المستجير بِمن يخافه ، فيُمسك بأطراف أثوابه ، وكان التّعلّق معروفا ، وهو يدلّ على اللجوء والاستعاذة بالله . ويدلّ عليه ما في هذا الحديث ؛ لأنه لو كان يُمنع مِن التمسّك بأستار الكعبة ، لبيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة . وأما التمسّح بها طلبا للبَرَكَة ، فلا يَصحّ ؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد مِن أصحابه التمسّح به ، والـتَّبَرّك دِيانة وتعبّد ، والعبادة مَبْناها على التوقيف على النصّ . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولَمّا كانت الكعبة بيت الله الذي يُدْعَى ويُذكَر عنده ، فإنه سبحانه يُستجَار به هناك ، وقد يُسْتَمْسَك بِأستار الكعبة . اهـ . 13= فَإِنْ قِيلَ : فَفِي الْحَدِيث الآخَر :" مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد فَهُوَ آمِن " ، فَكَيْف قَتَلَهُ وَهُوَ مُتَعَلِّق بِالأَسْتَارِ ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الأَمَان ، بَلْ اِسْتَثْنَاهُ هُوَ وَابْن أَبِي سَرَح وَالْقَيْنَتَيْنِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ، وَإِنْ وُجِدَ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي أَحَادِيث أُخَر ، وَقِيلَ : لأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ ، بَلْ قَاتَلَ بَعْد ذَلِكَ . قاله النووي . والله تعالى أعلم . شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 04:21 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى