![]() |
نريد ردًّا على مَن يحيا ويُمارس المعاصي ولا يحمل همّ الدِّين .
شيخنا الفاضل
نريد رداً حسبما يتسع وقتكم على من يحيا و يمارس المعاصي و لا يحمل همّ الدين أوْ لا يشغله حكم الدين أصلا في أموره و لا يسير الدين حياته . و جوابه كلما حدثناه عن أثر المعصية أو أهمية العمل لله تعالى خلاصته أنه يتعامل مع المغفرة و الرحمة بمعنى أنه لا حرج من المعصية و الجنة مستقرنا الأخير ؟ الجواب: بارك الله فيك ما هذا حال من يرجو لقاء الله ، فإنه لو لم يكن إلا الحياء حين الوقوف بين يَدي الله لكفى زاجرا عن المعاصي . وكما قيل : يا حسرة العاصين يوم معادهم *** ولو أنهم سِيقُـوا إلى الجنات لو لم يكن إلا الحياء من الذي ***ستر الذنوب لأكثروا الحسرات قال ابن الجوزي : يا عظيم الجرأة يا كثير الانبساط ، ما تخاف عواقب هذا الإفراط ؟ يا مؤثر الفاني على الباقي غَلْطة لا كالأغلاط ، ألَكَ صبر يُقاوم ألَم السِّياط ؟ ألَكَ قدم يصلح للمشي على الصراط ؟ أيُعجبك لباس الصحة ؟ كلا وثوب البلاء يُخاط . اهـ . وما كان هذا حال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وأعلم الخلق بالله بعد الأنبياء ، لأنهم عايشوا التّنْزيل ، وتربّوا على يدي خاتم المرسلين ، ومع ذلك كانوا أخوف الناس ، وأحرص الناس على العمل الصالح . قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن المؤمن يَرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يَقَعَ عليه ، وإن الفاجر يَرى ذنوبه كَذُباب مَرّ على أنفه فقال به هكذا . رواه البخاري . ولما جاء سائل إلى ابن عمر فقال لابنه : أعطه دينارا ، فلما انصرف قال له ابنه : تقبل الله منك يا أبتاه ، فقال : لو علمت أن الله يقبل مني سجدة واحدة وصدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت . أتدري ممن يتقبل ؟ (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) . وقال فضالة بن عبيد : لأن أعلم أن الله تقبل مِنِّي مثقال حبة أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها ، لأنه تعالى يقول : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) . وكان مُطرِّف يقول : اللهم تقبل مني صلاة يوم . اللهم تقبل مِنِّي صوم يوم . اللهم اكتب لي حسنة ، ثم يقول (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) . رواه ابن أبي شيبة . وقال الحسن البصري في وصف خير القرون : عَمِلُوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها ، وخافوا أن تُردّ عليهم ، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا . وقد أنْزل الله آية الرجاء مع آية الخوف ليكون العبد راغبا وراهباً ، خائفا وراجيا . وقال أبو بكر رضي الله عنه في وصيته لِعُمر رضي الله عنه : ألم تر يا عمر إنما نَزَلتْ آية الرخاء مع آية الشدة ، وآية الشدة مع آية الرخاء ليكون المؤمن راغبا راهبا ؛ لا يرغب رغبة يتمنَّى فيها على الله ما ليس له ، ولا يرهب رهبة يُلقي فيها بيديه . اهـ . وقالت عائشة رضي الله عنها : قلت يا رسول الله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أهو الذي يَزني ويَسرِق ويشرب الخمر ؟ قال : لا يا بنت أبي بكر - أو يا بنت الصديق - ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويُصلي وهو يخاف أن لا يُتقبّل منه . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه . وفي رواية لأحمد : لا يا بنت أبي بكر يا بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل ولما ذَكَر الله جملة من أنبيائه قال في وصفهم : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) . وهكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : إنه ليُغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة . رواه مسلم . والمراد هنا ما يَتَغَشَّى القلب ، كما قال النووي . وكان عليه الصلاة والسلام يقول : يا أيها الناس توبوا إلى الله ، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة . رواه مسلم . وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني .أنت المقدم وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير . رواه البخاري ومسلم . ومن دعائه عليه الصلاة والسلام : اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي . رواه البخاري ومسلم . وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده : اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه ، دِقَّـه وجِلَّه ، وأولَه وآخرَه ، وعلانيتَه وسرَّه . رواه مسلم . وعلّم النبي صلى الله عليه وسلم أفضل أصحابه ، أَبِا بَكْر الصِّدِّيقِ رضي الله عنه ، فقَالَ : قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي , إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . رواه البخاري ومسلم . بل لم يَقتصِر الأمر على الأنبياء والصالحين فشمل الملائكة الكرام ! قال النبي صلى الله عليه وسلم : مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالْحِلْسِ البالي من خشية الله عز وجل . رواه الطبراني في الأوسط . قوا الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح . وقال الألباني : صحيح بمجموع طرقه . فأين هذا ممن يُسارع في المعاصي ويَقع فيها ، وهو يتمنّى على الله الأماني ؟ هذا هو الطَّمَع وليس هو الرجاء . قال معاذ رضي الله عنه : سَيَبْلَى القرآن في صدور أقوام كما يَبلى الثوب فيتهافت ، يقرؤونه لا يجدون له شهوة ولا لذة ، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب ، أعمالهم طَمَعٌ لا يُخالِطه خوف ، إن قَصَّروا قالوا : سنبلغ ، وإن أساؤوا قالوا : سَيُغْفَر لنا ، إنا لا نشرك بالله شيئا . رواه الدارمي . والفرق بين الرجاء والطمع : أن الرجاء يكون مع إحسان العمل ، فيُحسن العمل ، ويرجو رحمة ربِّـه ، وهذا هو حال المؤمن . وأما الطَمَع فهو أن يُسيء العمل ويطمع في رحمة الله ، وهذا حال المنافق ، الذي جَمَع إساءة وأمنا ، كما قال الحسن البصري رحمه الله . وأما قول من يقول : إن مآله الجنة فأقول هذا قول من يَطمِع دون عمل . وهذا من التألي على الله . كما أنه من الغرور ، وهو يدلّ على الأمن من مَكر الله . وكان أبو هريرة يقول : وما يُؤمِّنني وإبليس حيّ ؟! كما أن هذا القول والحال خلاف ما عليه الصالحون ، الذين أقضّ الخوف من الله مضاجعهم . والخوف من الله وأخذه ومَكره ، والخوف من سوء الخاتمة ، مما أبكَى الصالحين . وهنا : نصيحة لِمَن يتباهى بالفواحش والحرام ويتهم أهل الوَرَع بالغباء والعجز http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=17048 والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض |
الساعة الآن 02:54 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى