![]() |
الحديث 132 في الذِّكْر بعد الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم شرح أحاديث عمدة الأحكام الحديث 132 في الذِّكْر بعد الصلاة عَنْ وَرَّاد مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِنْ كِتَاب إلَى مُعَاوِيَةَ : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاة مَكْتُوبَة : لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير . اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ , وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ . ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ . وَفِي لَفْظ : كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ , وَإِضَاعَةِ الْمَالِ , وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ , وَوَأْدِ الْبَنَاتِ , وَمَنْع وَهَاتِ . في الحديث مسائل : 1= مكاتبة الأمراء والْحُكّام فيما يتعلّق بأمور الدِّين ، ومناصحتهم في ذلك وفي غيره . 2= العمل بالكِتاب إذا عُرِف الْخَطّ ، واعتماده . 3= قال ابن دقيق العيد : وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ . وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَاد لا تُحْصَى . اهـ . أي أنَّ أدلة أحاديث الآحاد والعمل بها كثيرة جداً ، ولم يَرِد التفريق بين أحاديث الآحاد وغيرها لا في العقائد ولا في الأحكام إلاَّ عندما ظهرت البِدع ، وحُكِّمت العقول – بِزعمهم – . 4= اسْتِحْبَابِ هَذَا الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ عَقِيبَ الصَّلاةِ ، وَذَلِكَ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَعَانِي التَّوْحِيدِ ، وَنِسْبَةِ الأَفْعَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْمَنْعِ وَالإِعْطَاءِ ، وَتَمَامِ الْقُدْرَةِ . قاله ابن دقيق العيد . 5= وقال : الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الأَذْكَارِ : يَرِدُ كَثِيرًا مَعَ خِفَّةِ الأَذْكَارِ عَلَى اللِّسَانِ وَقِلَّتِهَا وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولاتِهَا . 6= قوله : " فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاة مَكْتُوبَة " للعلماء تفصيل فيما يتعلّق بـ " دُبر الصلاة " ؛ فإن كان دعاء فهو قبل السلام ، وإن كان ذِكْرًا وثَنَاء فهو بعد السلام . وسيأتي في الحديث الذي يليه . وعلى هذا يُحمَل قوله صلى الله عليه وسلم وقد سُئل : أي الدعاء أسمع ؟ قال : شطر الليل الآخر ، وأدبار المكتوبات . قال ابن عباس : أَمَرَه أن يُسبِّح في أدبار الصلوات كلها ، يعني قوله : ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) . رواه البخاري . قال ابن عبد البر : ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) يُريد أدبار الصلوات . وكذلك ما جاء عن أهل العلم في الدعاء أدبار الصلوات فإنه يُطلَق على ما قبل السَّلام منها ، لا أنه بعد التسليم من الصلاة ، فإن هذا بِدعة كما سبق النص عليه . 7= قوله : " كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاة مَكْتُوبَة " هذا اللفظ لا يقتضي حَصْر الذِّكْر الوارِد بعد الصلاة بهذا الذِّكْر ، وسيأتي في الأحاديث مَا يَقُوله الْمُصَلِّي بعد السَّلام مِن الصَّلاة . 8= قوله : " له الْمُلْك " هو الْمُلْك المطلَق في الدنيا والآخرة ، ولذلك فُرِض علينا أن نقرأ : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وفي الحديث القدسي : وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال : مَجَّدَني عَبدي ، وقال مرّة : فَوَّض إليَّ عبدي . رواه مسلم . والله يُنادي يوم القيامة (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) . وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ! إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع ، ثم يقول : أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نَوَاجِذه ثم قرأ : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) . وفي رواية لهما : ثم يَهُزّهن فيقول : أنا الملك ، أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تَعجّبا مما قال الحبر ، وتصديقا له ، ثم قرأ : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يَقْبِض الله الأرض ، ويَطوي السماء بِيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين مُلوك الأرض ؟ رواه البخاري ومسلم . وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما : يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الْجَبَّارُون ؟ أين الْمُتَكَبِّرُون ؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ رواه مسلم . وإنما خصّ الله نفسه بِملك يوم الدِّين لأنه يَنتفي آنذاك كل مُلْك . 9= قوله : " وله الحمد " هذا يقتضي الحصر ، لأن تقديم ما حقّه التأخير يَقتضي الحصر . فالحمد المطلَق لله تبارك وتعالى ، ولذلك حمِد الله نفسه بِنفسه فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) . 10= قوله : " وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير " أي أنه قادر مُقتَدر على كل شيء ، سواء كان أم لم يَكن . وهنا تنبيه على قول بعض الناس : إنه على ما يشاء قادِر . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : تقييد القدرة بالمشيئة يُوهِم اختصاصها بما يَشاؤه الله تعالى فقط ، لا سيما وأن ذلك التقييد يُؤتَى به في الغالب سابقاً حيث يقال : "على ما يشاء قدير" ، وتقديم المعمول يُفيد الحصر ، كما يعلم ذلك في تقرير علماء البلاغة ، وشواهده من الكتاب والسنة واللغة ، وإذا خُصَّت قدرة الله تعالى بما يشاؤه كان ذلك نقصاً في مدلولها وقصراً لها عن عمومها ، فتكون قدرة الله تعالى ناقصة حيث انحصرت فيما يشاؤه ، وهو خلاف الواقع ، فإن قدرة الله تعالى عامة فيما يشاؤه وما لم يشأه ، لكن ما شَاءه فلا بُدّ مِن وُقوعه ، وما لم يشأه فلا يمكن وقوعه . اهـ . وقال رحمه الله : إذا قُيِّدَتْ المشيئة بشيء مُعيّن صحّ ، كقوله تعالى : (وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) ، أي : إذا يشاء جمعهم فهو قادِر عليه . اهـ . 11= الـجَـدّ : ضُبِطتْ بالفَتح وبالكسر ، فـ : الـجَـدّ – بالفَتح – هو الحظّ والغِنى . والـجِدّ – بالكسر – هو من الاجتهاد . والمعنى أنه لا يَنفع الغَنِيّ غِنَاه ، ولا الْمُجْتَهد اجتهاده إذا لم يكن له توفيق من الله . وقد تضمّن هذا الذِّكْر تفويض الأمر إلى الله . 12= قوله : " ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ " : القائل هو وَرَّاد مَولى المغيرة . والأمر من باب الحث لا من باب الْحَـتْم والإلْزَام . أو أنه من باب ألأمر بالسُّـنَّـة والنهي عن ضدِّها . 13= ما أورده المصنف رحمه الله بعد هذا الحديث من قوله : "وفي لفظ ... " لم يتبيّن لي وجه إيراد المصنِّف له في هذا الباب ، خاصة وأنه لا تعلّق له بأحاديث الباب من حيث الذِّكر بعد الصلاة . نعم له علاقة من حيث أنه مما أملاه المغيرة رضي الله عنه ، وليس له علاقة بالأذكار . 14= من الأذكار الواردة بعد السلام من الصلاة : الاستغفار ثلاثا . وقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام . فَعَنْ ثَوْبَانَ قَال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا وَقَال : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ . قَالَ الْوَلِيدُ : فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ : كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ قَالَ : تَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ . رواه مسلم . وعند مسلم من طريق أبي الزبير قال : كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يُسَلِّم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدِّين ولو كَرِه الكافرون . وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهلل بهن دُبر كل صلاة . ومن الأذكار بعد السلام من الصلاة : قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين . ففي الحديث : من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلاَّ أن يموت . رواه النسائي في الكبرى ، وصححه الألباني . وعَن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقرأ بالمعوذات دُبر كل صلاة . رواه أبو داود . قول : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير " عشر مرات بعد صلاة المغرب و عشر مرات بعد صلاة الفجر . فَعند الترمذي عن عمارة بن شبيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات على إثر المغرب بَعث الله مَسْلَحَة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح ، وكَتب الله له بها عشر حسنات موجبات ، ومَحَا عنه عشر سيئات موبقات ، وكانت له بِعَدْل عشر رقاب مؤمنات . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد ، ولا نعرف لعمارة سماعا عن النبي صلى الله عليه وسلم . اهـ . وقال الشيخ الألباني : حسن . وروى الإمام أحمد من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : من قال قبل أن ينصرف ويثني رِجله من صلاة المغرب والصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات ، كُتِب له بِكُلّ واحدة عشر حسنات ، ومُحِيَتْ عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكانت حرزا من كل مكروه ، وحرزا من الشيطان الرجيم ، ولم يَحل لذنب يدركه إلاّ الشرك ، فكان من أفضل الناس عملا ، إلاَّ رَجُلاً يَفْضله ، يقول : أفضل مما قال . قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره ، وهذا إسناد ضعيف لإرساله ولضعف شهر بن حوشب . اهـ . والله تعالى أعلم . كتبه عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 11:49 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى