عرض مشاركة واحدة

عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.64 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : نسمات الفجر المنتدى : قسـم الفتـاوى العامـة
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-09-2015 الساعة : 07:45 AM

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن " البُغاة والخوارج " : هل هي ألفاظ مُتَرَادفة بمعنى واحد ؟ أم بينهما فرق ؟ وهل فَرَّقَت الشريعة بينهما في الأحكام الجارية عليهما أم لا ؟ وإذا ادّعى مُدَّع أن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهم إلاَّ في الاسم ، وخالفه مُخَالِف مُسْتَدلا بأن أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه فَرَّق بين أهل الشام وأهل النهروان : فهل الحق مع الْمُدَّعِي ؟ أو مع مُخَالِفِه ؟
فأجاب رحمه الله :
الحمد لله ، أما قول القائل : إن الأئمة اجتمعت على أن لا فَرْق بينهما إلاّ في الاسم ؛ فَدَعْوى باطلة ، ومُدّعِيها مُجَازِف ، فإنّ نَفْي الفَرْق إنما هو قول طائفة مِن أهل العلم مِن أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم : مثل كثير مِن المصنفين في " قتال أهل البغي " ، فإنهم قد يَجْعَلون قِتَال أبي بكر لِمَانِعي الزكاة ، وقتال عليّ الخوارج ، وقِتَاله لأهل الْجَمَل وصِفِّين إلى غير ذلك ؛ مِن قتال المنتسِبِين إلى الإسلام . مِن باب " قتال أهل البغي "، ثم مع ذلك فهم مُتَّفِقُون على أن مثل طلحة والزبير ونحوهما مِن الصحابة مِن أهل العدالة ، لا يجوز أن يُحْكَم عليهم بِكُفر ولا فِسْق ، بل مجتهدون ؛ إما مُصِيبون وإما مُخْطِئون ، وذنوبهم مغفورة لهم .
ويُطْلِقون القَول بأن البُغاة ليسوا فُسّاقا ، فإذا جُعِل هؤلاء وأولئك سواء لَزِم أن تكون الخوارج وسائر مَن يُقَاتلهم مِن أهل الاجتهاد الباقين على العدالة سواء ؛ ولهذا قال طائفة بِفِسْق البُغاة ، ولكن أهل السنة مُتَّفِقُون على عدالة الصحابة .
وأما جمهور أهل العلم فَيُفَرِّقُون بَين " الخوارج الْمَارِقِين " وبَين " أهل الْجَمَل وصِفِّين " وغير أهل الْجَمَل وصِفّين ممن يُعَدّ مِن البُغاة الْمُتَأوّلين . وهذا هو المعروف عن الصحابة وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والْمُتَكَلِّمِين ، وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم : مِن أصحاب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم ، وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تَمْرُق مَارِقة على حين فِرقة مِن المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق " ، وهذا الحديث يتضمن ذِكْر الطوائف الثلاث ، ويُبَيِّن أن الْمَارِقِين نوع ثالث ليسوا مِن جنس أولئك ؛ فإن طائفة عليّ أولى بالحق من طائفة معاوية . وقال في حق الخوارج الْمَارِقين : " يَحْقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ؛ يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يَمْرقون مِن الإسلام كما يَمْرق السَّهم مِن الرَّمِيّة ، أينما لَقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قَتْلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة ...
وقد روى مسلم أحاديثهم في الصحيح مِن عشرة أوجه ، وروى هذا البخاري مِن غير وجه ، ورواه أهل السنن والمسانيد ؛ وهي مُستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم مُتَلَقّاة بالقبول أجمع عليها علماء الأمة من الصحابة ومن اتبعهم واتفق الصحابة على قتال هؤلاء الخوارج .
وأما " أهل الْجَمل وصِفِّين " فكانت منهم طائفة قاتَلَت مِن هذا الجانب ، وأكثر أكابر الصحابة لم يُقَاتِلُوا لا مِن هذا الجانب ، ولا مِن هذا الجانب . واسْتَدَلّ التَّارِكُون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تَرْك القِتال في الفتنة ، وبَيَّنوا أنّ هذا قِتال فِتنة .
وكان عليّ رضي الله عنه مَسْرُورا لِقِتال الخوارج ، ويروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بِقِتَالِهم ، وأما قِتال " صِفّين " ؛ فَذَكر أنه ليس معه فيه نص ، وإنما هو رأي رآه ، وكان أحيانا يَحْمَد مَن لَم يَرَ القِتال .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الْحَسَن رضي الله عنه : " إن ابني هذا سَيِّد ، وسيُصْلِح الله به بين فئتين عظيمتين مِن المسلمين " ؛ فقد مَدَح الْحَسَن وأثنى عليه بإصلاح الله به بين الطائفتين : أصحاب عليّ وأصحاب مُعاوية ، وهذا يُبَيِّن أن تَرْك القِتال كان أحسن ، وأنه لم يكن القتال واجِبا ولا مُسْتَحَبًّا .
وقِتال الخوارج ؛ قد ثبت عنه أنه أَمَرَ به وحَضّ عليه . فكيف يُسَوَّى بَيْن ما أمَرَ به وحَضّ عليه ، وبَيْن ما مَدَح تَارِكه وأثنى عليه ؟
فمن سَوَّى بين قِتال الصحابة الذين اقْتَتَلوا بالْجَمَل وصِفِّين وبَيْن قِتال ذي الْخُويصِرة التميمي وأمثاله مِن الخوارج الْمَارِقين والْحَرُورِيّة الْمُعْتَدِين : كان قَولهم مِن جنس أقوال أهل الجهل والظُّلم الْمُبِين . ولَزِم صاحب هذا القول أن يَصير مِن جنس الرافضة والمعتزلة الذين يُكَفِّرون أو يُفَسِّقُون الْمُتَقَاتِلِين بالْجَمَل وصِفِّين ، كما يُقال مثل ذلك في الْخَوارِج الْمَارِقين ؛ فقد اختلف السلف والأئمة في كُفْرِهم على قولين مشهورين مع اتفاقهم على الثناء على الصحابة الْمُقْتَتِلِين بالْجَمَل وصِفِّين ، والإمساك عما شَجَر بينهم . فكيف نِسْبة هذا بهذا ؟
وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِقِتَال الخوارج قَبل أن يُقَاتِلوا . وأما " أهل البَغي " فإن الله تَعالى قال فيهم : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ، فَلَم يَأمر بِقِتال البَاغِيَة ابتداء . فالاقتتال ابتداء ليس مأمُورا به ، ولكن إذا اقْتَتَلوا أُمِر بالإصلاح بينهم ، ثم إن بَغَت الواحدة قُوتِلَت ؛ ولهذا قال مَن قال مِن الفقهاء : إن البُغاة لا يُبْتَدأ بِقِتالهم حتى يُقَاتِلُوا .
وأما الخوارج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم : " أينما لَقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قَتَلهم يوم القيامة " ، وقال : " لئن أدْرَكْتُهم لأقتُلَنّهم قَتْل عاد " .
وكذلك مانِعو الزكاة ؛ فإن الصِّدِّيق والصحابة ابتدءوا قِتَالهم ، قال الصديق : والله لو مَنَعوني عَناقا كانوا يؤدّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . وهم يُقَاتَلون إذا امتَنَعوا مِن أداء الواجبات وإن أقَرّوا بالوجوب .
ثم تنازع الفقهاء في كُفْر مَن مَنَعَها وقاتَل الإمام عليها مع إقراره بالوجوب ؟ على قولين ، هُمَا روايتان عن أحمد ، كالرِّوَايتين عنه في تَكفير الخوارج ، وأما أهْل البَغْي الْمُجَرّد فلا يُكَفَّرُون باتفاق أئمة الدِّين ؛ فإن القرآن قد نَص على إيمانهم وأخُوُتِهم مع وُجُود الاقتتال والبَغي . والله أعلم .

وقال رحمه الله : أعدل الطوائف " أهل السنة " أصحاب الحديث ، وتَجد هؤلاء إذا أَمَرُوا بِقِتال مَن مَرَق مِن الإسلام ، أو ارْتَدّ عن بعض شرائعه ؛ يأمُرون أن يُسَار فيه بِسِيرة عليّ في قِتال طلحة والزبير ؛ لا يُسْبَى لهم ذُريّة ، ولا يُغْنَم لهم مال ، ولا يُجْهَز لهم على جريح ، ولا يُقْتَل لهم أسير .
ويَتْرُكون ما أمَر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وسَارَ به عليّ في قتال الخوارج ، وما أمَر الله به رسوله وسارَ به الصديق في قتال مانِعي الزكاة ؛ فلا يَجْمَعون بَين ما فَرّق الله بَينه مِن الْمُرْتَدِّين والْمَارِقِين ، وبَيْن المسلمين المسيئين ؛ ويُفَرِّقُون بين ما جَمَع الله بينه مِن الملوك والأئمة الْمُتَقَاتِلين على الْمُلْك ، وإن كان بتأويل . اهـ .

يَعني : أنه يُفرَّق بين قِتال البُغاة ، وبين قِتال المرتدّين ؛ فلا يُجمَع بينهم في الْحُكم .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الرافضة : ومَن اعتقد مِن المنتسبين إلى العِلم أو غيره أن قِتال هؤلاء بِمَنْزِلة قِتال البُغَاة الخارجين على الإمام بتأويل سائغ ، كَقِتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأهل الْجَمَل وَصِفّين ؛ فهو غالِط جاهِل بحقيقة شريعة الإسلام ، وتخصيصه هؤلاء الخارجين عنها . فإن هؤلاء لو سَاسُوا البلاد التي يَغلبون عليها بشريعة الإسلام كانوا ملوكا كسائر الملوك ؛ وإنما هُم خارجون عن نفس شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته شَرًّا مِن خروج الخوارج الحرورية وليس لهم تأويل سائغ ؛ فإن التأويل السائغ هو الجائز الذي يُقَرّ صاحبه عليه إذا لم يكن فيه جواب ، كتأويل العلماء المتنازعين في موارد الاجتهاد . وهؤلاء ليس لهم ذلك بالكتاب والسنة والإجماع ، ولكن لهم تأويل مِن جنس تأويل مانِعي الزكاة والخوارج واليهود والنصارى . وتأويلهم شَرّ تأويلات أهل الأهواء . اهـ .

ويَنبغي أن يُعلَم : أن الصحابة رضي الله عنهم فرّقوا بين الخوارج الذين خَرَجوا على عليّ رضي الله عنه ، وقَاتَلَهم وقَتَلهم ، حتى فَرح عليّ رضي الله عنه بِقتالِهم حينما تحقق له وَعْد النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأى علامة ذلك .
لَمَّا خَرَجت الْحَرُورِيّة (الخوارج) على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا : لا حُكم إلاّ لله ! قال عليّ : كلمة حق أُرِيد بها باطِل ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصَف ناسًا ، إني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق بألْسِنتهم لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى حَلْقه - مِنْ أبغض خلق الله إليه ، منهم أسْود إحدى يديه طُبْيُ شاة أو حَلَمة ثدي ، فلما قَتَلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت - مرتين أو ثلاثا - ثم وجدوه في خربة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه . رواه مسلم .
(طُبْيُ شاة ) ضرع شاة .
وبّيْن أهل الفتنة الذين خَرَجوا على عثمان رضي الله عنه حتى قَتَلوه .
فإن قَتَلَة عثمان رضي الله عنه أهل فِتنة ، وخُروجهم على عثمان يُعتبر خُروجا على خليفة راشِد وحاكم عادل ، وتحققت فيهم نُبوّة النبي صلى الله عليه وسلم وخبره الصادق في أنه عثمان رضي الله عنه يُقتل على بَلْوَى تُصيبه . كما في الصحيحين .
وأهل الفتنة فَتَحُوا على الأمّة باب شرّ وفِتنة ودَم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وُضِع السيف في أمتي لم يُرفع عنها إلى يوم القيامة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

فإن الخوارج الذين خَرَجوا على عليّ رضي الله عنه لهم تأويل ، ومع ذلك مأمور بِقتِالهم ، وأهل الفتنة الذين خَرَجوا على عثمان رضي الله عنه ليس لهم تأويل ، بل هم طُلاّب دنيا ، ومُفتتحو باب شرّ وضلالة وفِتنة ، ومأمُور بِقِتال مَن كان كذلك .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بُويع لِخَلِيفَتَين ، فاقتلوا الآخر منهما . رواه مسلم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن أتاكم وأمْرُكم جَميع على رَجُل واحد يُريد أن يَشقّ عَصاكم أو يُفَرِّق جماعتكم فاقتلوه . رواه مسلم .

وأما إذا تَغلَّب مُتَغلِّب على بلد ، وكان مِن أهل الولاية ، واستتب له الأمْر ؛ فهذا ليس مِن الخروج ، كما نصّ على ذلك أهل العِلم في قيام دولة بني أُميّة ، وقيام دولة بني العباس ، وغيرها مِن الدول التي يَقوم بعضها على بَقايا بعض الدول السابقة لها .

قال الإمام أحمد : ومَن غَلَب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمِّي أمير المؤمنين ؛ فلا يَحِلّ لأحدٍ يُؤمن بالله واليوم الآخر أن يَبِيت ولا يَراه إماما ، بَرًّا كان أو فاجِرا . (الأحكام السلطانية لأبي يَعلى)

وقال ابن حجر : وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب والجهاد معه ، وأن طاعته خير مِن الخروج عليه ؛ لِمَا في ذلك مِن حَقن الدماء وتسكين الدهماء . اهـ .

وسبق الجواب عن :
شبهات عن الصحابة في كتاب " الفرج بعد الشدة " للتنوخي ، و" الأغاني " للأصفهاني .
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4052

يقولون عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب : إنه عميل بريطاني !
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=3163

أرجو الرد المفصل على تلك الشبهة المجيزة للخروج على ولي الأمر
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=16424

والله تعالى أعلم .

رد مع اقتباس