|
|
المنتدى :
قسـم العقـيدة والـتوحيد
قال لي : لا يجوز الحديث في العقيدة
بتاريخ : 19-02-2010 الساعة : 07:29 PM
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
وجزاكم الله خيرا
تكلمت مع أحد عناصر جماعة التبليغ وقال : إنه لا يجوز الحديث في العقيدة ، وإن العلماء الأئمة الأربعة لم يُذكر عنهم أنهم تكلموا في العقيدة . هل هذا الكلام صحيح ؟
وإذا لم يكن صحيحا فما هو الدليل ؟

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيراً
هذه جَهالة تُضاف إلى جهالات تلك الجماعة ! وقديما قيل : مَن جهل شيئا عاداه ! فالعقيدة أُسّ الدِّين ، وعليها قام ، وإليها دعا الأنبياء والرُّسُل ، ولأجلها أُنزِلت الكُتُب .
قال ابن القيم رحمه الله عن كلمة التوحيد : كلمةٌ قامت بـها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات وبها أرْسَلَ الله تعالى رسلَه ، وأنزل كُتُبَه ، وشرع شرائِعَه ، ولأجلها نُصبت الموازين ، ووضِعَتِ الدواوين ، وقام سوقُ الجنة والنار ، وبها انقسمت الخليقةُ إلى المؤمنين والكفار ، والأبرار والفجار ، فهي منشأ الخلقِِ والأمر والثوابِ والعقاب ، وهي الحقُّ الذي خُلقت له الخليقة ، وعنها وعن حقوقها السؤالُ والحساب ، وعليها يقعُ الثوابُ والعقاب ،
وعليها نُصِبَتِ القبلة وعليها أسِّستِ الملة ، ولأجلها جُرِّدت سيوفُ الجهاد ، وهي حقُّ الله على جميع العباد ، فهي كلمة الإسلام ومفتاحُ دارِ السلام ، وعنها يُسـألُ الأولون والآخِرون ، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين : ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟ فجوابُ الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفةً وإقراراً وعملا . وجوابُ الثانية بتحقيق أن محمداً رسولُ الله معرفة وإقرارا وانقيادا وطاعة . اهـ .
بل قرر غير واحد من أهل العلم أن القرآن من أوله إلى آخره هو في تقرير التوحيد .
قال الشاطبي في قوله تعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ): فإن سياق الكلام يدل على أن المراد بالظلم أنواع الشرك على الخصوص ، فإن السورة من أولها إلى آخرها مقررة لقواعد التوحيد ، وهادمة لقواعد الشرك . اهـ .
وقال ابن القيم : وغالب سور القرآن ، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد ، بل نقول قولا كليا : إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد ، شاهِدة به ، داعية إليه ، فإن القرآن إمّا خَبَرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو التوحيد العلمي الخبري ، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخَلْع كل ما يُعبد من دونه ، فهو التوحيد الإرادي الطلبي ، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره ، فهي حقوق التوحيد ومُكمِّلاته ،
وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته ، وما فعل بهم في الدنيا ، وما يكرمهم به في الآخرة ، فهو جزاء توحيده ، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال ، وما يحِلّ بهم في العقبى من العذاب ، فهو خبر عمّن خرج عن حكم التوحيد ، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه ، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم
فـ(الحمد لله) توحيد ، (رب العالمين) توحيد ، (الرحمن الرحيم) توحيد ، (مالك يوم الدين) توحيد ، (إياك نعبد) توحيد ، (وإياك نستعين) توحيد ، (اهدنا الصراط المستقيم) توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد الذين أنعم الله عليهم ، (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) الذين فارقوا التوحيد ، ولذلك شهد الله لنفسه بهذا التوحيد ، وشَهِدَ له به ملائكتُه وأنبياؤه ورسله قال : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . اهـ .
وأما قول القائل : إن الأئمة الأربعة لم يُذكَر عنهم أنهم تكلّموا في العقيدة . فهذا دالّ على جهل القائل ، فإنه ما من إمام من أئمة أهل السنة إلا وله كلام في أصول الدِّين ، وفي مسائل العقيدة ، بل لهم مؤلّفات في إثبات العقيدة والردّ على المخالفين .
ومن أراد الوقوف مع كلام الأئمة وما نُقِل عنهم في مسائل العقيدة ، فليَرجِع إلى كتاب " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ، مِن الكتاب والسُّـنَّـة وإجماع الصحابة والتابعين مِن بعدِهم " تأليف : الإمام اللالكائي .
فإنه يَنقل عن الأئمة كثيراً ، بل قد يَنقل كُتُباً بأكملها في العقيدة . وقد نَقَل في الجزء الأول من كتابه المشار إليه : سياق ما روي عن المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها ، والوصية بحفظها قرنا بعد قرن .
ثم ساق اعتقاد السلف ، فقال : اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري رضي الله عنه – فذَكَر بعض ما روي عنه في العقيدة – اعتقاد أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي – وذَكَر بعض ما روي عنه في العقيدة – اعتقاد سفيان بن عيينة رضي الله عنه – وذَكَر بعض ما روي عنه في العقيدة – اعتقاد أحمد بن حنبل رضي الله عنه – وذَكَر بعض ما روي عنه في العقيدة – وقد نَقَل عنه قُرابة عشر صفحات من كلامه في العقيدة .
اعتقاد علي بن المديني ومن نقل عنه ممن أدركه من جماعة السلف – وذَكَر بعض ما روي عنه في العقيدة – اعتقاد أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي الفقيه رحمه الله . اعتقاد أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في جماعة من السلف الذين يروي عنهم .
اعتقاد أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ، وأبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازيين ، وجماعة من السلف ممن نقل عنهم رحمهم الله . اعتقاد سهل بن عبد الله التستري . اعتقاد أبي جعفر محمد بن جرير الطبري – ونَقَل عنه أكثر كتابه الْمُسمَّى : " صريح السنة " .
وهذا على سبيل المثال ، وإلاّ فإن الكتاب حافل بأقوال السلف ، والنقل عنهم في كثير من مسائل الاعتقاد .
ويُرجَع كذلك إلى الكُتُب التي سُمِّيَت بـ " السُّـنَّـة " مثل : كتاب " السُّـنَّـة " لعبد الله بن الإمام أحمد . وكتاب " السُّـنَّـة " لابن أبي عاصم . وغيرها من كُتُب العقيدة .
وقد أفرَد الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس عقائد بعض الأئمة ، وكلامهم في العقيدة بمؤلَّفَات خاصة ، وبين يدي كتاب " عقيدة إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله " ، ذَكَر فيه الدكتور عقيدة الإمام مالك في :
التوحيد
في القَدَر
في الإيمان
في الصحابة
في نَهْيِه عن الخصومات والأهواء والبِدع في الدِّين .
نَهيه عن الشِّرك ووسائله ..
ولا شك أن مَن دَعَـا إلى الرقائق فَحسب أنه لا يَدعو إلى الله على بصيرة . وأنه يُخالِف سُـنّـة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويُخالِف نهجَـه وهَديَـه ، بل يُخالِف طريقة الأنبياء والرُّسل عموما ، فإن الله ما أرسل من رسول إلى دعا إلى توحيد الله ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّة رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .
وكل نبي أمر أمَّـتـه بالتوحيد وإفراد الله بالعبادة ، كما قال عز وجلّ : (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرُهُ) قال ذلك على لسان نوح ، وعلى لسان هود ، وعلى لسان صالح ، وعلى لسان شُعيب ، عليهم الصلاة والسلام .
وهكذا .. فكل نبيّ دعا إلى توحيد الله .
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم دعا إلى التوحيد ثلاث عشرة سنة ، يدعو إلى التوحيد ، ولم يَدعُ إلى غيره من الشرائع والشعائر . فأنت ترى أن التوحيد هو محور الرسالات ، وعليه تدور رحى الإسلام ، كما يقول ابن القيم رحمه الله .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
|
|
|
|
|