الموضوع:
أحوال البرزخ ...
عرض مشاركة واحدة
أم سيف
عضو نشيط
رقم العضوية : 39
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 58
بمعدل : 0.01 يوميا
مشاركة رقم :
2
كاتب الموضوع :
أم سيف
المنتدى :
قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
تـآبع : أحوآل البرزخ ...
بتاريخ : 03-03-2010 الساعة : 08:36 AM
،
الاستعداد للحياة البرزخية
:
1 - إن من أيقن وآمن بأن القبر منزله وإن طالت به الحياة ، وأنه سوف يُسأل عن ربِّه ودينه ونبيِّه ، من آمن بذلك وجب عليه الاستعداد للسؤال ، بل ويُعدُّ للسؤال جواباً ، ولا بُدّ أن يكون الجواب صواباً ، ويظنّ بعض الناس أنه إذا كان يعرف الجواب في هذه الدنيا فسوف يُجيب على أسئلة المَلَكين ، وليس الأمر كذلك ، فإنهما ملكان عظيمان يَفزع لهول منظرهما من رآهما ، وكم من طالب دخل الامتحان وهو واثق من نفسه وأجوبته ثم أُصيب بقلق واضطراب أذهب عنه جميع المعلومات ، وهو يقف بين يدي بشر مثله ، ولذا قال الله عز وجل : (
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ
)
فليس التّثبيت لكل أحد بل هو للمؤمنين .
وقد جاء في حديث البراء - في شأن المؤمن - قال صلى الله عليه وسلم :
فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان له : وما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به ، وصدقت . فينادى مناد في السماء ان صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره . فالشاهد قوله : قرات كتاب الله فآمنت به وصدّقت .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربعة أذرع ؟ أقْبَلَ بك أهلك الذين كانوا لا يُحبون فراقك وجلساؤك وإخوانك فأطبقوا عليك الثنيات ، ثم أكثروا عليك التراب ، ثم تركوك بمثل ذلك ، ثم جاءك ملكان أسودان أزرقان جعدان أسماءهما منكر ونكير ، فأجلساك ثم سألاك : ما أنت ؟ أم على ماذا كنت ؟ ثم ماذا تقول في هذا ؟ فإن قلت : والله ما أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلته ، يقولان : والله لا دريت ولا نجوت ولا هديت ، وإن قلت : محمد رسول الله أنزل الله عليه كتابه فأجبت به وبما جاء به ، فقد والله نجوت وهديت ، ولم تستطع ذلك إلا بتثبيت من الله مع ما ترى من الشدة والخوف . رواه ابن أبي شيبة .
2 - الابتعاد عما يكون سبباً في عذاب القبر ، فقد مَرّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : أمَا إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله . رواه البخاري ومسلم .
فالنميمة من اسباب عذاب القبر ، وهي نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد وكذا عدم الاستتار من البول ، وعدم التّنزّه منه .
وهذه الأمور مما يتساهل فيها الناس ، ولذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : وما يُعذّبان في كبير ، ثم قال : بلى . أي إنه لكبير عند الله ، ولكنه ليس كذلك عند الناس .
ثم أخذ جريدة فشقّها باثنيتن ، ثم وضع على كل قبر واحدة ، ثم قال : لعلّه يُخفف عنهما ما لم ييبسا .
ومن أسباب عذاب القبر
نياحة الأحياء على الأموات ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
الميت يعذب في قبره بما نِيحَ عليه
. رواه البخاري ومسلم .
قال العلماء
: هذا إذا كان النَّوحُ من عادته ، أو من عادة أهله ، وكان يراهم ويعلم ذلك منهم حال حياته ، ولم يكن ينهاهم عن ذلك ، ولذا لما طعن عمر رضي الله عنه أغمي عليه ، فصيح عليه ، فلما أفاق قال :
أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت ليعذب ببكاء الحي
. رواه البخاري ومسلم .
3 - من الأمور التي يُستعدّ بها للحياة البرزخية : حفظ وتلاوة سورة تبارك ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر . رواه الحاكم وغيره ، وحسّنه الألباني .
ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ سورة تبارك وسورة السجدة ، كما في المسند والأدب المفرد للبخاري وسُنن النسائي ، وهو حديث صحيح .
4 - اتِّباع الجنائز وزيارة القبور ، فإنها تُذكّر بالآخرة ، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .
فإن المسلم إذا زار المقابر ، ورأى كثرة القبور ، وأنه لا فرق فيها بين غني وفقير ، وأمير ومأمور ، عَلِمَ أن الزاد لتلك الحُفَر هو العمل الصالح
.
يستوي في ضَرِيحِهِ عبدُ ارض وحُرِّها
- أي في المكان - .
وقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال - في المؤمن إذا وُضِعَ في قبره - قال : ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت تُوعد ، فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير فيقول : أنا عملك الصالح . رواه الإمام أحمد وغيره ، وقد تقدّمت الإشارة إليه
وفي المقابل فإن الكافر يأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث .
فَمَن علِمَ أن عملَه هو جليسُه في قبره حرص على إتقان العمل وتحسينه ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
5 - الحرص على أكل الحلال ، وتجنّب أكل الحرام من الربا والغش والتدليس في المعاملات وغيرها ، وقد أوصى جُندب بن عبد الله أصحابَه فقال :
إن أولَ ما
يُنْتِن من الإنسان بطنُه ، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل
. رواه البخاري
6 - الاجتهاد في إخلاص العملِ لله سبحانه ، فإن العمل الصالح لا ينفع صاحبه إلا إذا كان خالصاً لله ، وإلا فإنه يخونه أحوج ما يكون إليه .
7 - تربية الأولاد التربية الإيمانية ، فإن الولد الصالح مما ينفع والديه حتى بعد موتهما ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث - وذكر منها - : أو ولد صالح يدعو له
. رواه مسلم .
8 - إذا مررت بالقبور فتذكّر حُفرتَك ، وقد كان السَّلف إذا رأوا الظُّلمَة تذكّروا ظُلمَة القبور ، وكان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ، فيقال له : قد تَذْكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟ فيقول :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن : القبر أول منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه
. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه .
قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - :
من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبارُ يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوما راغما جدثا
في قعر مظلمة غبراء موحشة يطيل في قعرها تحت الثرى اللَّبَثَا
تجهزي بجهاز تبلغين به يا نفس قبل الرّدى لم تُخلقِي عبثا
9 - أن مَن سكن القبور فإن مآله إلى البعث والنشور .
سَمِعَ أعرابيٌّ قارئاً يقرأ : (
ألهاكم التّكاثر حتى زرتم المقابر
)، فقال : بعثٌ وربّ الكعبة . لأنه لا بد للزائر أن يرتحل .
أخيراً
:
هل تفكّرت ما مصيرك بعد الموت ؟
الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعرى بعد الباب ما الدار
الدار جنة عدن إن عملت بما يُرضي إلإله وإن خالفت فالنار
وقد قيل :
اتفرح والمنية كل يوم تُريك مكان قبرك في القبور
هي الدنيا وإن سرتك يوما فإن الحزن عاقبة السرور
هل أنت مُستعدٌّ لتلك الخمسة الأشبار ؟
ألم تسمع أماني المفرطين عندما يقفون بين يدي رب العالمين ؟
قال الله جل جلاله عن أمنية المفرّط : (
يَوْمَئِذ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
)
وقبل الختام : تنبيه
حُرمة الميت في قبره :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كسر عظم الميت ، ككسره حيا
. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم ، وهو حديث صحيح .
ومما يقع فيه بعض الناس ، ويدخل في هذا الباب :
أولاً
: الجلوس على القبور : لا تُصلُّوا، وهذا لا شك أن فيه انتهاكاً لحُرمةِ المقبور . وقد قال رسول الله إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها . رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : لأن يجلس أحدكم على جمرة فتُحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس ( وفي رواية أو يطأ ) على قبر . رواه مسلم .
ثانياً
: المشي بالنِّعال بين القبور ، وهذا كثير لمن تأمّله ، وقد رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يمشي بنعليه بين القبور ، فقال : يا صاحب السبتيَّتين ألقهما ، فنظر الرجل ، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فَرَمَى بهما .
قال عبد الرحمن بن مهدى : كنت أكون مع عبد الله بن عثمان في الجنائر فلما بلغ المقابر حدثته بهذا الحديث ، فقال : حديث جيد ، ورجل ثقة ، ثم خلع نعليه ، فمشى بين القبور .
وقد ورد الوعيد الشديد على المشي على القبور ، فقال عليه الصلاة والسلام : لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحبُّ إليّ من أن أمشي على قبر مسلم ، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق . رواه ابن ماجه بسند صحيح .
وقد كان ذِكر الآخرة ومنازلِها كثير في خُطب سلف هذه الأمة .
خطب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليُزِيح به علّتكم ، وليوقظ به غفلتكم ، واعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت ، وموقفون على أعمالكم ومَجْزِيُّون بها ، فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ، فإنها دار بالبلاء محفوفة ، وبالفناء معروفة ، وبالغدر موصوفة ، وكل ما فيها إلى زوال ، وهي بين أهلها دول وسجال ، لا تدوم أهوالها ، ولن يسلم من شرها نُزّالها ، بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور ، أحوال مختلفة وتارات متصرّفة ، العيش فيها مذموم ، والرخاء فيها لا يدوم ، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدَفة ، ترميهم بسهامها ، وتقصمهم حمامها ، وكلٌّ حتفه فيها مقدور ، وحظه فيها موفور ، واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا ، وأشدّ منكم بطشا ، وأعمرُ ديارا ، وأبعد آثارا ، فأصْبَحَتْ أموالهم هامدة من بعد نُقْلَتِهم ، وأجسادهم بالية ، وديارهم خالية ، وآثارهم عافية ، فاستَبْدَلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار في القبور التي قد بُني على الخراب فناؤها ، وشُيِّد بالتراب بناؤها ، فمحَلّها مقترِب ، وساكنها مغترِب بين أهل عمارة مُوحشين ، وأهل محلة متشاغلين ، لا يستأنسون بالعمران ، ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان على ما بينهم من قُرْب الجوار ، ودُنوّ الدار ، وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البِلى ؟ وأظلتهم الجنادل والثرى ؟ فأصبحوا بعد الحياة أمواتا ، وبعد غضارة العيش رُفاتا ، فُجِع بهم الأحباب ، وسَكَنُوا التراب ، وظعنوا فليس لهم إياب ، هيهات هيهات ، كلا إنها كلمة ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ، وكأنْ قد صِرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى ،
وارتُهِنتم في ذلك المضجع ، وضمّكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور ؟ وبُعثرت القبور ، وحُصِّل ما في الصدور ، ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل ، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب ، وهُتكت عنكم الحجب والأستار ، وظهرت منكم العيوب والأسرار ، هنالك تُجزى كل نفس بما كسبت . اهـ .
وشيع عليٌّ رضي الله عنه جنازة فلما وُضِعت في لحدها عجّ أهلها وبَكوها ، فقال : ما
تبكون ؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لأذهلتهم معاينتهم عن ميِّتهم
.
اللهم يامن يعلم السرَّ وأخفى ، يا كاشف الضرِّ مع البلوى ، ارحمنا إذا أُودعنا في الألحاد ، ونسِيَنا الأصحاب والعُوّاد ، وثبّتنا بالقول الثابت .
_ _ _ _ _ _ _
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عـضـو مـركـز الـدعـوة والإرشـاد بـالـريــاض
أم سيف
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى أم سيف
زيارة موقع أم سيف المفضل
البحث عن المشاركات التي كتبها أم سيف
البحث عن جميع مواضيع أم سيف