عرض مشاركة واحدة

عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.64 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : أمّ عبد اللّه المنتدى : قسم القـرآن وعلـومه
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-03-2010 الساعة : 09:15 AM

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .

ليس في الآية ما يقتضي وُجوب الرَّضاع على الأم ، وجُمهور المفسِّرين على أنها في الْمُطَلَّقَات .

قال البغوي في تفسيره : قوله تعالى : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ) يعني : الْمُطَلَّقات اللاتي لهن أولاد مِن أزواجهن . (يُرْضِعْنَ) خبر بمعنى الأمر ، وهو أمْر استحباب لا أمْر إيجاب ، لأنه لا يَجِب عليهن الإرضاع إذا كان يُوجد مَن تُرْضِع الولد ، لقوله تعالى في سورة الطلاق : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فإن رَغِبَت الأم في الإرضاع فهي أَوْلَى مِن غيرها . (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) ، أي : سَنَتَين ، وذِكْر الكَمَال للتأكيد ، كقوله تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) .
ثم نَقَل البغوي عن قتادة قوله : فَرَض الله على الوالدات إرضاع حَولين كَامِلين ، ثم أنْزَل التخفيف ، فقال : (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) ، أي : هذا مُنْتَهى الرَّضَاعة ، وليس فيها دون ذلك حَدّ مَحْدُود ، وإنما هو على مقدار صلاح الصبي ، وما يَعِيش به . اهـ .

وقال ابن جُزيّ : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ) خَبر بِمعنى الأمْر ، وتقتضي الآية حُكْمَين :
الْحُكْم الأول : مَن يُرْضِع الولد ؟ فمذهب مالك أن المرأة يجب عليها إرضاع ولدها ما دامت في عِصْمة وَالِده إلاّ أن تكون شَريفة لا يُرْضِع مَثْلها ، فلا يلزمها ذلك ، وإن كان والده قد مات وليس للوَلَد مال لَزِمَها رَضَاعه في المشهور . وقيل : أُجْرَة رَضَاعه على بيت المال . وإن كانت مُطَلَّقة بَائِن لم يَلْزَمها رَضاعه ، لقوله تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) إلاَّ أن تَشَاء هي فهي أحقّ به بأُجْرَة الْمَثِل ، فإن لم يَقْبَل غَيرها وَجَب عليها إرضاعه . ومذهب الشافعي وأبي حنيفة : أنها لا يَلْزَمها إرضاعه أصلاً ، والأمر في هذه الآية عندهما على الندب . وقال أبو ثور : يَلْزَمها على الإطلاق لِظَاهر الآية ، وحَمَلَها على الوجوب . وأما مالك فَحَمَلها في مَوضع على الوُجوب ، وفي مَوْضِع على الندب ، وفي موضع على التخيير .
الْحُكْم الثاني : مُدّة الرضاع : وقد ذكرها في قوله : (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) وإنما وَصَفهما بِكَامِلَين لأنه يجوز أن يُقَال في حَول وبعض آخر : حَوْلَين ، فَرَفَع ذلك الاحتمال ، وأباح الفطام قبل تمام الْحَوْلَين ، بقوله تعالى : (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) ، واشْتَرط أن يكون الفطام عن تَرَاضي الأبوين بقوله : (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا) الآية ، فإن لم يكن على الوَلَد ضَرَر في الفِطَام فلا جُنَاح عليهما . اهـ .

وقال القرطبي : لَمَّا ذَكَر الله سبحانه النكاح والطلاق ذَكَر الوَلَد ، لأن الزوجين قد يَفترقان وثَمّ وَلَد ، فالآية إذًا في الْمُطَلَّقَات اللاتي لهنّ أولاد مِن أزواجهن .
وقال : (يُرْضِعْنَ) خَبَر معناه الأمْر على الوجوب لِبَعض الوَالِدات ، وعلى جِهة النَّدْب لِبَعْضِهن .
وقال : اختلف الناس في الرضاع : هل هو حقّ للام ، أو هو حق عليها ؟ واللفظ مُحْتَمَل ، لأنه لو أراد التصريح بكونه عليها لقال : وعلى الوالدات رَضاع أولادهن ، كما قال تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ) ، ولكن هو عليها في حَال الزَّوْجِيَّة ، وهو عُرْف يَلْزم إذ قد صار كّالشَّرْط ، إلاّ أن تكون شريفة ذات تَرَفّه فَعُرْفُها ألاَّ تُرْضِع ، وذلك كَالشَّرْط .
وعليها إن لم يَقْبَل الوَلد غيرها واجِب .
وهو عليها إذا عُدِم لاختصاصها به ...
وأما الْمُطَلَّقة طلاق بَيْنُونة فلا رَضاع عليها ، والرَّضاع على الزوج إلاَّ أن تشاء هي ، فهي أحقّ بِأُجَْرة الْمِثْل ، هذا مع يُسْر الزوج ، فإن كان مُعْدِما لم يَلزمها الرّضاع إلاّ أن يَكون المولود لا يَقْبل غيرها ، فَتُجْبَر حينئذ على الإرضاع .
وقوله تعالى : (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) دليل على أن إرضاع الْحَوْلَين ليس حَتْمًا ، فإنه يجوز الفِطام قبل الْحَوْلَين ، ولكنه تَحْدِيد لِقَطع التنازع بين الزوجين في مُدّة الرّضاع ، فلا يَجب على الزوج إعطاء الأجْرَة لأكثر مِن حَوْلَين .
وإن أراد الأب الفَطْم قبل هذه المدة ولم تَرْض الأم لم يكن له ذلك .
والزيادة على الْحَوْلَين أو النقصان إنما يكون عند عدم الإضرار بِالْمَوْلُود ، وعند رضا الوالدين . اهـ .

وقال ابن كثير : هذا إرشاد مِن الله تعالى للوَالِدات : أن يُرْضِعن أولادهن كَمَال الرَّضَاعة ، وهي سَنَتَان ، فلا اعتبار بِالرَّّضاعة بعد ذلك ؛ ولهذا قال : (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) . وذَهَب أكثر الأئمة إلى أنه لا يَحْرُم مِن الرضاعة إلاّ ما كان دون الْحَوْلَين ، فلو ارْتَضَع الْمَوْلُود وعُمْره فَوقهما لم يُحَرِّم . اهـ .

وقال ابن عاشور في تفسيره : وقد جَعَل الله الرضاع حَولين رَعْيًا لِكونهما أقصى مُدّة يحتاج فيها الطفل للرَّضاع إذا عَرض له ما اقتضى زيادة إرضاعه ، فأما بَعد الْحَوْلَين فليس في نمائه ما يصلح له الرضاع بعدُ ... وقد كانت الأمم في عصور قِلّة التجربة وانعدام الأطباء ، لا يَهْتَدُون إلى ما يَقُوم للطفل مَقام الرَّضاع ؛ لأنهم كانوا إذا فَطَمُوه أعْطَوه الطعام ، فكانت أمْزِجة بعض الأطفال بِحَاجة إلى تَطويل الرَّضاع ، لِعَدم القُدْرة على هَضْم الطعام ، وهذه عوارض تختلف . وفي عصرنا أصبح الأطباء يَعتاضُون لبعض الصبيان بالإرضاع الصناعي ، وهم مع ذلك مُجْمِعُون على أنه لا أصْلَح للصبي مِن لَبن أمِّـه ، ما لم تكن بها عاهةَ ، أو كان اللبن غير مُسْتَوف الأجزاء التي بها تمام تغذية أجزاء بَدَن الطفل ، ولأن الإرضاع الصناعي يحتاج إلى فَرْط حَذَر في سلامة اللبن مِن العُفونة : في قوامه وإنائه . وبلاد العرب شديدة الحرارة في غالب السَّنَّة ؛ ولم يكونوا يُحْسِنُون حِفظ أطعمتهم مِن التعفن بِالْمُكْث ، فَرُبّما كان فِطام الأبناء في العام أو ما يقرب منه يَجُرّ مَضَار للرُّضَعاء ، وللأمزجة في ذلك تأثير أيضا . اهـ .

والله تعالى أعلم .

رد مع اقتباس