الموضوع:
الحديث الـ 248 في التقديم والتأخير في أعمال يَوم النّحْر
عرض مشاركة واحدة
راجية العفو
الهيئـة الإداريـة
رقم العضوية : 13
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 4,421
بمعدل : 0.79 يوميا
مشاركة رقم :
1
المنتدى :
شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث الـ 248 في التقديم والتأخير في أعمال يَوم النّحْر
بتاريخ : 13-03-2010 الساعة : 11:39 PM
الحديث الـ 248 في التقديم والتأخير في أعمال يَوم النّحْر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرو رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ . فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ. فَقَالَ رَجُلٌ : لَمْ أَشْعُرْ ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ ؟ قَالَ : اذْبَحْ وَلا حَرَجَ . وَجَاءَ آخَرُ ، فَقَالَ : لَمْ أَشْعُرْ ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ ؟ قَالَ : ارْمِ وَلا حَرَجَ . فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلاَّ قَالَ : افْعَلْ وَلا حَرَجَ.
فيه مسائل :
1= التيسير والتوسعة على الناس فيما لهم فيه سَعَة
، ما لم يتوسّع الناس في أمر مِن الأمور الْمُوسَّع لهم فيها فيُؤخذون حينئذ بالشِّدَّة من باب السياسة الشرعية .
ومن أمثلته : مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم الصيام بأصحابه ، كالْمُنكِّل بهم . كما في الصحيحين .
وأخذ عُمر رضي الله عنه الناس في مسألة الطلاق بالثلاث ، لَمّا توسّع الناس فيها .
2=
في رواية في الصحيحين : " وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ " .
وعندهما : " بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ " .
وفي رواية للبخاري : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَهُوَ يُسْأَلُ .
وفي رواية للبخاري : " أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ " .
3= هذه الخطبة من أجل تعليم الناس
، وليست خُطبة راتبة مثل خُطبته يوم عرفة ، وليست خُطبة للعيد ؛ لأن الحجاج لا يُخاطبون بِصلاة العيد .
فَـمعنى " يَخَطَب " هنا ، تُفسِّره الروايات الأخرى : " وَقَف " .
ولعله : وقف للناس يسألونه ، فلما كَثُرَ السؤال خَطَب الناس لتعليمهم بِعامّة .
قال النووي : قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قَالَ بَعْضهمْ : الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ مَوْقِف وَاحِد ، وَمَعْنَى خَطَبَ : عَلَّمَهُمْ . قَالَ الْقَاضِي : وَيُحْتَمَل أَنَّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدهمَا : وَقَفَ عَلَى رَاحِلَته عِنْد الْجَمْرَة ، وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا : خَطَبَ ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ وَقَفَ وَسُئِلَ ، وَالثَّانِي : بَعْد صَلاة الظُّهْر يَوْم النَّحْر وَقَفَ لِلْخُطْبَةِ فَخَطَبَ ، وَهِيَ إِحْدَى خُطَب الْحَجّ الْمَشْرُوعَة يُعَلِّمهُمْ فِيهَا مَا بَيْن أَيْدِيهمْ مِنْ الْمَنَاسِك . هَذَا كَلام الْقَاضِي ، وَهَذَا الاحْتِمَال الثَّانِي هُوَ الصَّوَاب . اهـ .
4= التقديم والتأخير شامل لجميع أعمال يوم النحر
، ففي رواية في الصحيحين : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ : كُنْتُ أَحْسِبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا - لِهَؤُلاءِ الثَّلاثِ - فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : افْعَلْ وَلا حَرَجَ . لَهُنَّ كُلِّهِنَّ يَوْمَئِذٍ - فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ قَالَ : افْعَلْ وَلا حَرَجَ .
وفي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ : ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ ، قَالَ : وَلاَ حَرَجَ . قَالَ : حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: وَلاَ حَرَجَ . رواه البخاري .
5= الأصل في أعمال يوم النحر أنها تُرتّب على النحو التالي :
رمي جمرة العقبة ، ثم النَّحْر – لِمن كان له هدي – ، ثم الْحَلْق أو التقصير ، ثم طواف الإفاضة .
ففي حديث أنس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى مِنًى ، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاّقِ : خُذْ ، وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَن ثُمَّ الأَيْسَر ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ . رواه مسلم .
قال النووي : السُّنَّة تَرْتِيبهَا هَكَذَا . رَمْي جَمْرَة الْعَقَبَة ، ثُمَّ الذَّبْح ، ثُمَّ الْحَلْق ، ثُمَّ طَوَاف الإِفَاضَة .
6=
قصر بعض العلماء التقديم والتأخير على الْحَلْق والنحر ، أيهما قدّم فلا حرج .
ويَرُدّه قول راوي الحديث : فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلاَّ قَالَ : افْعَلْ وَلا حَرَجَ .
والعبرة بِعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
وحَمَله بعضهم على حال السهو ، عملاً بِرواية : " لم أشعر " .
وهذا أيضا يَرُدّه جوابه عليه الصلاة والسلام ؛ لأن جوابه عامّ لكل أحد ، ولم يُقصر رفع الحرج عن الناسي فحسب ؛ لأن الناسي أصلا مرفوع عنه الحرج ، كما في قوله تعالى : (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ، وكما في قوله عليه الصلاة والسلام : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استُكرهوا عليه . رواه ابن حبان والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين .
7=
اخْتَلَف العلماء في تقديم السعي على الطواف ، فالجمهور على أن السعي لا بُدّ أن يسبقه طواف .
واختار جَمْع من أهل العلم جواز تقديم السعي على الطواف ، لِحديث أسامة بن شَريك رضي الله عنه قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجًّا ، فكان الناس يأتونه، فمن قال : يا رسول الله ، سَعيت قبل أن أطوف، أو قَدّمت شيئا ، أو أخَّرت شيئا ، فكان يقول : لا حَرَج لا حَرَج . رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قال النووي : رواه أبو داود بإسناد صحيح ،كل رجاله رجال الصحيحين إلاَّ أسامة بن شَريك الصحابي . اهـ .
وقد ذَكَر ابن حزم هذا الحديث ، ثم قال : فأخذ بهذا جمهور من السلف . ثم ذَكَر من قال به .
وهذا الحديث تأوّله جمهور العلماء على مَن سعى بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة .
وهذا التأويل ضعيف ؛ لأنه تحكّم بِلا دليل .
وبعض أهل العلم قال : إن السؤال عن تقديم السعي على الطواف ليس بِمحفوظ .
وهذا لا دليل عليه ، وصِحّة الإسناد قاضية على هذا الاحتمال .
وقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة هذا السؤال :
معتمر لم يَدْرِ فَسَعى قبل أن يطوف ، فهل عليه بعد إعادة الطواف أن يسعى ثانية ؟
فأجابت اللجنة :
ليس عليه إعادة السعي ؛ لِمَا رَوى أبو داود في سننه بإسناد صحيح إلى أسامة بن شَريك قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجًا، فكان الناس يأتونه ، فمن قائل : يا رسول الله سَعيت قبل أن أطوف، أو قَدَّمت شيئًا وأخّرت شيئًا ، فكان يقول : لا حرج ، لا حرج . اهـ .
والذي يظهر التوسّط في المسألة بين القولين :
فلا يُقال باشتراط الطواف قبل السعي في كل حال ، ولا بِجوازه في كل حال .
وذلك بأن يُقال : من سعَى في الحج من غير طواف جاز وأجزأ ، لأن القَارِن والمفْرِد له أن يسعى بعد طواف القُدُوم ، وطواف القدوم في حقّهما سُـنَّـة .
وأما بالنسبة للعُمرة فإن السعي لا بُدّ أن يتقدّمه طواف ؛ لأن السؤال عن التقديم والتأخير لم يقع في شأن أعمال العمرة ، وإنما وقع في أعمال الحج .
8=
الحكمة في ذلك : التوسعة على الناس ، ورفع الحرج عن الأمة . وهذا يُقتصر فيه على النصّ ، إذ لا يُستفاد من هذه الأحاديث تعميم قوله : " افعل ولا حرج " في كل شيء ؛ لأن الإجماع مُنعقد على أن الحاج لو قدَّم طواف الإفاضة على وقوف عرفة لم يُجزئه . وكذلك لو قدّم وقوف عرفة قبل يوم عرفة ، أو قدّم المبيت بِمزدلفة قبلها بليلة ، أو أخّرَه بعدها بِليلة ، لم يصحّ منه .
فلهذا لا يصح القول بإطلاق " افعل ولا حرج " إلاّ على أعمال يوم النحر ، وما ليس مِن شرطِه الترتيب .
9 = لو أخَلّ بترتيب رمي الجمرات
، كأن يُقدِّم الوسطى أو الكبرى على الصغرى . أو : يبدأ بالكبرى ثم الوسطى ثم الصغرى في أيام منى .
رخّص فيها بعض السلف فيمن وقع منه من غير تعمّد .
قال ابن حزم في المحلّى : ومن طريق الحذافي نا عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء : في من رمى الجمرة الوسطى قبل الأولى قال : يرمي التي ترك وأجزأه .
وعطاء كان أعلم الناس بالمناسك .
روى يعقوب بن سُفيان عن سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان أخبرني أبي قال : أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحا يَصيح : لا يُفتي الناس إلاَّ عطاء بن أبي رباح ، وإن لم يكن عطاء فعبد الله ابن أبي نجيح .
والله تعالى أعلم .
شرح فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
راجية العفو
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى راجية العفو
البحث عن المشاركات التي كتبها راجية العفو
البحث عن جميع مواضيع راجية العفو