السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ السحيم أشهد الله أني أحبك في الله وجزاك الله خير وبارك فيك و أسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتك
قرأت موضوع عن مشاهير النباتيين كفيثاغورث و اينشتاين و غاندي و الكاتب أنيس منصور وغيرهم ، به آرائهم بخصوص عدم أكل اللحوم أو منتجاتها كالألبان والبيض وغيره بدعوى أنها تسبب أمراض أو أنها غير ضرورية ، والمشكلة أنه عند نقاش صاحب الموضوع عن ضرورة أكل اللحوم دافع باستماتة واقتناع تام عن عدم ذبح الحيوانات أو أكل لحومها وذلك رحمة بها .
وما أعرفه أن الذبح قربة إلى الله عز وجل، كيوم الأضحى أو ذبح العقيقة وأن هذه العبادة مأمورين بها ، وأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذبح بيده الشريفة .
*فما حكم القول بأن أكل اللحوم هو إجرام بحق الحيوان .
*و ما الضرر إذا كان هناك أقوال أطباء و أدباء من أديان أخرى وحضارات أخرى لهم خبرات في النظام الغذائي النباتي بأن نأخذ برأيهم ؟
*و بماذا نسمي المظالم البشعة بحق الحيوانات في كل يوم وفي كل ساعة في كل البلدان هل ما يحدث حق ؟ مثل سجن الدجاج طوال حياتها في الأقفاص !
أرجو من فضيلتكم الإجابة باستفاضة حتى تعم الفائدة لنا إن شاء الله وجزاك الله خير

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
وأحبّك الله الذي أحببتني فيه .
كثير ممن يُناقشون مثل تلك الموضوعات ، لا يُناقشون عن قناعة ، بل عن تقليد وحُبّ مُخالَفَة ! من باب " خالِف تُعْرَف " !
ومشكلة بعض الناس عندما يُناقش يُلغي عقله في مقابِل عقول الآخرين ، والأدهى إذا كان يُلغي عقله أمام عقول كَفَرة أكَل عليهم الدهر وشَرِب !
وبعض الناس يُناقش في بعض الموضوعات ، ولا يحسب لكلامه أدنى حساب ، ولا يَعِي ما يترتّب على قوله .
وذلك القول ساقِط ، وتلك الفكرة ساذجة ، أعني : القول بِعَدم ذبح الحيوانات أو أكل لحومها ، والزعم بأن ذلك رحمة بها ؛ لأن الله عزّ وَجَلّ هو الذي خَلَق لنا بهيمة الأنعام ، وهو الذي شَرَع ذبحها ، وأحلذ لنا أكلها .
قال تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) ، وقال عزّ وَجَلّ عن الهدي والأضاحي : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) .
وقال تبارك وتعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) .
ومِن نعمة الله أن سخّر تلك الأنعام لِعباده ، وأحلّها لهم ليأكلوا منها .
قال جَلَّ جَلاله : (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
وتحريم أكل اللحوم تَشَبّه بالمشركين الذين يُحرِّمون الطيبات !
قال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) .
وترك أكْل اللحم خِلاف سُنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو رغبة عنها ، ومَن رِغِب عَنْ سُنَّتِه صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ مِنه .
ففي حديث أنس رضي الله عنه : أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ آكُلُ اللَّحْمَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ . فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ . فَقَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا ؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي . رواه البخاري ومسلم ، واللفظ لمسلم .
والزعم بأن ذَبْح الحيوان لأكله وحشية أو عدم رحمة ، زعم باطِل ؛ لعدة أسباب :
الأول : أن الله عزّ وَجَلّ أرحم بالْخَلْق مِن أمهاتهم ، وهو الذي شَرَع لَنا ذَبْح الحيوان المأكول .
الثاني : أن أرحم الْخَلْق صلى الله عليه وسلم ذَبَح بيده الشريفة .
قال أنس رضي الله عنه : ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ . رواه البخاري ومسلم .
وقد نَحَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِيدِه الشريفة في حجة الوداع ثلاثا وسِتين مِن الإبل ، وهو امتثال لأمر الله القائل في مُحكم التنزيل : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) .
ففي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما في صِفة حجة الوداع : ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ ، فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ ، فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا ، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا . رواه مسلم .
الثالث : أن الإسلام جاء بِحَدّ الشّفرة وإراحة الذبيحة .
قال عليه الصلاة والسلام : إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة ، وإذا ذبحتم فأحْسِنُوا الذَّبح ، ولْيُحِدّ أحدكم شَفْرَته ، فَلْيُرِح ذَبِيحته . رواه مسلم .
ويُنظَر شرح هذا الحديث في جامع العلوم والْحِكَم لابن رَجَب رحمه الله .
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها ، أو قال : إني لأرحم الشاة إن أذبحها ، فقال : والشاة إن رحمتها رحمك الله . رواه الإمام أحمد . وصححه الألباني والأرنؤوط .
الرابع : أن الزاعم لذلك الزعم والْمُدِّعي له يتّهم دِين الله عزّ وَجَلّ ، ويتّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .
وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك ، وهو الموصوف بالرحمة والرأفة .
وهل يُراد لنا أن نترك قول مَن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم لأقوال فلاسفة الكفرة ؟
بل يُراد لنا أن نترك ما أحلّ الله لنا بِدعوى أن " هناك أقوال أطباء وأدباء من أديان أخرى وحضارات أخرى لهم خبرات في النظام الغذائي النباتي .. نأخذ برأيهم " !
الله عزّ وَجَلّ هو خالِق هذه النفس ، وهو أعلم بِما يُصلحها .
قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) .
فما أحلّ الله أكله ، فهو نافع ، وما حرّمه الله ، فهو ضارّ .
وقد أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم اللحوم .
فأكل لحم الإبل ، كما في حديث جابر ، وقد تقدّم .
وأكَل لحم الدجاج .
وأكل لَحم الحوت ، ففي قصة سريّة أبي عبيدة رضي الله عنه : وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا ؟ قَالَ : فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ . رواه مسلم .
قال ابن القيم رحمه الله : كان هديُه صلى الله عليه وسلم، وسيرتُه في الطعام ، لا يردُّ موجودًا ، ولا يَتَكَلَّف مَفقودًا ، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ مِن الطيبات إلاّ أكَلَه ، إلاَّ أن تَعافَه نفسُه ، فيتركَه مِن غير تحريم ، وما عَاب طعاما قطُّ ، إن اشتهاه أكله ، وإلاَّ تَرَكه ، كما تَرَك أكل الضَّبِّ لَمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ، ولم يُحَرِّمه على الأُمَّة ، بل أُكِلَ على مائدته وهو ينظر .
وأكل الحلوى والعسل ، وكان يُحبهما ، وأكل لحم الجزور ، والضأن ، والدجاج ، ولحم الْحُبارى ، ولحم حِمار الوحش ، والأرنب ، وطعام البحر ، وأكل الشِّواء ، وأكل الرُّطبَ والتمرَ، وشَرِب اللبنَ خالصًا ومَشُوبًا ، والسَّويق ، والعَسل بالماء ، وشَرِب نَقيع التمر ، وأكل الخَزِيرَة ، وهي حَسَاء يُتَّخَذ مِن اللبن والدقيق ، وأكل القِثَّاء بالرُّطَبِ ، وأكل الأَقِطَ ، وأكل التمر بالخبز ، وأكل الخبز بالْخَلّ ، وأكل الثريد ، وهو الخبز باللحم ، وأكل الخبز بالإِهالة ، وهى الوَدَك ، وهو الشحم الْمُذَاب ، وأكل مِن الكَبِدِ المَشوِيَّةِ ، وأكل القَدِيد ، وأكلَ الدُّبَّاء المطبوخةَ، وكان يُحبُّها ، وأكلَ المسلُوقةَ ، وأكلَ الثريدَ بالسَّمْن ، وأكلَ الجُبنَ ، وأكلَ الخبز بالزيت ، وأكل البطيخ بالرُّطَبِ ، وأكل التمر بِالزُّبْدِ ، وكان يُحِبه ، ولم يكن يَردُّ طَيِّبًا ، ولا يَتَكَلّفه . اهـ .
نعم قد يُقال : الإكثار من الشيء يَضُرّ ، وهذا له أصل في قوله عليه الصلاة والسلام : ما ملأ ابن آدم وِعاء شَرًّا مِن بَطنه ، حَسْب ابن آدم أكلات يُقِمْن صُلْبه ، فإن كان لا محالة ؛ فَثُلُث طعام ، وثُلث شَرَاب ، وثلث لِنَفَسِه . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني .
وله أصل في قوله عليه الصلاة والسلام : وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ .
قال النووي : ومعناه أن نبات الربيع وخضره يقتل حَبَطا بالتخمة لكثرة الأكل أو يُقارِب القَتْل إلاّ إذا اقْتُصِر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة ، وتحصل به الكفاية المقتصدة ، فإنه لا يَضُرّ . اهـ .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد