|
|
المنتدى :
قسـم السنـة النبويـة
ما صحة الحديثين (رحم الله امرءا جب الغيبة عن نفسه) و (أنزلوا الناس منازلهم) ؟
بتاريخ : 18-09-2015 الساعة : 02:14 PM
ما صحة في هذين الحديثين التاليين :
(رحم الله امرءا جب الغيبة عن نفسه)
(أنزلوا الناس منازلهم)

الجواب :
الأول : ليس بحديث ، ومعناه صحيح ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا مَرّ به رجُلان ، فسَلّما عليه ، ثم أسرعا ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين صفية رضي الله عنها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رِسْلِكما ! إنها صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله يا رسول الله ! قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يَقْذِف في قلوبكما سُوءا، أو قال شيئا . رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : أراد عليه الصلاة والسلام أنْ يُعَلِّم أمّته الـتَّبَرِّي مِن التُّهْمَة في مَحِلّها .
قال ابن حجر في شرح هذا الحديث : وَفِيهِ التَّحَرُّزُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِسُوءِ الظَّنِّ ، وَالاحْتِفَاظُ مِنْ كَيَدِ الشَّيْطَان والاعتذار . قَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ : وَهَذَا مُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ ، فَلا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلا يُوجِبُ سُوءَ الظَّنِّ بِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ مَخْلَصٌ ؛ لأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ إِلَى إِبْطَالِ الانْتِفَاعِ بِعِلْمِهِمْ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجْهَ الْحُكْمِ إِذَا كَانَ خَافِيًا ، نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ . وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ يَتَظَاهَرُ بِمَظَاهِرِ السُّوءِ وَيَعْتَذِرُ بِأَنَّهُ يُجَرِّبُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَقَدْ عَظُمَ الْبَلاءُ بِهَذَا الصِّنْفِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ .
وهو مِن باب طَلَب السلامة والبراءة للدِّين والعِرْض .
قال عليه الصلاة والسلام : الْحَلالُ بَيِّنٌ ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ ، وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ .
ومعنى " استبرأ لدِينِه وعِرضِه " : أي طلب البراءة والسلامة لِدِينِه وعِرضِه .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
ورأى عُمَر رضي الله عنه على طلحة ثوبًا مصبوغا ، وطلحة مُحْرِم ، فقال له عُمر : ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ فقال طلحة : يا أمير المؤمنين إنما هو مَدَر ، فقال عُمر : إنكم أيها الرهط أئمة يَقْتَدِي بكم الناس ، فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال : إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب الْمُصَبَّغة في الإحرام ! فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا مِن هذه الثياب الْمُصَبَّغة. رواه الإمام مالك في الموطأ .
والْمَدَر هو الطّين .
وقال عمر رضي الله عنه : من تعرّض للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن .
وقال شيخنا الشيخ ابن عثيمين في فوائد آية الدَّين مِن سورة البقرة :
ومن فوائد الآية : أنه ينبغي للإنسان أن يتجنّب كل ما يكون له فيه ارتياب وشك ؛ لقوله تعالى: (وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا) .
ويتفرع على هذه الفائدة : أن دين الإسلام يُريد من مُعتنقيه أن يكونوا دائماً على اطمئنان وسكون .
ويتفرع أيضاً منها : أن دِين الإسلام يُحارب ما يكون فيه القلق الفكري ، أو النفسي ؛ لأن الارتياب يُوجب قلق الإنسان واضطرابه .
ويتفرع عليه أيضا : أنه ينبغي للإنسان إذا وقع في محلّ قد يُستراب منه أن ينفي عن نفسه ذلك ؛ وربما يؤيد هذا الأثرُ المشهور: رحم الله امرئ كفّ الغيبة عن نفسه .
لا تَقل : إن الناس يحسنون الظن بي ، ولن يَرتابوا في أمْرِي ؛ لا تَقل هكذا ؛ لأن الشيطان يجري مِن ابن آدم مَجرى الدم ، فربما لا يزال يوسوس في صدور الناس حتى يَتَّهِمُوك بما أنت منه بريء . اهـ .
.............
وأما حديث " أنزلوا الناس منازلهم " فهو حديث ضعيف .
قال الإمام مسلم في مقدّمة صحيحه : وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ .
قال النووي : فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته ، وبالنظر إلى أنه احتج به وأوْرَده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد يقتضى حكمه بِصحته ، ومع ذلك فقد حَكَم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه " كتاب معرفة علوم الحديث " بِصِحّته ، وأخرجه أبو داود في سننه بإسناده منفردا به ، وذَكَر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب ولم يُدركها . قال الشيخ : وفيما قاله أبو داود نظر ، فإنه كوفي متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة ، ومات المغيرة قبل عائشة ، وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي كافٍ في ثبوت الإدراك ، فلو وَرَد عن ميمون أنه قال لم ألْقَ عائشة استقام لأبي داود الجزم بعدم إدراكه ، وهيهات ذلك . هذا آخر كلام الشيخ . قلت : وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده ، وقال : هذا الحديث لا يُعلم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ مِن هذا الوجه ، وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا . والله أعلم . اهـ .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني .
ومعناه صحيح في الجملة .
قال النووي : ومِن فوائده تفاضل الناس في الحقوق على حسب منازلهم ومراتبهم ، وهذا في بعض الأحكام أو أكثرها ، وقد سَوَّى الشرع بينهم في الحدود وأشباهها ، مما هو معروف . اهـ .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض
|
|
|
|
|