|
|
المنتدى :
إرشـاد الأدعـيــة
هل يصِح أن يُقال ( ألا تستحي أن تطلب الله العفو وأنت لا تعفو عن الناس) ؟
بتاريخ : 29-02-2016 الساعة : 01:43 AM
السلام عليكم ورحمة الله
انتشرت رسالة بين الناس فيها ترغيب على العفو ولكن تضمنت قول (ألا يستحي ..).
و قد يفهم منها أنه لا يجوز للإنسان أن يسأل الله العفو وهو لم يعفُ عمن ظلمه ، بل قد يربط بين عفو الله للعبد وعفو العبد عن الناس .
ما رأيكم بارك الله فيكم ؟

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .
هناك ارتباط بين عفو الله عن العبد ، وعفو العبد عن الناس ، كما قال تعالى : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
قال ابن كثير : وَكَانَ الصَّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْرُوفًا بِالْمَعْرُوفِ ، لَهُ الْفَضْلُ وَالأَيَادِي عَلَى الأَقَارِبِ وَالأَجَانِبِ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إِلَى قَوْلِهِ : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) الآية ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ ، فَكَمَا تَغْفِرُ عَنِ الْمُذْنِبِ إِلَيْكَ نَغْفِرُ لَكَ ، وَكَمَا تَصْفَحُ نَصْفَحُ عَنْكَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ الصَّدِّيقُ : بَلَى وَاللَّهِ إِنَّا نُحِبُّ - يَا رَبَّنَا- أَنْ تَغْفِرَ لَنَا ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ مَا كَانَ يَصِلُهُ مِنَ النَّفَقَةِ ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، فِي مُقَابَلَةِ مَا كَانَ قَالَ : وَاللَّهِ لَا أَنْفَعُهُ بِنَافِعَةٍ أَبَدًا . فَلِهَذَا كَانَ الصِّدِّيقُ هُوَ الصَّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ بنته . اهـ .
فمَن عفا وأصْلَح ، عَفَا الله عنه وتولّى الله جزاءه .
قال ابن القيم : وهو سبحانه وتعالى رحيم يُحب الرحماء، وإنما يَرْحَم مِن عباده الرحماء، وهو سِتِّير يُحب مَن يَستر على عباده، وعَفوّ يُحِبّ مَن يعفو عنهم، وغفور يُحِبّ مَن يَغفر لهم، ولطيف يحب اللطيف من عباده، ويُبغض الفظّ الغليظ القاسِي الجعظري الجوَّاظ، ورفيق يحب الرفق، وحليم يُحب الْحِلم، وبَرٌّ يُحِب البِرّ وأهْله، وعَدْل يُحِب العدل، وقابل المعاذير يحب مَن يَقبل معاذير عباده ، ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجودا وعدما ، فمَن عَفا عَفا عنه ، ومَن غَفَر غَفَر له ، ومَن سامَح سامَحه ، ومن حاقَق حاقَقَه، ومَن رَفَق بعباده رَفَق به، ومَن رَحِم خلقه رَحِمه، ومَن أحسن إليهم أحسن إليه، ومَن جَاد عليهم جَاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومَن سَترهم سَتره، ومَن صَفَح عنهم صَفَح عنه، ومَن تَتَبَّع عورتهم تَتَبَّع عورته، ومَن هتكهم هَتكه وفَضَحَه، ومَن مَنعهم خيره منعه خيره ، ومن شاق شاقّ الله تعالى به ، ومَن مَكَر مَكَر بِه ، ومَن خادَع خَادَعَه ، ومَن عامَل خَلْقَه بِصِفة عامَلَه الله تعالى بتلك الصفة بِعَيْنِها في الدنيا والآخرة .
فالله تعالى لعبده على حَسب ما يكون العبد لِخَلْقِه . اهـ .
مع ما جاء في تأخير عَرْض أعمال المتشاحِنَيْن حتى يصطلحا .
ولا يَعني هذا : أنه لا يجوز للإنسان أن يسأل الله العفو وهو لم يَعْفُ عمّن ظَلَمَه .
بل يَعني : أن عليه أن يستحيي أن يسأل الله العفو وهو لم يَعفُ عن الناس ، لأن الله عفوّ يُحب العفو ، ويُحب العافين عن الناس ، فيلتخلّق بالْخُلُق الذي يُحبّه الله ، وبالصِّفَة التي اتَّصَف الله بها ؛ ليُحبّه الله ويُعطيه سؤله .
قال ابن القيم : الغَيور قد وَافَق ربه سبحانه في صِفة من صفاته ، ومَن وافق الله في صفة من صفاته قادته تلك الصفة إليه بِزِمَامه ، وأدخلته على ربه ، وأدْنَته منه ، وقَرّبته مِن رحمته ، وصَيّرته مَحبوبا ، فإنه سبحانه رحيم يحب الرحماء ، كريم يحب الكرماء ، عليم يحب العلماء ، قوي يحب المؤمن القوي ، وهو أحب إليه مِن المؤمن الضعيف ، حييّ يُحب أهل الحياء ، جُميل يحب أهل الجمال ، وِتْر يحب أهل الوتر .
وسبق الجواب عن :
أريد توجيهًا لكي أعفو عن من ظلمني
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=10051
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض
|
|
|
|
|