|
|
المنتدى :
قسـم المحرمـات والمنهيات
موقف المسلم مما يَحدث من أعمال تفجير وعُنف
بتاريخ : 24-02-2010 الساعة : 09:43 PM
...
ما موقف المسلم مما يَحدث من أعمال تفجير وعُنف ؟

الجواب :
بارك الله فيك
هذه من الفتن ولا شكّ
وموقف المسلم في الفتن يتمثّل في :
1 - الردّ إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أما الردّ إلى الله فيكون بالرّجوع إلى كتاب الله ، فإنه ما من مشكلة أو فتنة إلا وفي القرآن لها الحلّ المناسب والدواء الناجع .
2 - الرجوع إلى العلماء الصادقين ، والصّدور عن رأيهم ، لقوله تعالى : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا ) .
قال ابن عطية : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ ) الآية : المعنى لو أمْسَكوا عن الخوض ، واستقصوا الأمور . وقال البغوي : ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) يَستخرجونه ، وهم العلماء ، أي عَلِموا ما ينبغي أن يُكتم ، وما ينبغي أن يُفشى .
3 - عدم الخوض فيما يَجري من غير عِلم واطّلاع على حقائق الأمور ، فإن الله تبارك وتعالى قال : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ) .
قال ابن جرير الطبري : ( أَذَاعُوا بِهِ ) أي أفْشَوه وأظهروه وتحدّثوا به قبل أن يَقِفُوا على حقيقته . وقال ابن جُزيّ : أذاعوا به : أي تكلّموا به .
4 - اعتزال الفتن في زمان الفتن ، فإن من يتطلّع إليها أو يخوض فيها ينجرف أو يَزلّ .
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الخوض في الفتن ، فقال عليه الصلاة والسلام : ستكون فتن ؛ القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، ومن يشرف لها تستشرفه ، ومن وَجَد ملجأ أو معاذا فليعذ به . رواه البخاري ومسلم .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باعتزال الفتن ، فقال : ستكون فتن وفُرقة ، فإذا كان ذلك فاكسر سيفك ، واتّخِذ سَيفاً من خشب . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه . وقال عليه الصلاة والسلام : بعدي أحداث وفتن واختلاف ، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل . رواه الإمام أحمد .
وقد بَعَث عليّ رضي الله عنه إلى محمد بن مسلمة ، فجيء به ، فقال : ما خلفك عن هذا الأمر ؟ قال : دفع إليّ ابن عمك - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - سيفا ، فقال : قاتِل به ما قُوتِل العدو ، فإذا رأيت الناس يَقتل بعضهم بعضاً فاعمَد به إلى صخرة فاضربه بها ، ثم الْزَم بيتك حتى تأتيك مَنِيّة قاضية ، أو يد خاطئة . قال : خَلُّوا عنه . رواه الإمام أحمد .
قال الإمام أحمد : ولا يَحلّ قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد مِن الناس ، فمن فعل ذلك ، فهو مُبتدِع على غير السنة .
وقال رحمه الله : وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عَرَضُوا للرَّجل في نفسه ومالِه ، فله أن يُقاتِل عن نفسه ومالِه ، ويدفع عنها بِكُلّ ما يَقدر عليه ، وليس له إذا فارَقوه أو تَرَكوه أن يَطلبهم ولا يَتبع آثارهم ، ليس لأحد إلاّ الإمام أو وُلاة المسلمين ، إنما له أن يَدفع عن نفسه في مقامه ذلك ، ويَنوِي بِجهده أن لا يقتل أحدا ، فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول ، وإن قُتِل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه ومالِه رَجوت له الشهادة ، كما جاء في الأحاديث ، وجميع الآثار في هذا إنما أُمِر بِقِتالِه ولم يُؤمَر بِقَتلِه ولا اتّباعه ، ولا يُجهِز عليه إن صُرِع أو كان جريحا ، وإن أخذه أسيرا فليس له أن يَقتله ، ولا يُقيم عليه الْحَدّ ، ولكن يَرفع أمره إلى مَن وَلاّه الله ، فيَحكم فيه . اهـ .
والفِتن التي تعصف بالأمة ، ولا تُفرّق بين بَـرّ وفاجِر ليست من الجهاد في شيء .
فإن الجهاد في سبيل الله واضح جَليّ ، لا يَحتاج إلى هذا الاختلاف ، كما انه لا يتضمّن قَتْل البرّ والفاجر ، بل لا يتضمّن قَتْل من لم يُقاتِل .
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصَّتِه بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تَغُلُّوا ، ولا تغدروا ، ولا تُمَثِّلوا ، ولا تَقتلوا وليداً ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال ، فأيتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم : ادْعُهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقْبَل منهم وكُفّ عنهم ، ثم ادْعُهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فَلَهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين ، فإن أبَوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حُكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هُم أبَوا فَسَلْهُم الجزية ، فإن هُم أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم ، فإن هُم أبَوا فاستعن بالله وقاتِلهم . رواه مسلم .
فهذه الوصية النبوية تدلّ على أنه لا يُقاتَل إلا مَن قاتَل ، كما أن القِتال لا يكون هو الحل الأول ، وليس هو الحل الوحيد أيضا .
ولذا لما وُجدت امرأة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان . كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
وكَتَب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما : أن اكتب إلي بالعلم كله . فكتب إليه : إن العلم كثير ، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس ، خميص البطن من أموالهم ، كافّ اللسان عن أعراضهم ، لازما لأمر جماعتهم ؛ فافعل .
وهذه وصية عظيمة .
فقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن خَرَج على أمتّه يَضرب برّها وفاجرها ! فقال عليه الصلاة والسلام : من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ، ولا يتحاش من مؤمنها ، ولا يَفِي لذي عهد عهده ؛ فليس مني ولست منه . رواه مسلم .
وقبل أيام وصلتني رسالة بل هدية من شيخ مُحبّ يقول فيها : قال الإمام أحمد : والإمساك في الفتنة سنة ماضية ، واجب لزومها ، فإن ابْتُلِيتَ فَقَدِّم نفسك دون دينك ، ولا تُعِن على فتنة بِيَد ولا لسان ، ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك ، والله المعين . ( طبقات الحنابلة ) .
ولِيُعلَم أني لا أقول هذا القول مُجاراة للإعلام ، ولا مُزايدة في الكلام ، وإنما هذا ما يقتضيه مجموع هذه الأدلة .ونسأل الله السلامة والثبات .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض
|
|
|
|
|