|
|
المنتدى :
إرشــاد الـصــلاة
الأئمة عندنا يجمعون من أجل البرد ، فما هو الضابط في ذلك ؟
بتاريخ : 02-10-2016 الساعة : 09:29 PM
شيخنا الحبيب حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم، يا علماء الأمة أفتونا رحمكم الله أنجدونا فقد ظللنا في الأردن ندعو الله و نبتهل إليه القطر من السماء أسابيع طويلة، و مع أول رشة ماء رحم الله بها بلادنا ، أخذ بعض الأئمة في المساجد يجمعون المغرب و العشاء، بحجة المطر ، فلما انقطع المطر، واصل أولئك الأئمة الجمع بين صلاتي المغرب و العشاء بحجة البرد الشديد
و لما ذهب البرد الشديد، و لم يبق إلا البرد المعتاد في مثل هذا الوقت من السنة في هذه البلاد، واصلوا الجمع حتى يومنا هذا، بحجة مجرد البرد،، و ها نحن ندخل منخفض جوي جديد و لا يزال أولئك الأئمة يجمعون !!! إن هذه الظاهرة منتشرة جداً في بلادنا، حتى اعتاد الكثير من الأئمة الجمع هكذا بدون سبب إلا مجرد البرد العادي الذي يكون في كل عام ، حتى في الأيام الصحو، التي لا غيم فيها و لا رياح،،يستند البعض في ذلك إلى أنهم سألوا بها الشيخ محمد ناصرالدين الألباني رحمه الله، و أنه أجابهم بجواز الجمع في البرد الشديد
أفتونا رحمكم الله
1- هل يجوز الجمع هكذا بدون سبب ؟
2- هل يجوز الجمع لمجرد البرد العادي (الذي يكون في كل يوم من فصل الشتاء، و اعتاد عليه الناس، و عندهم السرابيل التي تقيهم إياه)، في المساجد المهيأة لذلك بالتدفئة و ما شابه، فلا الجريد يسقفها و لا عسب النخيل يغطيها، بل السقوف الإسمنتية تعلوها ومن شدة البرد والحر تحميها، و لا الحصى والرمل يفرشها، بل السجاد الفاخر يوثرها، و مضيئة شوارعها والسيارات تأتيها؟؟
3- إذا كان الجمع للبرد العادي جائزاً، فكيف نوفق بين هذا الحكم ، و بين ما روي عن رسول الله، حديث أبي ذر عند البخاري ومسلم و غيرهما قال: سألت النبي -صلى الله عليه و آله وسلم-: أي العمل أحب إلى الله قال : (الصلاة على وقتها) و بحديث خباب عند مسلم قال: شكونا إلى رسول الله-صلى الله عليه وآله و سلم- حر الرمضاء في جباهنا و أكفنا فلم يشكنا،- أي لم يعذرنا و لم يزل شكوانا - ، و زاد ابن المنذر و البيهقي : وقال: (إذا زالت الشمس فصلوا). فإذا لم يأذن لهم رسول الله - صلى الله عليه و سلم- بجمع الظهر و العصر مثلاً، و هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، فكيف نجيز الجمع لمجرد البرد العادي؟؟
4- هل عند أحد من مرجع بفتوى الشيخ الألباني رحمه الله؟؟ و إذا كان الجمع في البرد الشديد جائزاً ، فما هي حدود شدة البرد المجيزة للجمع ، و هل يجوز أن يتخذه الناس عادة ؟؟
5- ما حكم البلاد التي يكون فيها البرد طوال السنة، و التي هي مهيأة لتلك الأجواء في مبانيها و ملابس أهلها و مركباتها و طرقها، فلا يكون في البرد الشديد حرج على أهلها ، مثل بعض بلاد أوروبا وكندا، و نيوزيلاندا ،، هل يجوز لهم الجمع هكذا طيلة أيام السنة، وأن يصلوا ثلاثاُ مثلاُ؟؟أخرج ابن أبي شيبة و أحمد في الزهد و الحاكم و صححه عن حذيفة قال : أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، و آخر ما تفقدون الصلاة. و لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، و ليصلين النساء و هن حيض، و لتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، و حذو النعل بالنعل، لا تخطوا طريقهم و لا تخطئ بكم،، حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة تقول إحداهما: ما بال الصلاة الخمس، لقد ضل من كان قبلنا إنما قال الله (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) لا تصلوا إلا ثلاثاً،، وتقول الأخرى : إنما المؤمنون بالله كإيمان الملائكة ، لا فينا كافر و لا منافق، حق على الله أن يحشرها مع الدجال،،
نحن بحيرة من أمرنا، ماذا نقول لهم؟
أفتونا جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
النـاس في هذا طَرَفان ووسَط ! فَطَرف يَجْمَع لِمجرَّد الـرَّش الخفيف بل قد يَجْمَع بعضهم لِمُجرَّد الغيـم ! وطَرَف آخر لا يَجمع ولو كان المطر شديدا ، بـل لو تأذَّى الناس أو تَضَرَّرُوا ! بِحُجَّة وُجود وسائل نَقْـل ، أو وُجود طُرُق مُعبَّدة .. إلى غير ذلـك . ولا تَغْلُ في شيء مِن الأمر واقْتَصِد *** كِلا طَرَفي قَصْد الأمُور ذَمِيـم
والوسَـط في ذلك أن لا يُجْمَع إلاَّ لِعُذر شَرْعيّ يُجـيز الْجَمْع . وقد ضَبَط العلماء هذه المسألة بِضـوابِط ، وقَيَّدُوها بِقُيُود ، وهي : وُجُـود الْمَشَقَّة وتَحَقُّق الضَّرَر ، أو غَـلبَة الظَّنّ بِتَحَقُّقِه .والأعذار التي تُبِيح الْجَـمْع :
1 – الْمَطَـر الذي يَبُلّ الثِّيَاب وتَكون مَعه مَشَقَّـة .
قال الترمذي : وقال بعض أهل العلم : يَجْمَع بَيْن الصلاتين في المطر ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق . اهـ .
قال ابن قدامة : والْمَطَر الْمُبِيح للجَمْع هو ما يَبُلّ الثياب وتَلحق الْمَشَقَّة بِالخروج فيه ، وأما الطلّ والمطر الخفيف الذي لا يَبُلّ الثياب فلا يُبِيح ، والثلج كالمطر في ذلك ؛ لأنه في معناه وكذلك البَرَد . اهـ .
وقال ابن الملقِّن : اخْتَلَف العلماء في جواز الْجَمْع بِعُذْر الْمَطَر ، فجوّزه الشافعي والجمهور في الصلوات التي يَجوز الجمع فيها ، وخَصَّه مَالك بالمغرب والعِشاء فقط . اهـ .
2 – الْمَـرَض :
قال الليث : يَجْمَع الْمَرِيض والْمَبْطُون ، وقال أبو حنيفة : يَجْمَع الْمَرِيض بَيْن الصَّلاتين كَجَمْع الْمُسَافِر ، وقال أحمد وإسحاق : يَجْمَع الْمَرِيض بَيْن الصَّلاتين . ذكره ابن عبد البر .
وقال الترمذي : ورَخَّص بعض أهل العلم مِن التابعين في الْجَمْع بين الصلاتين للمريض ، وبه يقول أحمد وإسحاق ... ولم يَرَ الشافعي للمَريض أن يَجْمَع بَيْن الصَّلاتين . اهـ .
وقال ابن قدامة : والْمَرَض الْمُبِيح للجَمْع هو ما يلحقه به بِتأدِية كل صلاة في وقتها مَشَقَّة وضَعْف . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : الْمَرِيض يَجْمَع بَيْن الصلاتين ؟ فقال : إني لأرجو له ذلك إذا ضَعُف ، وكان لا يقدر إلا على ذلك . وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن بِه سلس البول ومَن في معناهما . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالأحَاديث كُلها تَدُلّ على أنه جَمَع في الوقت الواحد لِرَفْع الْحَرَج عن أُمَّتِه ، فيُباح الْجَمْع إذا كان في تركه حَرَج قد رَفَعَه الله عن الأمَّة ، وذلك يَدُلّ على الْجَمْع للمَرَض الذي يحرج صاحبه بِتفريق الصلاة بِطريق الأولى والأحْرى ، ويَجْمَع مَن لا يُمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلاَّ بِحَرج كالمستحاضة ، وأمثال ذلك مِن الصُّوَر . اهـ .
3 – البَـرْد الشَّدِيد :
وضابِطه ما وُجِد معه مَشَقَّة ، أو غَلَب على الظَّنّ وُقُوع الضَّرَر به .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن صلاة الجمع في المطر بين العشائين ، هل يجوز مِن البرد الشديد ؟ أو الريح الشديدة ؟ أم لا يجوز إلاَّ مِن الْمَطَر خاصة ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . يجوز الجمع بين العشائين للمطر والريح الشديدة الباردة والوَحل الشديد ، وهذا أصح قولي العلماء ، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما ، والله أعلم . اهـ .
وفي حُكمه الرِّيح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة .قال ابن قدامة : فأما الرِّيح الشديدة في الليلة المظلمة البارِدة ففيها وجهان : أحدهما يُبيح الْجَمْع . قال الآمدي : وهو أصح ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ؛ لأن ذلك عُذر في الجمعة والجماعة . اهـ .
وليس الْجَمْع بين الصلوات التي يَجوز جَمْعها جائزا ؛ فهذا فِعل الرافضة ! وإنما هو رُخصَة ، والرُّخْصَة تُقدَّر بِقَدْرِها . وليس كُل مَرَض ولا كُلّ بَرْد ولا كُلّ مَرَض يُبَاح معه الْجَمْع ، وإنما ما يَكون مَعه مَشَقَّـة ، أو غلبة الظنّ بِتَحقّق الضرر .
فمجرّد وُجود البر أو الْمَرَض أو المطر ليس عُذرا في إباحَة الْجَمْع .ولْيَتَّق الله أئمة المساجد في صَلاة الناس ، فإنهم على خَطَر إذا ما فرَّطُوا أو أضاعوا صلاة الناس ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الأَئِمَّةَ ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
وما يَكون مِن خَلل ونَقص بِسبب تفريط أو إهمال الأئمة فإن تَبِعَة ذلك عليهم ، لِقوله عليه الصلاة والسلام : يُصَلُّون لكم ، فإن أصَابوا فَلَكُم ، وإن أخْطَأوا فَلَكُم وعَليهم . رواه البخاري .وفي رواية عند الإمام أحمد : يُصَلُّون بكم ، فإن أصَابوا فَلَكُم ولَهم ، وإن أخْطَأوا فَلَكُم وعَليهم .
فعلى الأئمة تَقَع مسؤولية عظيمة . وفتاوى العلماء في جواز الْجَمْع ليس لِمُجرَّد وُجود مَطَر ، بل الفتوى في جواز الْجَمْع في الْمَطَر الشَّديد ، وفي الحال الذي تلحق به الْمَشَقَّـة . وقد عَدّ بعض أهل العِلْم الْجَمْع بين الصلاتين مِن غير عُذر مِن كبائر الذنوب . وفي حُكمه مَن جَمَع بِغير عُذر مُسوِّغ ، كَمُجرَّد البَرْد والْحَرّ ، أو مُجرَّد الْمَطَر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : تَأْخِيرُ الصَّلاةِ عَنْ غَيْرِ وَقْتِهَا الَّذِي يَجِبُ فِعْلُهَا فِيهِ عَمْدًا مِنْ الْكَبَائِرِ ، بَلْ قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ . اهـ .
ومثله تَقديم الصلاة عن وقتها من غير عُذر ؛ لأن الصلاة في الأصل لا تَصِحّ إلا في وقتها ، لِقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) .قال مجاهد : أي : فَرْضًا مُؤقَّتًا يُؤدَّى في أوقاته .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض
|
|
|
|
|