بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم - أنعم الله عليكم -
لماذا تأخَّـر يوسفُ عليه السلام في كشف شخصيِّته لإخوانه ؟
حيث طلبهم أخًا لهم فلمَّـا جاؤوا به لم يكشِف عن شخصيِّته وإنَّـما دبَّر - عليه السلام - قِصَّة سرِقة صواع الملِك ، فعاد الإخوة إلى أبيهم فأخبروه بقِصَّة السَّرِقة ثمَّ جعوا إلى يوسف يستشفعون .
فما الحِكمة مِن ذلك ؟
ولماذا لم يخبرهم أنَّه يوسف بمجرَّد أن جاؤوا بأخيه ؟
وجزاكم الله خير الجزاء وفتح الله عليكم بالعِلم والمعرفة وأجزل لكم الأجر والمثوبة والإحسان .
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
ذلك – والله تعالى أعلم – لكي يأتوا إليه بأخيه ، فيُؤويه إليه ويحفظه عنده .
ولأن البشارة لِيعقوب بيوسف بعد ذلك ستكون أعظم مما لو قال لهم في أوّل الأمر : أنا يوسف ..
قال القرطبي : قَوْلُهُ تَعَالَى : (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ ، وَإِنَّمَا غَابَ عَنْهُ خَبَرُهُ ، لأَنَّ يُوسُفَ حُمِلَ وَهُوَ عَبْدٌ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمَلِكُ فَكَانَ فِي دَارِهِ لا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ ، ثُمَّ حُبِسَ ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ احْتَالَ فِي أَنْ يَعْلَمَ أَبُوهُ خَبَرَهُ ، وَلَمْ يُوَجِّهْ بِرَسُولٍ لأَنَّهُ كَرِهَ مِنْ إِخْوَتِهِ أَنْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ فَلا يَدَعُوا الرَّسُولَ يَصِلُ إِلَيْهِ . وَقَالَ

بِهِمْ) لأَنَّهُمْ ثَلاثَةٌ ، يُوسُفُ وَأَخُوهُ ، وَالْمُتَخَلِّفُ مِنْ أَجْلِ أَخِيهِ ، وَهُوَ الْقَائِلُ

فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ) . اهـ .
ولكي يظهر فَضْله عليهم ، إذا ما احتاجوا إليه ، ولجأوا إليه ، يسألونه ويطلبونه .
ولذلك قال بعد ذلك : (قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) .
ومِن أجل أن يُقرِّرهم بعد ذلك بِما صَنَعُوا به ، حيث قال لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) ؟
ولكي يعترفوا له بالفضل ، ويُقِرّوا بالخطأ ، حيث قالوا : (تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) .
وكان كَبِيرُهُمْ قَال قبل ذلك : (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) .
قال القرطبي : غَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ حَتَّى نَسُوا الذَّنْبَ ، وَأَصَرُّوا عَلَيْهِ ، حَتَّى أَقَرُّوا بَيْنَ يَدَيْ يُوسُفَ فِي آخِرِ الأَمْرِ بَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً ، وَقَالُوا لأَبِيهِمْ : (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) . اهـ .
وليظهر حِلْمه الثاني بعد الأول ، حيث كان حِلمه في الأولى : (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) .
وحِلمه في الثانية في قوله : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) .
وهذا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة يوم الفتح ، حين أظْهَره الله عليهم .
وهكذا كلّ مَن صَبَر كانت له العُقبَى كأحسَن ما يرجو .
قال ابن عطية : الإحسان مِن العبد ، والْجَرْي على طريق الحق ، لا يَضيع عند الله ، ولا بُدّ مِن حُسْن عاقبته في الدنيا .
والله تعالى أعلم .
المجيب فضيلة الشيخ/عبد الرحمن بن عبد الله السحيم