|
|
المنتدى :
قسـم الفتـاوى العامـة
حكم قول: ركعتين أصليهما أحب لي من الجنة بما فيها
بتاريخ : 22-03-2010 الساعة : 01:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيـم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتـه
سؤال إلى فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن السحيم حفظه الله تعالى.
ما حُكم هذا القول ؟
قال الأسود بن سالم : ركعتين أصليهما أحب لي من الجنة بما فيها !! فقيل له: هذا خطأ . فقال : دعونا من كلامكم , الجنة رضا نفسي، والركعتان رضا ربي , و رضا ربي أحب إلي من رضا نفسي !!!

الجواب
هذا غَلَط ؛ لأن الجنة هي دار الكرامة والرِّضا .
وقد سأل موسى ربه عن أعلى أهل الجنة مَنْزِلة . قال : أولئك الذين أرَدْتُ . غَرَسْتُ كَرامتهم بيدي ، وخَتَمْتُ عليها ، فلم تَرَ عَين ، ولم تَسْمَع أُذُن ، ولم يَخْطُر على قَلْب بَشْر . رواه مسلم .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُرغِّب في الأعمال الصالحة ويَحثّ عليها ، ويُخبِر أصحابه بأنها خير من الدنيا وما فيها ، فَمِن ذلك قوله : ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها . رواه مسلم .
ولم يَقُل : خير من الجنة ، ولا أحبّ إليّ من الجنة .
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُرغِّب أصحابه في الجنة بِذِكْرِ ما فيها .
قال عليه الصلاة والسلام : لو أن امرأة من أهل الجنة اطّلَعَتْ إلى أهل الأرض لأضاءتْ ما بينهما ولَمَلأتْه رِيحا ، ولَنَصِيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها . رواه البخاري .
ولما أُهْدِيتْ للنبي صلى الله عليه وسلم حُلة حَرير ، جَعَل أصحابه يَمَسّونها وَيعجبون مِن لِينها ، فقال : أتعجبون من لين هذه ؟ لَمَنادِيل سعد بن معاذ خير منها وألْيَن . رواه البخاري ومسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : وموضع سَوط أحدكم من الجنة خَير من الدنيا وما عليها . رواه مسلم .
وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم سألوه الجنة ، وما يُوصِل إليها ، وما يُدْخِلهم الجنة .
ففي صحيح مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال : كنت أَبِيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوَضوئه وحاجته ، فقال لي : سَل . فقلت : أسألك مُرافقتك في الجنة . قال أوَ غير ذلك ؟ قلت : هو ذاك . قال : فأعِنّي على نفسك بِكثرة السجود .
وعند البخاري من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بِعَمَل يُدْخِلني الجنة . فقال القوم : مالَه مالَه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرَبٌ مَاله ؟ تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتَصِل الرَّحِم .
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سَفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير ، فقلت : يا رسول الله أخبرني بِعَمَل يُدخلني الجنة ويُباعدني من النار . قال : لقد سألتني عن عظيم ، وإنه ليسير على مَن يَسَّرَه الله عليه .. الحديث . رواه الإمام أحمد والترمذي .
والأمثلة على ذلك كثيرة . ثم إن هذا القول يُشبه قول من قال : ما عَبَدْتُك شَوقًا إلى جنتك ولا خَوفًا مِن نَارِك .
وهذا غلَط كما بيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث بيَّن : أن طائفة من الصوفية والعباد شاركوا هؤلاء [ الجهمية والحلولية] في أن مُسَمّى الجنة لا يَدخل فيه النظر إلى الله ، وهؤلاء لهم نَصيب من محبة الله تعالى والتلذذ بعبادته ، وعندهم نصيب من الخوف والشوق والغرام ! فلما ظَـنُّوا أن الجنة لا يَدخل فيها النظر إليه صاروا يَسْتَخِفُّون بِمُسَمّى الجنة ، ويقول أحدهم : " ما عبدتك شوقا إلى جنتك ولا خَوفا من نارك " وهم غَلطوا من وجهين :
أحدهما : أن ما يَطلبونه مِن النظر إليه والتمتع بِذِكْرِه ومُشاهدته كل ذلك في الجنة .
الثاني : أن الواحد من هؤلاء لو جَاع في الدنيا أياما ، أو أُلْقِي في بعض عذابها ؛ طَارَ عَقْلُه ، وخَرَج مِن قَلْبِه كلّ مَحَبّة !
ولهذا قال سَمنون :
وليس لي في سِواك حَظّ *** فكيفما شئت فامْتَحِنِّي
فابْتُلِي بِعُسْر البول فصار يطوف على المكاتب ويقول : ادْعُوا لِعَمِّكُم الكذّاب .
وأبو سليمان لما قال : قد أُعْطِيتُ مِن الرضا نصيبا لو ألْقَاني في النار لكنت رَاضيا . ذُكِرَ أنه ابْتُلي بِمَرَض ، فقال : إن لم تُعافني وإلا كَفَرْتُ ! أو نحو هذا .
والفضيل بن عياض ابْتُلِي بِعُسْر البول فقال : بِحُبِّي لك إلا فَرّجْتَ عَنِّي ، فَبَذَلَ حُبّه في عُسْرِ البول .
فلا طاقة لمخلوق بعذاب الخالق ، ولا غِنَى به عن رحمته .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لِرَجُل : ما تدعو في صلاتك ؟ قال : أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ، أما أني لا أُحْسِن دَنْدَنتك ولا دَندنة معاذ . فقال : حولها نُدندن .
ودَخَلَ عَلى أعرابي قد صار مثل الفَرْخ ، فقال : هل كنت تدعو الله بشيء ؟ قال : كنت أقول : اللهم ما كنت مُعَاقِبي به في الآخرة فَعَجِّلْه لي في الدنيا ، فقال : سبحان الله إنك لا تَستطيعه ، أو لا تُطيقه . هلاّ قُلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
والعدوان في الإرادة والعبادة والعمل حصل من إعراضهم عن العلم الشرعي واتِّبَاع الرسول ، وقد قال تعال : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) .
قال بعضهم : ليس الشأن في أن تُحِبّه ، الشأن في أن يكون هو يُحِبّك . وهو إنما يُحِبّ مَن اتّبَعَ الرّسول صلى الله عليه وسلم . اهـ .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد
|
|
|
|
|