|
|
المنتدى :
قسـم الفتـاوى العامـة
نريد من فضيلتكم شرح:إنك عبد جاحد ولا تشعر بنعمه عليك !!
بتاريخ : 25-02-2010 الساعة : 02:33 PM
السلام عليكم
شيخنا الفاضل
أحد الإخوان كتب هذه الجملة في موضوع ونريد من فضيلتكم الشرح لهذه الكلمة ومتى تطلق على العبد
إنك عبد جاحد ولا تشعر بنعمه عليك !!!!
وبارك الله لك وجزاكم الله خيرا

الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
قال الراغب الأصفهاني : الْجُحُود : نَفْي ما في القلب إثباته ، وإثبات ما في القلب نَفْيه ... يُقال : رجل جحد : شحيح قليل الخير ، يُظهر الفقر .
وقال : لِمَّا كان الكفران يَقتضي جحود النعمة صار يستعمل في الجحود ، قال : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِر بِهِ) أي : جاحِد له وسَاتِر . اهـ .
وقال الجوهري : الْجُحودُ : الإنكار مع العِلم .
فالجاحِد هو الذي يُنكر نِعمة الله عليه ، أو هو من يَزعم أن ما به مِن نعمة بسبب استحقاقه ، كما قال تعالى : (فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)
قال ابن كثير : يقول تعالى مُنْكِرًا على الإنسان في اعتقاده إذا وسَّع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك ، فيعتقد أن ذلك مِن الله إكرام له وليس كذلك ، بل هو ابتلاء وامتحان . كما قال تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَال وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ) . وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضَيَّق عليه في الرزق ، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له . قال الله : (كَلاَّ) ، أي : ليس الأمر كما زَعَم ، لا في هذا ولا في هذا ، فإن الله يُعطي المال من يُحِبّ ومَن لا يُحِبّ ، ويُضيق على مَن يُحِبّ ومَن لا يُحِبّ ، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين ، إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك ، وإذا كان فقيرًا بأن يصبر . اهـ .
وقال ابن القيم : " فَرَدَّ اللهُ سُبحانه على مَن ظّن أنَّ سَعَة الرِّزْق إكْرام ، وأنَّ الفَقْر إهَانة ، فقال : لَم أبْتَلِ عبدي بالغِنى لِكَرَامَتِه عَلَيَّ ، ولم أبْتَلِه بالفَقْر لِهَوانِه عليَّ . اهـ .
وقال رحمه الله : فهو قد اعترف بأن ربَّـه هو الذي آتاه ذلك ، ولكن ظن أنه لكرامته عليه ، فالآية على التقدير الأول : تتضمن ذم من أضاف النعم إلى نفسه وعِلْمِه وقوَّتِه ، ولم يضفها إلى فضل الله وإحسانه ، وذلك محض الكفر بها ، فإن رأس الشكر الاعتراف بالنعمة وأنها من المنعم وحدَه ، فإذا أضيفت إلى غيره كان جَحْداً لها ، فإذا قال : أوتيته على ما عندي من العلم والخبرة التي حصلت بها ذلك ، فقد أضافها إلى نفسه وأعجب بها ، كما أضافها إلى قدرته الذين قالوا : من أشد منا قوة ؟! فهؤلاء اغتروا بقوّتهم ، وهذا اغتر بعلمه فما أغنى عن هؤلاء قوتهم ، ولا عن هذا علمه .
وعلى التقدير الثاني : تتضمن ذم من اعتقد أن أنعام الله عليه لكونه أهلا ومستحقا لها ، فقد جعل سبب النعمة ما قام به من الصفات التي يستحق بها على الله أن ينعم عليه .
وأن تلك النعمة جزاء له على إحسانه وخيره ، فقد جعل سببها ما اتصف به هو لا ما قام بربه من الجود والإحسان والفضل والمنة ، ولم يعلم أن ذلك ابتلاء واختبار له أيشكر أم يكفر ، ليس ذلك جزاء على ما هو منه ، ولو كان ذلك جزاء على عمله أو خير قام به فالله سبحانه هو المنعم عليه بذلك السبب فهو المنعم بالمسبب والجزاء والكلُّ محضُ منَّتِه وفضلِه وجودِه ، وليس للعبد من نفسه مثقال ذرة من الخير . وعلى التقديرين فهو لم يُضِفْ النعمةَ إلى الرب من كل وجه ، وإن أضافها إليه من وجه دون وجه ، وهو سبحانه وحده هو المنعم من جميع الوجوه على الحقيقة بالنعم وأسبابِها . اهـ .
وقد يكون الجحود بازدراء النعمة واحتقارها إذا ما قارن الإنسان نفسه بِمن هو أكثر منه مالاً ومتاعا .
قال عليه الصلاة والسلام : إذا نظر أحدكم إلى مَن فُضِّلَ عليه في المال والْخَلْق فلينظر إلى من هو أسفلَ منه . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : انظروا إلى من أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فَوقَكُم ، فهو أجدرُ أن لا تزدروا نعمةَ الله عليكم .
أحد الصالحين كان أقرع الرأس ، أبرص البدن ، أعمى العينين ، مشلول القدمين واليدين ، وكان يقول : " الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا ممن خَلَق وفَضَّلني تفضيلاً " فَمَـرّ بِهِ رجل فقال له : مِمَّ عافاك ؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول . فَمِمَّ عافاك ؟
فقال : ويحك يا رجل ! جَعَلَ لي لسانًا ذاكرًا ، وقلباً شاكرًا ، وبَدَنًا على البلاء صابرًا !
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
|
|
|
|
|