وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
البِدَع ليست على درجة واحدة ، بل هي على درجات ، وهي في الْجُمْلَة تنقسم إلى قسمين : كُبرى وصُغرى ، وهذه سبق التفصيل فيها .
والبِدع الصُّغرى على درجات ، بحسب البدعة وتأثيرها وخَطَرها .
وأهل العِلْم يَنظرون في الْمَحاسِن والمساوئ ؛ فيُعرَف لِمَن له قَدَم صِدق في الإسلام .
قال ابن المبارك : إِذَا غَلَبَت مَحَاسن الرَّجُل على مَساوِئه ، لَمْ تُذْكَر المَساوئ ، وإذا غَلَبَت المساوِئ على المحاسِن ، لَمْ تُذْكر المحاسن .
ولا تجوز غيبة مُبتَدِع إلاّ بِقَدْر ما عنده ، وبِقَدْر ما يُحْذَر منه .
سئل سفيان بْن عُيَيْنَة : يُغتاب صاحب هَوى ؟ قال : يُذْكَر منه هَواه ، ولا يَغتابه فيما سوى ذلك .
وذلك لأن أهل السنة أهل عَدْل وإنصاف
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : طريق السُّنة عِلم وعَدل وهدى . وفي البدعة جهل وظُلم ، وفيها اتباع الظن وما تهوى الأنفس .
وقال رحمه الله عن بعض أهل البِدع : وكذلك استُحمِدُوا بما رَدّوه على الجهمية والمعتزلة والرافضة والقدرية مِن أنواع المقالات التي يُخالِفون فيها أهل السنة والجماعة .
فَحَسَناتهم نَوعَان :
إمّا موافقة أهل السنة والحديث .
وإمّا الردّ على مَن خالَف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم .
ولم يتبع أحدٌ مذهب الأشعري ونحوه إلاّ لأحَد هَذين الوَصْفَين أو كِليهما .
وكل مَن أحبّه وانتصر له مِن المسلمين وعُلمائهم فإنما يُحبه ويَنتصر له بذلك . اهـ .
ولذلك لا يصحّ إطلاق قول لا غيبة لِمُبْتدِع ، إلاّ مع التفصيل السابق واللاحِق .
والسلامة لا يَعدِلها شيء .
ومِن السلامة : أن يكون الإنسان عفيف اللسان ، سَلِيم القلب ، وهذا هو سبيل أهل العِلْم والإيمان .
كَتَب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما : أن اكتب إليّ بالعِلم كله . فكتب إليه : إن العلم كثير ، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس ، خميص البطن مِن أموالهم ، كافّ اللسان عن أعراضهم ، لازِمًا لأمْر جماعتهم ؛ فافعل .
ولن يُسأل الإنسان : لِمَ لَم تتكلَّم في الناس . ولكنه سوف يُسأل إذا تكلَّم في الناس .
مع ما في هذا الأمر مِن حظوظ النَّفْس ، ومِن خِداع النَّفْس أن تُزيِّن الوقيعة في الناس بِحُجّة الوقيعة في أهل البِدَع .
وقد يُوقَع في أُناس ليسوا مِن أهل البِدع ، ويكون سَبَق ذلك تصنيف الناس وتبديعهم !
وما رأيت أكثر إذهابا لِبركة العِلْم والوقت ، ولا أدلّ على الخذلان ولا أوضح منه - مِن الاشتغال بأعراض الناس ، خاصة العلماء وطلبة العِلْم .