|
|
المنتدى :
قسم القـرآن وعلـومه
من جلس في مجلس ولم ينكر المنكر أو يغادر المكان فهل تشمله الآية (إنكم إذا مثلهم) ؟
بتاريخ : 12-03-2016 الساعة : 01:25 AM
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحبكم في الله ونسأل الله أن يبارك فيكم ويعينكم على الحق والصواب وهو القادر علي ذلك
نحن لدينا سؤال شرعي ونرجو منكم أن تجيبونا بأحسن ما لديكم من وسعكم جزاكم الله خيرا
سؤالنا : إن الله تعالى قال في محكم التنزيل : (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا)
فإذا أحد حضر مجلسا ولكن ما أنكر وما قام من المجلس . هل يشمله هذه الآية ؟
ثم أرشدونا بكتاب أو رسائل عن هذا الموضوع جزاكم الله خيرا على هذا المساعدة

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
وأحبكم الله الذي أحببتمونا فيه .
قوله عزَّ وجَلّ : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) ، فيما يتعلّق بالكُفْر والاستهزاء بِدين الله عزَّ وجَلّ ، ويدخل في ذلك : موافقة أهل المنكر مِن غير إنكار عليهم .
ومراتب الإنكار ثلاث :
المرتبة الأولى : الإنكار بالقلب ، فيعرف القلب المنكر . قيل عند ابن مسعود رضي الله عنه : هَلَك مَن لَم يَأمُر بِالْمَعْرُوف ويَنْه عن الْمُنْكَر . فقال ابن مسعود : هَلَك مَن لَم يَعْرِف قَلْبه مَعْرُوفًا ، ولَم يُنْكِر قَلبه مُنْكَرا .
المرتبة الثانية : الإنكار باللسان ، لأنه إذا أمكن إزالة المنكر بالقول باللسان ، فلا يُلجأ إلى الإنكار باليد .
المرتبة الثالثة : الإنكار باليد ، لِمَن كان مُستطيعا له .
أما إذا لم يستطع أن يُنكر باللسان ولا باليد ، فعلى المسلم أن يُفارِق مَحّل ومكان المنكر ؛ لقوله تبارك وتعالى : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) ، ولقوله عزَّ وجَلّ : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
ولهذا قال العلماء : إنه يجب على أصحاب الكؤوس ، يعني الذين يشربون الخمر : أن يتناهوا عن المنكر !
والجلوس مع مَن يَكفر بالله عزَّ وجَلّ ويستهزئ بِدين الله مع عدم الإنكار : موافقة له على فعله ؛ لأنه لو أنكر حقيقة لقام مِن مجلسه ذلك ، والرضا بالكُفر كُفْر بنصّ الآية : (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) .
قال البغوي في تفسيره : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي : إن قَعَدتم عندهم وهُم يخوضون ويستهزئون ورَضِيتم به ؛ فأنتم كُفَّار مثلهم . اهـ .
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) : دَلّ بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظَهر مِنهم مُنكَر ، لأن مَن لم يَجْتَنِبهم فقد رَضي فعلهم ، والرِّضا بالكُفر كُفر ، قال الله عز وجل: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) ، فَكُلّ مَن جَلَس في مَجْلِس مَعْصِية ولم يُنْكِر عليهم يكون معهم في الوِزْر سواء ، وينبغي أن يُنْكِر عليهم إذا تَكَلَّمُوا بالمعصية وعَمِلُوا بها ، فإن لم يَقْدِر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون مِن أهل هذه الآية .
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أخَذَ قَومًا يَشربون الخمر ، فقيل له عن أحد الحاضرين : إنه صائم ! فَحَمَل عليه الأدب ، وقرأ هذه الآية (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) ، أي : إن الرضا بالمعصية معصية ، ولهذا يُؤاخذ الفاعل والراضي بِعقوبة المعاصي حتى يَهْلِكوا بأجمعهم . اهـ .
ويلتحق بهذا : مُجالسة أهل البدع ، خاصة البدع المغلّظة .
قال القرطبي في تفسيره : وقد ذهب إلى هذا جماعة مِن أئمة هذه الأمة وحَكَم بِموجب هذه الآيات في مَجَالِس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة ، منهم : أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك ، فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا : يُنْهَى عن مُجَالَسَتهم ، فإن انتهى وإلا أُلْحِقَ بهم ، يَعْنُون في الْحُكْم . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : الْهَجْرُ الشَّرْعِيُّ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : بِمَعْنَى التَّرْكِ لِلْمُنْكَرَاتِ . وَالثَّانِي : بِمَعْنَى الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا.
فَالأَوَّلُ : هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، وقَوْله تَعَالَى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ) . فَهَذَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لا يَشْهَدُ الْمُنْكَرَاتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، مِثْلَ : قَوْمٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يَجْلِسُ عِنْدَهُمْ ، وَقَوْمٌ دُعُوا إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا خَمْرٌ وَزَمْرٌ لا يُجِيبُ دَعْوَتَهُمْ ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ . بِخِلافِ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُمْ لِلإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ ، أَوْ حَضَرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ . وَلِهَذَا يُقَالُ: حَاضِرُ الْمُنْكَرِ كَفَاعِلِهِ . وَفِي الْحَدِيثِ : "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ " ...
النَّوْعُ الثَّانِي : الْهَجْرُ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ ، وَهُوَ هَجْرُ مَنْ يُظْهِرُ الْمُنْكَرَاتِ يُهْجَرُ حَتَّى يَتُوبَ مِنْهَا كَمَا هَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ : الثَّلاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ ، حِينَ ظَهَرَ مِنْهُمْ تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَلَمْ يَهْجُرْ مَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا .
فَهُنَا الْهَجْرُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ ، وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ لِمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلُ الْمُحَرَّمَاتِ ؛ كَتَارِكِ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَالتَّظَاهُرِ بِالْمَظَالِمِ وَالْفَوَاحِشِ ، وَالدَّاعِي إلَى الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الأُمَّةِ الَّتِي ظَهَرَ أَنَّهَا بِدَعٌ . وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ وَالأَئِمَّةِ : إنَّ الدُّعَاةَ إلَى الْبِدَعِ لا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ وَلا يُنَاكَحُونَ . فَهَذِهِ عُقُوبَةٌ لَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا . اهـ .
وأما الكتب : فـ عامة كُتب التفاسير ، خاصة تفسير القرطبي " الجامع لأحكام القرآن " ، وتفسير البغوي " معالم التَّنْزِيل " ، وتفسير ابن كثير .
وكُتب العقائد تتناول هذه المسألة ؛ لأنها مسألة كُفر وإيمان .
وسبق :
هل يجوز للمدخّن أو صاحب المعصية أن ينصح المدخنين ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2837
إذا استهزأ أحد بآية من آيات الله في التلفاز ، هل يجب عليّ أن أقوم مِن هذا المكان ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=10456
ما معنى: " فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ " ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12642
هل من يشاهد المسلسلات يأخذ نفس إثم الممثلين والممثلات ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=10982
ما حُكم حضور حفل زفاف به منكرات ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=15946
ما قولك في إزالة عميد الكلية لِصُور ذوات الأرواح ، وهل يشترَط لإزالة المنكر عِلم صاحبه به؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13417
هل يجب متابعة الاحتساب وتكراره إذا لم يزل المنكر ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=15625
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
|
|
|
|
|