السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أولا أحمد الله عز و جل على رجوع قسم الفتاوى لنستفتي شيخنا الحبيب عبد الرحمان السحيم حفظه الله فيما يشكل علينا..و دعني أخبرك شيئا..أحبك في الله...
أحمد الله عز وجل على التغيرات التي حدثت في تونس و الانفراج الذي حصل للمتدينين الذين كانوا عرضة للاضطهاد و التضييق..
لكن أصبحت في حيرة كبيرة..أنا و لله الحمد متبع لمنهج السلف الصالح و بفهم سلف الأمة لكن وجدت نفسي مشوش الفكر..كيف أتصرف في ظل هاته الثورة دون المساس بثوابتي..كيف أدعو الناس..كيف أكوّن نفسي..كيف أكون ايجابيا...في ظل الطفرة التي نعيشها في تونس
كثرت الفرق:التحرير و الاخوان والصوفية و الأحباش و التكفيريون و المداخلة...و انتشرت الجمعيات الخيرية و بدأت التيارات الفكرية في بث أفكارها و شبهاتها..
لكن وجدنا أنفسنا في مكاننا..لم نتحرك سوى مواصلتنا في التدريس في الجمعيات القرآنية و القاء بعض الدروس في المساجد...
و الذي يحزن أن الفرق الاسلامية يعيّرون السلفيين بالجمود و عدم التحرك...و التيارات الفكرية ينتقصون في الاسلام و يريدون اقصائه و قد بدؤوا فعلا...لذلك وجب علينا التحرك لكن السؤال كيف؟؟؟
شيخي الحبيب أريد منكم أن تؤصلوا لنا منهجا نعتمده في هاته الفترة الحساسة نكون فيه ايجابيين في محيطنا لنكسب قلوب الناس الذين مازالوا متخوفين من الاسلام وقلوب الناشطين في الفرق الاسلامية الأخرى الذين ينظرون لنا نظرة المتشددين و الغير فاعلين..نكون فيه داعين الى الله و رسوله بما لا يخالف ثوابتنا..
في انتظار اجابتكم التي سأحاول ان شاء نشرها بين اخوتي الذين أحمل معهم نفس المنهج..
جزاك الله خيرا و رزقك الاخلاص في القول و العمل...
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
وأحبّك الله الذي أحببتني فيه .
زمَن الفِتن زَمَن عَصيب ، يجعل الحليم حيرانا ، ولذا كان السلف يأمرون بالكَفّ في زمن الفِتن .
روى الإمام مسلم من طريق عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ قَال : كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ ، فَنَزَلَ ، فَقَالَ لَهُ : أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ ، فَقَالَ : اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ .
ورَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ : إذَا خَرَجَ عَلَى الإِمَامِ الْعَدْلِ خَارِجٌ وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْهُ ، مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَدَعْهُ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْ ظَالِمٍ بِمِثْلِهِ ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْ كِلَيْهِمَا . نَقَله ابن العربي .
وقال الإمام أحمد : الإمساك في الفِتنة سُنة ماضية ، واجِب لُزُومها ، فإن ابْتُلِيتَ فَقَدِّم نفسك دون دِينك ، ولا تُعِن على فتنة بِيَدٍ ولا لِسَان ، ولكن اكْفُف يَدك ولِسانك وهَواك ، والله المعين (طبقات الحنابلة) .
وفي مثل هذه الفِتن والأوضاع المتلاطمة ، وكثرة الْهَرْج ، يحسُن بالمسلم اعتِزال الفِتن ، والعمل مِن أجل نُصرة الدِّين ، فلا يُترَك الأمر للفُسّاق والفُجّار ليتسلّطوا على رقاب العِباد ، ولا يُخاض في الأمر خَوْضا مُوسَّعا مَذموما .
فلا يَكون الإنسان بِمَعْزِل عن اتِّخاذ القرار ، ولا يَكون في مَعمعة الفِتن ، ولا مع الغَوغاء ، بل يكون لهم شأن وحُضور ينفع الله به البلاد والعباد .
ولا يَتهافتُون على الإمارة كَتَهافُت الفَراش في النار ! بل يكون هدفهم الإصلاح ولو أُمِّر عليهم عبد حبشي !
وأهل العِلْم الكبار في كلّ بلَد أدرى بِما يُصلِحه ، وأعرَف بِما يُناسِبه مِن الطُّرُق والأساليب .
فارجِعوا – حفظكم الله – إلى العلماءالكِبار الثقات ، وخُذُوا عنهم .
وبالله تعالى التوفيق .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية